هل ستُنقذ إيران “الحزب” أو تضحّي به كما ضحّت بالحوثيين؟

ما لم يُسلّم السلاح… أورتاغوس والنموذج الباكستاني!
لمّحت الموفدة الديبلوماسية مورغان أورتاغوس في كلامها مع المسؤولين اللبنانيين الذين التقتهم ثم خلال مقابلتها التلفزيونية في واشنطن، إلى أمر مهم جداً، انتبه إليه كثيرون، لكن البعض لم ينتبه، وهذا الأمر خطير جداً يجدر التوقّف عنده، اذ أكّدت أنّ أمام لبنان فرصة ذهبية بفضل الزخم الدولي الداعم لإحتكار الدولة للسلاح والاصلاح الذي تجسّده الوجوه الحالية في السلطة، مشيرةً إلى أن الفرصة لا تدوم طويلاً!
هذا الكلام الجديّ هو أشبه بمهلة زمنيّة وضعتها الولايات المتحدة الأميركية للمسؤولين اللبنانيين لنزع سلاح “حزب الله”، ويكشف مصدر سياسي مطّلع أن الفرصة المعطاة للبنان مؤقتة كي يُنجز ما يطلبه المجتمع الدولي والقرارات الأممية التي لا يجوز التلاعب بها، أما البديل فسيكون سيئاً لأن الدعم الأميركي ليس مفتوحاً، وقد تدخل الساحة اللبنانية في حالة من الفوضى مع إستعادة “الحزب” قوّته، ما سيطلق يد اسرائيل في الاستمرار بعملياتها لإضعافه من دون القضاء عليه نهائياً، لأن لا أحد يستطيع أن يقوم بهذه المهمة إلا الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية التابعة للدولة.
يُراهن رئيس الجمهورية جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام على الحوار مع “الحزب”، معتقدين أن هذا الأمر يوفّر على لبنان صراعاً داخلياً قد لا تُحمد عقباه، لكن المصدر السياسي يعتبر أن لبنان لا يملك ترف الوقت، وفق أورتاغوس، وخصوصاً أن أسلوب الرئيس الأميركي دونالد ترامب حاسم وحازم وواضح ولا يحبّذ الغموض، لذلك هناك تخوّف من بقاء لبنان في وضعية عدم استقرار، مع وهن إقتصادي ومعيشي، إذا لم تُبادر الحكومة إلى خطوات سريعة لنزع السلاح وبسط سيطرتها على المناطق اللبنانية كاملة سواء أكانت في جنوب الليطاني أو شماله، وليس مسموحاً تلكؤ “الحزب” أو محاولات إنتظاره نتائج المفاوضات الأميركية-الايرانية.
المشكلة التي يواجهها لبنان الرسمي اليوم هي حالة إنكار يُمارسها “الحزب” منذ موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار، محاولاً القفز فوق الوقائع والحقائق التي يُمكن الاستخلاص منها بأنه تعرّض إلى هزيمة عسكريّة كبيرة أثّرت على قيادته وقدراته الاستراتيجية ومقاتليه المتخصصين، إذ بدت إسرائيل وكأنها قد خططت بدقة لكل سيناريو، ونفّذت استراتيجياتها بدقة متناهية، بينما عانى “الحزب” في تنفيذ خططه، واضطر إلى خوض معركة استنزاف دفاعية على غرار الحرب العالمية الأولى. اندفع مئات الشباب اللبناني، مسلحين بأسلحة خفيفة فقط، ويفتقرون إلى غطاء ناري أو قيادة كافية، إلى الخطوط الأمامية لصد الغزو الاسرائيلي. نجحوا في مهمتهم الأساسية – منع إسرائيل من ترسيخ موطئ قدم لها في الأراضي اللبنانية – ولكن بتكلفة بشريّة فادحة. وهذا لا يُمكن أن يُسمّى إنتصاراً، إلا أن “الحزب” يُكابر. صحيح أنه يعترف بتفوّق اسرائيل التكنولوجي، وهذا أضعف الايمان، إلا أنه يسعى إلى رسم صورة “وهميّة” بأنه أعاد تنظيم نفسه واسترجع قدراته، مع ذلك يعرف القاصي والداني أن طريق الإمدادات بالسلاح والمال مقفلة نسبياً أمام “الحزب”، ولا يزال يعاني من نقاط ضعف، وهو في حالة إنكشاف أمني، بدليل إستمرار اسرائيل في عمليات اغتيال قادته في الجنوب والضاحية الجنوبية، وهذا يعني أنه في حالة اختراق استخباراتي نتيجة خطّة اسرائيلية فعّالة للغاية.
