مسقط… سلاح “الحزب” على الطاولة: اما التنازلات التي يطلبها ترامب واما الحرب

لم يتأخر الايرانيون في الذهاب الى مسقط لمقابلة الأميركيين كما تأخر “حزب الله” في الذهاب الى بعبدا لمقابلة الرئيس جوزاف عون.
والسبب لا يحتاج الى الكثير من التدقيق والتحريات في وقت لا يخفى على أحد أن ما تقرره طهران من سلبيات وايجابيات يسري في الضاحية الجنوبية حكماً، وأن ما تفرضه الولايات المتحدة من شروط وضغوط على لبنان لا يمكن أن يفعل فعله فيه ما لم يفعل ذلك في طهران.
فما جرى في مسقط في الأمس، لم يكن نسخة عن أي مفاوضات أجريت بين طهران وواشنطن منذ الثورة الاسلامية في العام ١٩٧٩ لا من حيث الظروف ولا من حيث الوسائل، اذ لم يحدث أن ذهب الأميركيون الى حوار مع طهران وهم مدججون بالسلاح فوق الطاولة وفي محيطها، ولم يحدث أيضاً أن ذهب الايرانيون الى أي لقاء مع الأميركيين وهم مجردون من أذرعهم في العراق واليمن وسوريا وغزة ولبنان دفعة واحدة، لا بل وهم يفتقرون الى أي توازن عسكري يمكن أن يدفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى التفكير مرتين قبل اللجوء الى الخيارات العسكرية.
والواقع أن ايران تعرف ويعرف الأميركيون والعالم أن القصف الأميركي الكثيف والمتواصل على مواقع الحوثيين في اليمن هو قصف افتراضي غير مباشر على المواقع الاستراتيجية في ايران، وأن القصف الاسرائيلي الكثيف والمتواصل على مواقع “حماس” في غزة هو قصف استباقي لقصف مماثل يمكن أن يتعرض له “حزب الله” اذا واصل التملص من نزع سلاحه.
والواقع أيضاً أن وزير الخارجية الايرانية عباس عراقجي لم يكن في مسقط كما كان سلفه في جنيف يوم إبرام الاتفاق النووي مع أميركا في عهد الرئيس باراك اوباما، أي الرجل القادر على أن يقول لا في المطلق أو الرجل القادر على ترهيب الأميركيين، مدركاً أن الرفض قد يجرّه الى حرب تدميرية قد تصل الى حد إسقاط النظام، وأن القبول قد يعني اعادة بلاده الى حجمها الطبيعي واعادة ثورتها الى مدينة قم وابقائها هناك.
والواقع أيضاً وأيضاً، أن ما جرى في مسقط وما يمكن أن يجري في أي مكان آخر، لم يكن محصوراً بملفين فقط هما رفع العقوبات في مقابل تفكيك البرنامج النووي أو العكس، بل شمل ويشمل كل الأمور العالقة بين ايران والعالمين العربي والغربي وفي مقدم ذلك، تأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ولجم الحوثيين والامتناع عن تسليحهم وتمويلهم، وتجريد “حزب الله” من سلاحه، وحمل “حماس” على اطلاق الرهائن الاسرائيليين، وتفكيك الخلايا التابعة لأذرعها في أوروبا، اضافة الى عدم التدخل بأي شكل من الأشكال في أي عملية تطبيع قد تتم بين العرب واسرائيل.
ويصر مراقبون عرب وأجانب واكبوا ويواكبون الحوار الايراني – الأميركي سواء كان مباشراً أو غير مباشر، على أن موضوع رفع العقوبات لم يكن الطبق الايراني الوحيد في أروقة مسقط كما حاول عراقجي تسويقه، ملمحين الى أن المفاوض الأميركي ستيف ويتكوف حمل اليه واحداً من خيارين: اما التنازلات التي يطلبها ترامب واما الحرب، وهو ما أكده البنتاغون الذي يواصل حشد قواته في الشرق الأوسط وآسيا في خطوة يريد منها إفهام الايرانيين أن ما يجري في اليمن قد يكون عملاً بسيطاً في ما يمكن أن يجري في طهران.
