المنطقة على فوهة بركان: هذا سيناريو المواجهة بين واشنطن وطهران…إذا لم تتّفقا!

لا يُخفى على أحد أن المنطقة على فوهة بركان نتيجة الصراع الأميركي – الايراني، وقد إتخذ منحى تصاعدياً غير مسبوق مع الحملة العسكرية على الأذرع العسكرية الايرانية مثل “حماس”، “حزب الله” والحوثيين، وبات واضحاً أن الحصار يضيق على إيران التي سلّحت هذه الميليشيات ودرّبتها وموّلتها واستخدمتها طويلاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة والسيطرة على بعض الدول الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
من الواضح أن المنطقة دخلت في مرحلة انتقالية كبيرة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وهو معروف بسياسته المناهضة لإيران وصناعتها النووية العسكرية، وهدفه أن يتخلى نظامها عن طموحاته النووية والتوسعيّة، معتبراً أن هناك فرصة أمام مفاوضات ديبلوماسية بدأت للتو في عُمان، إلا أن فترتها لن تكون طويلة كثيراً لعدم السماح لإيران بكسب الوقت والتوصّل إلى صناعة قنبلة نووية!
من هنا، يبدو أن السباق بدأ بين الحل الديبلوماسي والاتفاق السلمي مع ايران الذي يحبّذه ترامب “الجديد” المائل نحو الخيارات السلمية والبارع في إجراء صفقات تحت وابل من الضغوط الكبيرة من جهة، والحل العسكري الذي سيكون بديلاً من فشل المفاوضات، وسيترك تداعيات كبيرة على المنطقة قد تغيّر وجه الشرق الأوسط جذرياً من جهة أخرى.
لذلك ينكبّ كبار العسكريين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة على البحث في سيناريو المواجهة التي قد تنشأ في المستقبل القريب، ويعتبر الخبير العسكري الاستراتيجي لويد تايلور أن الحشد العسكري الذي بدأته واشنطن منذ أسبوعين دوره الضغط على ايران للجلوس الى طاولة المفاوضات والرضوخ لشروط ترامب وهذا ما حصل فعلاً. هذه هي استراتيجية ترامب، وهو بارع فيها، لذلك قد لا تكون وضعية انتشار القطع العسكرية الأميركية اليوم موجّهة للإنقضاض على إيران، إنما تساعد على تحقيق أهداف واشنطن من هذه المفاوضات، ولا يبدو أن العمل العسكري قد يحصل قريباً.
ويؤكد تايلور أن الولايات المتحدة إذا شعرت أن إيران تحاول إضاعة الوقت في المفاوضات، وتعمل على تحويل برنامجها بسرعة إلى برنامج أسلحة نووية، فقد يُعجّل هذا الأمر في حصول الضربة العسكرية الكبيرة التي ستتعاون فيها الولايات المتحدة واسرائيل. لكن هناك مشكلات أخرى قديمة بين واشنطن وطهران أهمها أفعال الأخيرة المُزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط من خلال أذرعها العسكرية. كما أن هناك جانباً شخصياً يتعلّق بمحاولة إيران اغتيال ترامب حتى أنها اقترحت شنّ غارة بطائرة مُسيّرة ضده أثناء لعبه الغولف.
بصراحة، تجنّبت الولايات المتحدة لعقود طويلة القيام بعمل عسكري كبير ضد ايران، وقد مارست ضبط النفس إلى حد كبير، وفق تايلور، ويعود ذلك إلى التداعيات الهائلة التي قد تترتب عليها الحرب في المنطقة وخارجها.
يُفضّل ترامب أن تنصاع إيران من دون حرب، وخصوصاً أن أحداثاً كبيرة تحصل على خط موازٍ أهمها محاولة التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا، وتسريع الصين استعداداتها للسيطرة على تايوان بالقوة العسكرية. لكن تايلور يلفت إلى أن ترامب إذا لم يُنفّذ تهديده ضد إيران، فستضعف قوته بصورة كبيرة في تلك المواجهات الجيوسياسية الأخرى عالية المخاطر.