ويلفت المصدر السياسي المطّلع الى أن اسرائيل أفقدت “الحزب” مقوّماته في الردع وكمنظمة عسكرية لها أهداف إقليمية، وباتت وظيفة سلاحه تخويفية للداخل اللبناني فقط، ويسعى إلى تحقيق مكتسبات منه في لعبة التوازن الداخلي.
لا تريد الولايات المتحدة واسرائيل أن تسمحا بأي فرصة ليسترجع “الحزب” قدراته، لذلك تضغط إدارة ترامب بطريقة قصوى على الحكومة اللبنانية، وهذه كانت مهمة أورتاغوس في لبنان وستستمر فيها، محاولة منع أن يتحوّل “الحزب” الى جماعة تشبه “طالبان” أو “القاعدة”، وهي، أي الولايات المتحدة، عانت مع هذه الجماعات المسلّحة ولا تزال حتى اليوم. بالنسبة إلى السياسة الأميركية، بشقيها الجمهوري والديموقراطي، لا فرق بين “الحزب” و”طالبان” و”القاعدة”، كلّها منظمات ارهابية يجب القضاء عليها.
لكن ماذا قصدت أورتاغوس بقولها إن الفرصة أمام لبنان لن تدوم طويلاً؟ هنا يكشف المصدر السياسي المطلع أمراً خطيراً، بالنسبة إلى أورتاغوس والادارة الأميركية عموماً هناك تشابه لافت للنظر بين باكستان ولبنان. ففي الأولى، أصبحت حركة “طالبان” منبوذةً، تُعارضها جهات رسمية ومجتمعات خارج قاعدتها الضيقة. وقد اشتبك الجيش الباكستاني المدعوم من الولايات المتحدة معها، سعياً الى احتواء نفوذها. ولا تزال “طالبان” تتمتع بنفوذ في باكستان، ويبدو أن هذا النموذج – أي تحويل جماعة مسلحة شعبية إلى جماعة منبوذة محاصرة مع تعزيز انسجام الجيش الباكستاني مع المصالح الأميركية – هو نموذج قد تسعى واشنطن إلى تكراره في لبنان. والهدف هو تحويل “الحزب”، إلى جماعة منبوذة أشبه بـ “طالبان”، مع رفع مكانة الجيش اللبناني المتحالف مع الولايات المتحدة كركيزة أساسية للدولة. ويتخوّف المصدر السياسي، من أن يفقد لبنان الرسمي الزخم الدولي الحالي إذا فشل في حلّ مسألة سلاح “الحزب”، ويصبح الخيار أن يتعايش لبنان مع السلاح على الرغم من عدم إجماع اللبنانيين عليه!
أما المقلق كثيراً فهو أن يقتنع الأميركيون بأن لدى “الحزب” شعبيّة كبيرة في الاطار المذهبي الشيعي، وخصوصاً أن لديه نزعة ضد النفوذ الغربي الأميركي في الشرق، كما يحصل في ثورات جماعات مسلحة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر ضد الادارة الأميركية، ويتبيّن أن إرادة بعض الشعوب لا تتوافق دائماً مع الرغبات الأميركية والدولية.
لكن المصدر السياسي المطّلع يختم أن الأنظار اليوم تتجه إلى مصير المفاوضات الأميركية-الايرانية، وحتماً “الحزب” مرتبط بإيران إلى حدّ كبير، وخياراته متوقّفة على القرار الاستراتيجي الايراني، وخصوصاً أن طهران مضطرة إلى التنازل أمام شروط الأميركيين، لتنال مكتسبات على صعيد الملف النووي وعودة العافية إلى الاقتصاد الايراني المتهالك نتيجة العقوبات الأميركية القاسية، ويبقى السؤال: هل ستُنقذ إيران معها “الحزب” أو تضحّي به كما ضحّت بالحوثيين؟ قد لا ننتظر كثيراً لمعرفة الجواب اليقين!
جورج حايك- لبنان الكبير