ويكشف مصدر قريب من جولة مسقط، أن عراقجي حاول أن يجعل من شرط رفع العقوبات مدخلاً الى أي تسوية مع واشنطن التي ردت أن ذلك لن يتم قبل رفع يد الأئمة عمن تبقى من أذرعها في المنطقة وتحديداً “حزب الله” الذي يحاول لملمة نفسه، ليس لاستئناف الحرب مع اسرائيل، بل لمنع الحكم في لبنان من أمرين، الأول السيطرة على البلاد من دون شراكة مع أحد، والثاني امكان الوصول الى “تطبيع” مع الدولة العبرية.
ويذهب المصدر بعيداً الى حد القول ان ويتكوف الذي تلقى تقريراً من مساعدته مورغان أورتاغوس يتعلق بمأزق الحكم في بيروت، أبلغ الى عراقجي أن على الايرانيين إقناع “حزب الله” بتسليم سلاحه للجيش اللبناني اذا أراد فعلاً الحؤول دون تدخل عسكري اسرائيلي يفعل ذلك بالقوة، مشيراً الى أن طهران لا تزال تملك فرصاً عدة لتجنب الضربات الشاملة وعليها أن تستغلها من دون مكابرات أو مناورات، وأن واشنطن باتت مقتنعة بأن الحكم في لبنان لن يجرؤ لا على مواجهة الحزب ولا على مهادنة اسرائيل، وأن المعركة الآن سواء العسكرية منها أو الديبلوماسية هي مع الامام خامنئي نفسه.
ولعل هذا الواقع هو ما يفسر التأخير الذي يعتمده الحزب في ما يتعلق بتطبيق القرار ١٧٠١ من جهة واطلاق الحوار الثنائي مع الرئيس عون من جهة ثانية، معوّلاً في ما يبدو على أي دخان أبيض قد يخرج من مئذنة مسقط أو روما أو سواهما، بحيث يذهب الى بعبدا من موقع الفريق الذي يملك من القوة ما يكفي للاحتفاظ بدور وازن في المعادلة اللبنانية الجديدة.
والسؤال هنا، هل سيتمكن الحزب من فعل ذلك حيث فشل الآخرون، وتحديداً في غزة حيث بدأ الضغط العسكري الاسرائيلي يرخي قبضة “حماس” ويرغمها على حلحلة موضوع الأسرى من جهة، لا بل التفكير في نقل زعمائها الى مناطق آمنة، وحيث بدأ الاتحاد الأوروبي عملية انفتاح على السلطة الفلسطينية تهدف الى تعويمها مالياً وسياسياً تمهيداً لاطلاق يدها في ما يعرف باليوم التالي بعد حرب غزة؟
كل شيء، سواء في أميركا أو أوروبا والدول العربية، يوحي بأن المواجهة المستمرة منذ أكثر من أربعين عاماً مع الجمهورية الاسلامية في ايران تقترب من نهايتها، ليس لأن الايرانيين باتوا دعاة سلام بل لأن دعاة الحروب في صفوفهم خسروا معاركهم وقادتها الأساسيين، ولم يبق أمامهم الا واحد من خيارين: اما تسليم الحكم في طهران لجيل من المعتدلين أو السماح باسقاطه في الشارع.
“حزب الله” يعرف ذلك، على الرغم من طابعه الرفضي للمتغيرات الدراماتيكية التي أصابت محور الممانعة، ويعرف أنه بات معزولاً من دون غطاء شعبي أو رسمي، ومن دون سلاح يمكن أن يقلب به أي معادلات أو مفارقات، لكنه لا يزال يراهن على عامل الوقت أولاً، وخوف السلطة السياسية في لبنان ثانياً، ونتائج ما يجري بين طهران وواشنطن ثالثاً، علَّ الرياح تأتيه بما يعيد اليه بعض الهيبة أو يحفظ له ماء الوجه.
ويكشف مصدر قريب من الضاحية الجنوبية، أن البيئة الشيعية التي تؤمن بأن الحرب مع اسرائيل لن تنتهي، وأن اعادة الاعمار لن تنطلق ما لم يسلم الحزب سلاحه، بدأت التكيف مع هاجس الهجرة الطويلة ومع مشروع الانتقال الى مناطق أكثر أمناً في المتن وكسروان وجبيل، اضافة الى ممارسة ضغط في اتجاه خيار تسليم السلاح انسجاماً مع شعار “ألف قلبة ولا غلبة”، معتبرة أن عصرها الذهبي قد ولى، وأن عليها أن تختار بين اللجوء الى الدولة أو العيش بين ركام الدويلة.
انطوني جعجع- لبنان الكبير