لا يحتاج المرء إلى خبرة ومعرفة عسكرية كبيرة ليكتشف أن التعزيزات العسكرية الأميركية الجارية الآن في الشرق الأوسط قد تتحوّل إلى منصات لخوض حرب كبيرة، ولا سيما مع نقل قاذفات الشبح B2، والمقاتلات، وطائرات الدعم، ومجموعة حاملات طائرات أخرى، والدفاعات الجوية… إلا أن تايلور يخالف هذا الرأي، ويعتبر أن هذه التعزيزات تُناسب عملية جوية محدودة وقدرات مُعززة للدفاع عن المصالح الرئيسية.
من جهة أخرى، لا يُمكن إغفال أن اسرائيل بذلت كل ما في وسعها، باستثناء الصراع الشامل، لإبطاء تقدّم إيران، مستخدمةً جميع الوسائل المختلفة، من ضرب أذرعها العسكرية، الى الاغتيالات فالهجمات الالكترونية المُشلّة، إلا أنها استثنت تفجير المنشآت النووية الايرانية شديدة التحصين لأنها أمرٌ مختلفٌ تماماً.
ويُرجّح تايلور أنه إذا لم تنجح المفاوضات وقرر ترامب الضغط على الزناد، فإن العملية ستكون استخدام القوة الجوية المُصمّمة خصّيصاً لاستهداف أهم المواقع النووية الايرانية، ولا أحد يملك القدرة الجوية على إنجاز هذه المهمة إلا الولايات المتحدة، التي تتمتع بترسانة فريدة من نوعها للتعامل مع هذه الأوضاع وتحقيق الإنجاز الكبير، وقد تستخدم طائرة بي-2 سبيريت ومجموعة مهامها المميزة، وهي قنبلة اختراق الذخائر الهائلة (MOP) التي يبلغ وزنها 30,000 رطل.
وتُعتبر قاذفات الشبح الأميركية وقنابل اختراق الذخائر الهائلة الخاصة بها التركيبة التقليدية الوحيدة القادرة على ضرب أكثر المنشآت النووية الايرانية تحصيناً، والتي بعضها محفور فعلياً في أنفاق داخل الجبال. وحتى في هذه الحالة، يشير تايلور إلى أن ذلك لا يعني حتمية تدمير هذه المنشآت إنما سيبقى موضع شكّ، لكن من المرجح جداً أن يُقلّل ذلك من فائدتها بصورة كبيرة، على الأقل لفترة زمنية طويلة.
واللافت ان قاذفات الشبح لن تنفّذ وحدها هذه المهمة، على الرغم من قدراتها، وفق الخبير تايلور، بل ستكون هناك حاجة إلى مجموعة هائلة من الأسلحة المواكبة لضمان وصولها إلى أهدافها وعودتها سالمة. ويشمل ذلك دعماً مضاداً للطائرات وتدمير الدفاعات الجوية الايرانية، ودعماً للحرب الالكترونية، ودعماً للبحث والإنقاذ القتالي، وجمع المعلومات الاستخباراتية واستغلالها على جميع المستويات، وغير ذلك الكثير. ويدعو تايلور إلى عدم الاستخفاف لأن المخاطر لن تكون منخفضة عند استخدام طائراتB-2 وطائرات أخرى، حتى مع جميع مزايا التخفي، في بيئة قتالية فوق البلاد. قد تسوء الأمور كثيراً، وبغض النظر عما قد توحي به التحليلات السائدة، فإن قاذفات الشبح ليست خفيّة بل ليست هناك طائرات خفية تماماً!
ويرى تايلور من جهة أخرى أن الغارات الجوية الأميركية لو اقتصرت على استهداف مراكز القيادة والتحكم والدفاعات الجوية والمواقع النووية، فقد يكون الرد الايراني عنيفاً للغاية. من المرجح أن تُلقي إيران بكل ما لديها من أسلحة – طائرات مسيرة وصواريخ كروز وصواريخ باليستية في المقام الأول – على القوات الأميركية في المنطقة. لذلك قد تشمل مهام الجيش الأميركي الموجّهة ضد إيران منشآت أسلحة بعيدة المدى، بالاضافة إلى المواقع النووية والدفاعات الجوية، تحسّباً لتنفيذ هذه الخطة الانتقامية. من المحتمل أن يكون ضرب مواقع الصواريخ الباليستية الايرانية، بما في ذلك مجمّعات المخابئ الكبيرة المستخدمة لإطلاق الصواريخ المخفيّة وتخزين الأسلحة، حتى قبل مهاجمة أهداف مرتبطة بالبرنامج النووي، هو الخيار الأمثل في حال تنفيذ مثل هذه الحملة الجوية.
