“مسايرة” لبنانية للمطالب الأميركية: حزب الله يسلم السلاح بهذه الحالة!

يبدو أن التحدي الأكبر بالنسبة لحزب الله لم يعد مقتصرًا على “الصمود” أمام محاولات الإدارة الأميركية للضغط سياسيًا ودبلوماسيًا على لبنان لإجبار الحزب على تسليم سلاحه، بينما تتولى إسرائيل ممارسة الضغط العسكري ميدانيًا عبر شن غارات حربية ومسيرات شبه يومية، حيثما تطال يدها. بل أصبح التحدي الأكبر للحزب هو الحفاظ على نوع من التوازن بين موقفه المبدئي في التمسك بسلاحه ورفض تسليمه، وبين إبداء بعض المرونة لتسهيل مهمة الجيش اللبناني في تنفيذ ما هو مطلوب من لبنان لتأكيد بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، وضمان عدم وجود سلاح غير سلاح الشرعية.

رغم التزام حزب الله – على الأقل بشكل رسمي ومعلن من قبله – باتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية في 27 تشرين الثاني الماضي، تواصل إسرائيل من جهتها ملاحقة مقاتلي الحزب ومقارّه ومخازن أسلحته، سواء قرب الحدود الجنوبية أو في المناطق الخلفية جنوب نهر الليطاني أو في أكثر من منطقة لبنانية شماله. هذا ما يقيّد أو يحد نسبيًا من تحركات عناصر الحزب، لكنه لا يمنعها نهائيًا.

لا يسقط الإسرائيلي ومن خلفه الأميركي من حساباتهما أن يكون الحزب قد تمكن – على الأقل حتى الآن – من “تأمين” وحماية ما تبقى من ترسانته التي لا تزال مخبأة أو غير مكتشفة، مع الحفاظ على إبقائها بمنأى عن أعين الرصد الجوي أو الاستخباراتي.

التعاون مع الجيش
بالمقابل، يحافظ الحزب على الحد الأدنى من تواجد عناصره ومقاتليه في البلدات والقرى القريبة من الحدود أو الخلفية لها، ولو بصفتهم المدنية كأبناء هذه المنطقة، رغم أن تواجدهم يعرضهم لخطر الاستهداف من قبل المسيرات الإسرائيلية، كما جرى ويجري مؤخرًا. في الوقت نفسه، لا يظهر فعليًا سلاح الحزب في أي من هذه المناطق حتى الآن – باستثناء ما أعلنته إسرائيل عن رصدها واستهدافها لمخازن أو مستودعات أو عمليات نقل سلاح جنوبًا أو في البقاع، وكذلك باستثناء حادثتي إطلاق الصواريخ اللتين لم يتبناهما الحزب ولا أي طرف آخر.

حتى الآن، ورغم تمسك الحزب بسلاحه ورفضه التفريط به، إلا أن ذلك لا يمنعه من إظهار بعض التعاون مع الدولة اللبنانية والجيش اللبناني ليأخذا دورهما الطبيعي في حماية لبنان من الخطر الإسرائيلي الداهم، وما يمكن أن يؤدي إليه إطلاق الولايات المتحدة يد إسرائيل في لبنان من ويلات جديدة على اللبنانيين.

وهو ما بدا لافتًا من خلال الكلام الهادئ والواثق الذي صدر مؤخرًا عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري غداة استقباله نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، والذي جاء معاكسًا لكل الأجواء والتوقعات التي كانت تشير إلى أنها تحمل تهديدًا جديدًا للبنان إذا لم ينفذ ما هو مطلوب منه بشأن تسليم سلاح حزب الله. وبالتالي، فإن هدوء وثقة موقف الرئيس بري بعد الزيارة جاء ليوحي بأن الوضع ليس بهذا السوء، وأن الأمور تميل أكثر نحو “المسايرة” اللبنانية للمطالب الأميركية وتلبية ما أمكن منها، مما يُؤمل أن يجنب لبنان حربًا إسرائيلية جديدة. وبطبيعة الحال، فإن حزب الله، الذي فوض الرئيس بري بإدارة ملف التفاوض مع الأميركيين، بدءًا بهوكشتاين واستمرارًا مع أورتاغوس، ليس بعيداً عن هذا الموقف، وهو الذي قرر منذ لحظة وقف إطلاق النار منح الفرصة للدولة اللبنانية لتتولى موضوع الرد على الاعتداءات الرئيسية واستعادة الأراضي اللبنانية المحتلة.

تسليم السلاح
وبحسب مراقبين، فإنه من غير المستبعد أن تترجم هذه الأجواء إلى خطوات عملية على الأرض، ومنها أن يتم، على سبيل المثال، الإعلان في فترة لاحقة عن تسلم الجيش اللبناني لمواقع أو مخازن أسلحة للحزب بموافقة الأخير، وذلك لتوجيه رسالة طمأنة إلى الوسيط الأميركي بالتزام لبنان بالقرار 1701. ليكون ذلك تتويجًا لمسار تصاعدي من الإجراءات الميدانية التي بدأها الجيش اللبناني منذ أسابيع بهذا الاتجاه، بدءًا من الدوريات المشتركة مع اليونيفيل في مناطق وأودية وأحراج بناءً على معلومات لدى الأخيرة عن مواقع أو مستودعات أسلحة مفترضة للحزب، كما جرى في محيط مجرى الليطاني في زوطر ويحمر الشقيف مؤخرًا، مرورًا بتحليق الطيران الاستطلاعي للجيش اللبناني في عمليات مسح شاملة للمنطقة الجنوبية، وصولًا إلى التدابير والإجراءات المشددة على حواجز الجيش عند مداخل جنوب الليطاني.

ويبقى السؤال: هل ستكفي هذه التدابير لرد الخطر الإسرائيلي عن لبنان ورفع حظر مساعدات الإعمار عن لبنان؟ ومن يضمن ألا يغري أي تدبير من هذا النوع إسرائيل فتقرأه على أنه تنازل قد يقود إلى تنازلات أكبر وصولًا إلى القبول بالتطبيع، رغم الرفض اللبناني الحاسم له؟

المدن

مقالات ذات صلة