نقطة ضعف بالغة الأهمية: لهذه الأسباب سينتهي “الحزب” عسكرياً إذا إستُكمِلت الحرب!

لا يبدو أن “حزب الله” استفاد من تجربته العسكرية في “حرب الإسناد” التي مُني فيها بهزيمة كبيرة أمام اسرائيل لإستخلاص العِبر، وكل مواقف مسؤوليه من الأمين العام الشيخ نعيم قاسم وصولاً إلى نوابه، لا تزال متمسكة بالسلاح وشعار “جيش وشعب ومقاومة”، وقد تُوّج ذلك أمس بموقف تصعيدي لعضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي عمار قائلاً: “نحن مستعدون وحزب الله استعاد كامل قوّته وعافيته وأقول للصبر حدود، والأمر متروك للمقاومة والمقاومين لإختيار الوقت المناسب”. فيما تستمر اسرائيل في قصفها لمواقعه حتى في عمقه الاستراتيجي أي الضاحية الجنوبية، وقد اغتالت أول من أمس نائب رئيس المكتب السياسي في “الحزب” للملف الفلسطيني حسن بدير.
في الواقع، لم يتغيّر شيء في المعطيات العسكرية منذ إتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي وحتى اليوم، فالتفوّق التكنولوجي الاسرائيلي لا يزال هو هو، و”الحزب” مهما أعاد بناء بنيته العسكرية، فهو لن يستطيع مقارعة اسرائيل، وفق تحليلات أبرز الخبراء العسكريين، بل إن قطع طريق الامدادات العسكرية عبر سوريا، أضعف “الحزب” المُشلّع.
كل المعطيات تشير إلى أن “الحزب” إذا استمر في العناد والمكابرة والإنكار من خلال الامتناع عن تسليم سلاحه إلى الجيش اللبناني وفق القرارات الدولية، فسيجد نفسه في مواجهة اسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية بإدارة الرئيس دونالد ترامب، لاستكمال الحرب ضده على نحو عنيف ونهائي هذه المرة، وما يحصل مع الحوثيين في اليمن و”حماس” في غزة ليس سوى دليل واضح على ما ينتظر “الحزب” في المرحلة المقبلة.
ويتحدث الخبير في الشؤون العسكرية المقيم في فرنسا ريشار ضو عن الثغرة الأساسية التي يعاني منها “الحزب”، وهي نقطة ضعف بالغة الأهمية، ألا وهي افتقاره إلى الاستقلالية الاستراتيجية عن إيران، وهذا ما شكّل أكبر عيب تكتيكي وأمني خلال الحرب الأخيرة، ما أفقده قياداته والمجموعات القتالية الضاربة مثل “وحدة الرضوان”، والقرار بالتوقّف عن الحرب.
لا تزال ايران أي مرجعية “الحزب” العليا غير مقتنعة بانتهاء صلاحية أذرعها العسكرية على الرغم من الضربات التي تلقتها منذ 7 تشرين الأول 2023 وحتى اليوم، أما “الحزب” فقد ربط مصيره بمصيرها بالكامل، وخصوصاً أن عقيدته مستوحاة من فلسفة جمهورية ايران الاسلامية، وهو لا يجد نفسه بدور سياسي خارج الفلك الايراني، ولا يزال مقتنعاً بتدمير اسرائيل وتحرير القدس وأن اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، متبنياً الخطاب الرسمي لولي الفقيه الايراني، وبالتالي لا مجال، وفق عقيدة “الحزب”، للتطبيع أو التعايش مع الدولة اليهودية.