حتماً أمضت إيران أعواماً طويلة في الاستعداد لهذا السيناريو تحديداً، وربما إن سلسلة من الضربات الاستباقية الأميركية على منشآت صاروخية وأسلحة حيوية جاهزة للإطلاق، من شأنها على الأقل أن تُخفف من وطأة ضربة مضادة إيرانية واسعة النطاق، وأن تُتيح للدفاعات الجوية فرصة لاعتراض أكبر قدر ممكن من الهجوم. ويجب الأخذ في الاعتبار أن فعالية الصواريخ الايرانية التي ستوّجّه إلى القواعد الأميركية في المنطقة، ستكون أكبر بكثير من تأثيرها بالمقارنة مع فعاليتها عندما وُجّهت إلى اسرائيل، لأن عدداً كبيراً من المنشآت الأميركية يقع على الجانب الآخر من الخليج العربي وخليج عُمان من إيران. وستكون أوقات الإنذار المبكر ورد الفعل ضئيلة جداً مقارنةً بما كانت إسرائيل تتمتع به مرتين في العام الماضي.
هناك أيضاً مضيق هرمز، الذي يدعو للقلق، نظراً الى إمدادات الطاقة التي تمر عبره. فإذا أغلقت إيران المضيق وبدأت بإطلاق النار على أي شيء تعتقد أنه متحالف مع الولايات المتحدة في الخليج العربي وخليج عُمان، فسيجد المجتمع الدولي نفسه مرة أخرى في منطقة مجهولة. لقد بنت إيران ترسانة ضخمة مضادة للسفن تتألف من مجموعة واسعة من أنواع الأسلحة المصممة بصورة جماعية لتحويل هذه المنطقة إلى منطقة اشتباك صاروخية مضادة للسفن. ويُعتبر زرع الألغام في باب المندب ومضيق هرمز احتمالاً إضافياً سيُشكّل إشكالية كبيرة، وقد تستغرق إزالتها وقتاً طويلاً، ما سيُسفر عن آثار اقتصادية مدمرة.
تمتلك إيران أيضاً القدرة على شنّ هجمات على أهداف بعيدة عن منطقة الخليج العربي باستخدام سفن مُجهّزة بأسلحة بعيدة المدى، ومن خلال تفعيل عملاء حول العالم. ببساطة، قد يكون رد إيران عقابياً وقاتلاً للغاية، ولديها فرصة حقيقية لجر دول الخليج، التي تستضيف قوات أميركية، بالاضافة إلى الجهات المعنية الرئيسية التي تعتمد على الطاقة من المنطقة، إلى صراع أوسع.
ويؤكّد تايلور أن إسرائيل، بقدراتها العسكرية وخبرتها في التعامل مع هذه الظروف، ستكون عاملاً مساعداً قوياً للولايات المتحدة، وستكون حتماً جزءاً من مثل هذه العملية.
أما أبرز التداعيات الاقتصادية التي قد تحصل، فهي ارتفاع سعر النفط على نحو حاد، ما سيؤثر على الاقتصاد المحلي، وبالتالي على السياسة في الولايات المتحدة، وكذلك في جميع أنحاء العالم. وقد تؤدي هذه الصدمة إلى انهيار الأسواق، خصوصاً إذا توسّع العمل العسكري بسرعة ليتحول إلى صراع طويل الأمد. وإذا انخفضت صادرات النفط من المنطقة بصورة كبيرة لفترة طويلة، فقد يؤدي ذلك إلى تصاعد التوترات والعدوان في أماكن أخرى. كما سيساعد ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تمويل حربه في أوكرانيا، التي قد تكون لها آثار إنسانية جسيمة في الدول الأكثر فقراً حول العالم.
جورج حايك- لبنان الكبير