خطة ترامب: هيمنة اسرائيلية وكسر لإيران وإيلامها عبر حلفائها!

في مسرح الشرق الأوسط المُثقل بصراعاتٍ تتداخل فيها الدماء مع المصالح، تتحرك واشنطن بخيوطٍ مرئيةٍ وخفيَّة، تجمع بين لغة التهديد العسكري المباشر وهمسات الديبلوماسية المُحكَمة. تصريحات المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، عن إمكان “تطبيع لبنان وسوريا مع إسرائيل”، ليست مجرد أحلام سياسية عابرة، بل جزء من استراتيجيةٍ مُعقَّدة تهدف إلى إعادة تشكيل خريطة التحالفات، وكسر شوكة إيران وحلفائها، تحت شعار “السلام المُربح” الذي تروّج له إدارة دونالد ترامب.

إيلام إيران عبر حلفائها
الهدف الأميركي الأوَّلي واضحٌ كضوء الشمس في صحراء قاحلة: إجبار إيران على الجلوس إلى طاولة التفاوض تحت شروط ترامب. لكن هذه المرة، الضغوط ليست مُوجَّهةً إلى طهران مباشرةً، بل إلى أذرعها الممتدة من اليمن إلى غزة ولبنان. الهجمات الاسرائيلية المُكثَّفة على الحوثيين و”حماس” و”حزب الله” ليست سوى أدواتٍ لـ”إيلام” النظام الايراني، عبر تدمير قوته الناعمة وقدرته على الردع. كل صاروخٍ يُطلق على صنعاء أو رفح أو صور يُراد منه إيصال رسالة: “حلفاؤك عاجزون عن حماية أنفسهم، فكيف سينقذونك؟”.

هنا، تُصبح الحرب على الحوثيين في اليمن – الذين يهددون الملاحة الدولية في البحر الأحمر – وحرب إبادة غزة – التي تسعى إلى تهجير سكانها وإنهاء “حماس” – والضربات الجوية على “حزب الله” في لبنان – التي تترافق مع حملةٍ سياسية داخلية لـ”تسليم السلاح” – جميعها ضرباتٌ موجعة في جسد المشروع الايراني. واشنطن تدرك أن إيران لن تتنازل عن برنامجها النووي أو نفوذها الاقليمي إلا إذا تحوّل حلفاؤها إلى عبءٍ بدلاً من كونهم أوراقَ ضغط.

تفكيك الحلفاء واحتواء نيرانهم
لكن اللعبة لا تقف عند إيران؛ فكل حليفٍ يُهاجَم لذاته أيضاً. في اليمن، الحوثيون لم يعودوا مجرد متمردين، بل قوة تهدد الاقتصاد العالمي عبر اختناق مضيق باب المندب. تدمير مخازن أسلحتهم وقدراتهم الصاروخية ليس سوى خطوة لتحييدهم كفاعل إقليمي. أما في غزة، فالمشهد أكثر قتامة: الحرب لا تستهدف “حماس” فحسب، بل تُحوِّل القطاع إلى ركامٍ لإجبار سكانه على الهروب أو الاستسلام، تمهيداً لـ”حلٍ نهائي” قد يُعيد رسم الجغرافيا الديموغرافية لفلسطين.

وفي لبنان، حيث يتصاعد القصف الاسرائيلي على “حزب الله”، تلتقي الضربات العسكرية مع سيمفونيةٍ سياسية داخلية ترفع شعار “السلاح سبب الأزمات”. الخطاب الأميركي عن “تطبيع محتمل” مع إسرائيل يُقدَّم كـ”حبل خلاص” للبنان المنهك، بينما الحقيقة الأكثر قسوةً هي أن واشنطن تريد تحويل لبنان إلى ساحةٍ مُحايدةٍ تابعةٍ لمحورها، عبر نزع سلاح الحزب أو تهميشه.

ويتكوف: ديبلوماسية التطبيع كـ”فخٍّ ذهبي”
تصريحات ويتكوف عن إمكان التطبيع بين لبنان أو سوريا وإسرائيل لا تنفصل عن هذه المعادلة. هو لا يبيع أوهاماً، بل يُعبِّر عن رؤيةٍ استراتيجية تهدف إلى:

– عزل إيران عبر جرّ سوريا و”حزب الله” إلى فلك التطبيع.

– تحويل الصراع العربي-الاسرائيلي من قضيةٍ تحرريةٍ إلى مجرد نزاعٍ حدودي قابِل للتسوية.

لكن هذه “الرؤية” تفترض أن دمشق وبيروت قادرتان على نسيان جراح الماضي، وأن إيران سترضخ لخسارة نفوذها.

إيران: بين رسائل ترامب “اللطيفة” وصقيع التهديدات
الرسالة التي بعث بها ترامب إلى علي خامنئي – والتي وصفها ويتكوف بأنها “دعوة للحوار، لا تهديد” – تكشف عن تناقضٍ أميركي مُزمن: فمن جهة، تريد واشنطن تجنب حربٍ مكلفة مع إيران، ومن جهة أخرى، ترفع سقف مطالبها إلى حدٍّ يُشبه الاستسلام (التخلي عن البرنامج النووي، وسحب الميليشيات من المنطقة، وقبول الهيمنة الأميركية – الاسرائيلية).

رد خامنئي كان واضحاً: “إيران لا تتفاوض تحت التهديد”، لكن اللافت هو إشارته إلى أن “الحلفاء الاقليميين قوى مستقلة”. هذه العبارة قد تُفسَّر كـ”تنصلٍ” ذكي من تبعية الميليشيات، لكنها أيضاً رسالةٌ ضمنيةٌ لواشنطن: “حتى لو ضربتم حلفاءنا، فنحن لسنا مسؤولين عن ردودهم”.

صمود الحلفاء أم انهيار المشروع الايراني؟

المشهد القادم سيتحدد بمعادلتين:

– القدرة العسكرية لحلفاء إيران: هل سيصمد الحوثيون أمام الضربات الأميركية المكثفة؟ هل ستتمكن “حماس” من النجاة في غزة؟ وهل سيصمد “حزب الله” أمام الضربات الاسرائيلية والضغط الخارجي والداخلي؟

– المناورة السياسية: هل تستطيع إيران تحويل الضغوط الأميركية إلى فرصةٍ لتعزيز تحالفاتها مع روسيا والصين؟ وهل سينجح العراق – الذي يحاول البقاء في المنطقة الرمادية – في تجنب الانجرار إلى حربٍ جديدة؟

الشرق الأوسط بين نارين
اللعبة الأميركية في المنطقة أشبه بالسير على حبلٍ مشدود فوق بركان: فمن جهة، تريد إخماد نيران المقاومة عبر القوة، ومن جهةٍ أخرى، تقدم وعوداً بـ”سلامٍ مزيف” قائم على التطبيع مع الاحتلال. لكن التاريخ يُعلّم أن شعوباً مثل الفلسطينيين واليمنيين واللبنانيين – على الرغم من كل المعاناة – لا تنسى دماءها بسهولة. قد تنجح واشنطن مؤقتاً في كسب جولات، لكنها تُضحي بمصداقيتها كـ”وسيط سلام” كلما ارتبطت جرائم إسرائيل بصمتِها. البيت الايراني قد يهتز، لكن جذوره الممتدة من بيروت إلى صنعاء ما زالت عميقة… والسؤال الأكبر: هل تكفي الضربات لاقتلاعها، أم أن الثمن سيكون حرباً لا تُبقي ولا تَذر؟

محمد شمس الدين- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة