أميركا- ايران: تحولات جذرية ورهانات كبرى

منذ الاعلان المفاجئ للرئيس الأميركي دونالد ترامب من المكتب البيضاوي عن بدء محادثات مع إيران في سلطنة عُمان، تتوالى التحذيرات من جانب المشككين في جدوى الديبلوماسية على جانبي الأطلسي، الذين يتوقعون سيناريوهات تتدرج من السيء إلى الكارثي، حسب تحليل نشره موقع “ناشيونال إنترست”. وفي ظل التوازن الهش بين آمال التهدئة واحتمالات التصعيد، تمثّل هذه الخطوة الديبلوماسية اختباراً مفصلياً لخيارات كل من واشنطن وطهران، ولإمكان تجنّب صدام واسع النطاق قد يهدد استقرار المنطقة برمّتها.
وحذّر منتقدو هذه الخطوة من “أن مجرد إطلاق الحوار قد ينقلب ضد أهدافه. إذ قد يشجّع طهران، أو يتيح للحرس الثوري الايراني هامشاً للمناورة السرية ضد الولايات المتحدة. كما أن تداعيات فشل التفاوض تستحق النظر بجدية؛ فاحتمالات تنفيذ ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية والأهداف العسكرية الايرانية قد تكون تراجعت، إلا أن هذا الخيار لا يزال قائماً بقوة. ويؤكد النشاط العسكري الأميركي المتزايد في المنطقة (لا سيما في قاعدة دييغو غارسيا) أن الخيار العسكري لم يُستبعد بعد.
وتدخل إيران هذه المحادثات حسب القراءة، من موقع ضعف لا يمكن إنكاره، بعد إضعاف وكلائها بفعل الحملة العسكرية الاسرائيلية متعددة الجبهات عقب هجمات السابع من أكتوبر. أما الحوثيون في اليمن، فيواجهون ضربات جوية مكثفة. وتُضاف هذه الخسائر إلى ضربة كبرى تلقتها طهران عام 2020، عندما اغتالت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، في مطار بغداد.
وشهدت الديناميكيات الإقليمية تحوّلات جذرية منذ العام 2015، حين تم التوصل إلى الاتفاق النووي في عهد إدارة أوباما. كما فتحت مسارات ديبلوماسية جديدة في المنطقة أسهمت في خفض التصعيد. ومن خلال موافقتها على إجراء محادثات مع واشنطن، تعترف طهران عملياً بهذه المعطيات الجديدة.
وعلى الرغم من أن عقيدة “الدفاع الأمامي” الايرانية، التي ترتكز على استخدام وكلاء محليين بأساليب غير متكافئة، تلقّت ضربات قاسية، لا تزال إيران تحتفظ بقدرات عسكرية تقليدية معتبرة. كما أن برنامجها الصاروخي وقواتها البحرية لا يزالان قادرَين على زعزعة الاستقرار. وهذا يعني أن إيران متعثرة، لكنها لم تُهزم تماماً.
وتتطلب المفاوضات المعقدة مرونة وحيّزاً من الغموض المحسوب. وقد شدّد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن النجاح لا يكون إلا بالتفكيك الكامل للبرنامج النووي الايراني. إلا أن ما يُعرف بـ”النموذج الليبي”، حيث تتخلى الدولة طوعاً عن برنامجها النووي، يُعدّ مرفوضاً تماماً من النظام الايراني.
أدنى تصوّر بأن أحد الطرفين يغيّر شروط الاتفاق أو مواقفه قد ينسف العملية برمتها. وحتى الآن، لا تزال معايير التفاوض غير واضحة. فهل الهدف هو ضبط التسلح، أم نزع السلاح بالكامل؟ وماذا عن وقف دعم إيران للجماعات المسلحة في المنطقة؟
في التاسع من نيسان، أوضح الرئيس ترامب رؤيته للمرحلة النهائية بقوله: “لا أطلب الكثير… عليهم فقط ألا يمتلكوا سلاحاً نووياً”. كما اتخذ خطوات للحد من أي محاولة إيرانية لاستغلال الوقت لكسب مزيد من التقدم النووي. وتشير التقارير إلى أن رسالة ترامب لطهران حددت مهلة زمنية لا تتجاوز الشهرين لإتمام التفاوض.
وقد تتيح إطالة أمد المحادثات لإيران ممارسة ضغوط إضافية، أو اتخاذ خطوات خطيرة، مثل نقل المواد المخصّبة إلى مواقع غير معلنة. وفي المقابل، لم تظهر سياسة “الضغط الأقصى” التي تعتمدها إدارة ترامب التي تشمل عقوبات جديدة على صادرات النفط الايرانية وأسطول النقل البحري السري، وآليات التهرب من العقوبات عبر مصافٍ صينية صغيرة، نتائج ملموسة بعد على الاقتصاد الايراني. كما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات جديدة تستهدف برنامج إيران النووي، لا سيما إنتاج أجهزة الطرد المركزي.
خيارات إيران محدودة
وفي محاولة لفرض معادلة ردع، واصلت طهران تهديدها باستهداف القواعد الأميركية في الخليج، أو حلفاء الولايات المتحدة، أو أي دولة قد تدعم ضربة عسكرية ضدها. كما لجأت إلى عمليات تضليل إعلامي خلال الأسابيع الماضية، بدءاً من تقارير عن سحب مستشاريها من الحوثيين، مروراً بادعاءات تفيد بأن فصائل الحشد الشعبي في العراق تدرس خيار نزع السلاح لتجنّب تصعيد أميركي. ويبدو أن هذه الحملة الاعلامية جاءت تمهيداً للمفاوضات. وفي الوقت عينه، تتبع إيران استراتيجية ضغط مزدوجة، تجمع بين الإشارات التصالحية والتهديدات العسكرية الصريحة. وفي 9 نيسان، أفادت صحيفة تايمز عن نقل إيران صواريخ باليستية بعيدة المدى إلى العراق سراً، في تناقض صارخ مع التقارير السابقة عن نزع السلاح.
ومن حيث المبدأ، لا بد أن يتقلّص الفارق بين ما يُعدّ “نجاحاً” لكل من الطرفين، بحيث يُنظر إلى الاتفاق كأقلّ الخيارات كلفة. وعلى الأرجح، سيكون الحل المقبول اتفاقاً تدريجياً، يقوم على رفع مشروط وتدريجي للعقوبات الأميركية، مقابل آليات زمنية تلزم إيران بالامتثال لنظام رقابة دولي على منشآتها النووية. ومع تآكل الثقة وحُسن النية بين الجانبين، لن يسهل بلوغ هذا الهدف.
وفي حال فشل المفاوضات، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها ستدعم ضربة إسرائيلية على المنشآت النووية الايرانية، أو ربما تنفذ ضربة أحادية بنفسها، وإن كان هذا الخيار أقل ترجيحاً. إن مجرد الدخول في هذه المحادثات منح إدارة ترامب هامشاً من المصداقية يُظهر استعدادها لمنح المسار الديبلوماسي فرصة. وبالتالي، فإن المخاطرة بالتفاوض مع النظام الايراني لا تُعدّ عالية، ما دامت واشنطن لا تزال تملك أدوات عسكرية واقتصادية قوية في ترسانتها. أما إذا انهارت الديبلوماسية، فسيترك التصعيد تداعيات جسيمة على استقرار المنطقة، ويُحتمل أن يشعل سلسلة من التفاعلات عبر خطوط التماس المشتعلة أصلاً”.
لبنان الكبير