ويعتبر ضو أن إيران ومحور الممانعة بكامله يتراجعان ويضعفان، والسبب هو الغطرسة الايديولوجية والابتعاد عن البراغماتية، فقد أقنعوا أنفسهم بأن اسرائيل ضعيفة جداً، مراهنين على أزمات داخلية في اسرائيل وعدم صمود شعبها، لكن في الحقيقة فشل هذا الرهان وأثبت المجتمع الاسرائيلي تماسكه، وقدّم الجيش أفضل أداء عسكري نتيجة استعداده والدعم الدولي المفتوح له عسكرياً بمليارات الدولارات، ولا تزال اسرائيل تحافظ على قدراتها العسكرية والاستخباراتية التي تعتبر الأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم، بما في ذلك عشرات الرؤوس الحربية النووية، وميزانية سنوية للجيش الاسرائيلي، تتجاوز الـ 25 مليار دولار، وهو ما يتجاوز إجمالي الإنفاق العسكري لإيران والعديد من الدول العربية مجتمعة!
تهديدات “الحزب” الجديدة لاسرائيل تعكس إنكاراً للواقع وتجاهلاً للمعطيات، وفق ضو، وليس غريباً أن يعتبر خصوم “الحزب” في لبنان أن مواقف مسؤوليه فيها الكثير من الحماقة والتهوّر، وخصوصاً بعدما أضعف جيش الدفاع الاسرائيلي كلاً من “الحزب” و”حماس” بشدة، وكشف عن نقاط ضعف إيران بشن ضربات دقيقة ضد البنية التحتية العسكرية في تشرين الأول 2024 رداً على هجوم إيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة لم يكن فاعلاً إلى حد كبير.
والمؤسف أن “الحزب” لا يزال مستمراً في العمى الايديولوجي مطيعاً الأوامر الإيرانية حتى ولو كانت ضد مصلحته، فأولوية النظام الايراني هو المحافظة على نفسه، وقد يستخدم صواريخ “الحزب” الاستراتيجية ومقاتليه، إذا حصلت أية مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل، ويلفت ضو إلى أن احتمالات حصول هذه المواجهة العسكرية ترتفع، علماً أن القرار الاستراتيجي الذي إتخذ أميركياً واسرائيلياً يقوم على نزع سلاح الأذرع العسكرية الايرانية ثم التفاوض الديبلوماسي مع إيران على الملف النووي وفق الشروط الأميركية، وتوجيه ضربة عسكرية الى المنشآت النووية الايرانية إذا استمرت إيران متمسّكة بمواقفها المتصلّبة.
بمعنى آخر، تبدو إيران مستعدة للتضحية بكل أذرعها العسكرية للبقاء على قيد الحياة، و”الحزب” مستعد لخوض مغامرات أخرى وربما التعرّض لأقسى الضربات الاسرائيلية وتدمير لبنان من أجل إيران وحماية المصالح الحيوية لنظامها وضمان بقائه. ويؤكّد ضو أن “الحزب” لن يرد على الاعتداءات الاسرائيلية التي تطاله حالياً حتى ولو استهدفت الضاحية الجنوبية، لذلك سيبقى ملتزماً بوقف إطلاق النار وضبط النفس، أما استئنافه للحرب فسيحصل عندما تشعر إيران بأن الضربة العسكرية لها أصبحت محتّمة، ما سيؤدي إلى استخدام “الحزب” صواريخه البعيدة المدى التي تطال كل المناطق الاسرائيلية.
ولا يظن ضو أن “الحزب” سيسلّم سلاحه في شمال الليطاني إلى الدولة اللبنانية، ولن تجرؤ الحكومة على مداهمة مخازن سلاحه خارج جنوب الليطاني تفادياً لحرب أهلية، وبالتالي سيحاول “الحزب” كسب الوقت ليتأكد من مصير النظام الايراني، ولن تكون مفاجأة، إذا فتح النار على اسرائيل، بأن تقوم الأخيرة بتدميره نهائياً بمساعدة أميركية ودولية فاعلة، بحيث لن تتوقف عن توجيه ضربات كبيرة له حتى يستسلم ويسلم سلاحه إلى الدولة اللبنانية.
جورج حايك- لبنان الكبير