هل تتدحرج الرؤوس الكبيرة… في سدّ المسيلحة أعجوبة “الصهر المعجزة”؟

أعجوبة “الصهر المعجزة”، أكبر شاهد على إنجازات العهد العوني، وكان يفترض أن يكون إنجازاً هندسياً يوفر المياه للأجيال القادمة، سد المسيلحة، الذي بدأ كمشروع وُعد بأنه “منقذ العطش” لأهالي الشمال، تحوّل إلى كابوس مالي وبيئي، عنوانه الهدر وسوء الادارة. فالمياه التي كان يُفترض أن تُحجز، تسربت، والأموال التي صُرفت تبخرت، ليصبح هذا السد شاهداً صامتاً على نموذج صارخ من الفساد في مشاريع البنى التحتية. واليوم، وفي ظل العهد الجديد، يعود هذا الملف إلى الواجهة مع تعهدات بالمحاسبة، فهل يكون القضاء هذه المرة على قدر الآمال؟
القضاء يفتح الملف: هل تتحقق المحاسبة؟
بعد سنوات من المطالبات الشعبية بفتح تحقيق في فساد السدود، دخل ملف سد المسيلحة أخيراً عهدة القضاء. فقد أحالت النيابة العامة المالية الملف على قاضي التحقيق الأول في الشمال، القاضية سمرندا نصار، على خلفية دعوى إهمال وهدر المال العام.
وقد استمعت القاضية نصار مؤخراً إلى وزير الطاقة السابق وليد فياض على مدى ساعتين، مع احتمال استدعائه مجدداً. وتشير المعلومات إلى أنها ستستمع لاحقاً إلى جميع وزراء الطاقة السابقين الذين كانت لهم صلة بالمشروع، في خطوة قد تكون بداية لمحاسبة فعلية.
وزارة الطاقة، التي تحررت من الهيمنة العونية بعد نحو عقد من الزمن، أكدت مصادرها لموقع “لبنان الكبير” أن “ملف سد المسيلحة في عهدة القضاء، اذ بناء على دعوى إهمال وهدر مال عام حوّلت النيابة العامة المالية الملف الى قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار”.
وقالت: “نحن كوزارة على استعداد تام للتجاوب مع أي طلب قضائي للاطلاع على أي ملف مرتبط به بما يسهل عمل القضاء ويسرّع إظهار الحقيقة. بالتزامن نحن في صدد ورشة عمل من أجل اجراء دراسة علمية وعملية وفنية لمشروع السد”.
سد المسيلحة: من الفكرة إلى الفشل
بدأ العمل بسد المسيلحة في العام 2014، بتمويل قُدّر حينها بحوالي 55 مليون دولار، وهو رقم تضاعف لاحقاً مع التعديلات والمصاريف غير المتوقعة، ليصل إلى أكثر من 80 مليون دولار. الهدف كان إنشاء خزان مائي بسعة تقارب 6 ملايين متر مكعب، لكن بعد إنجاز السد وافتتاحه في العام 2019، ظهرت العيوب سريعاً: المياه لا تُحتجز، والتسربات شملت قاع السد وجوانبه، ما جعل المشروع غير ذي جدوى فعلية.
فضيحة الهدر وسوء الادارة
لم يكن الفشل الهندسي وحده المشكلة، بل تبيّن لاحقاً أن دراسات التربة لم تكن كافية، والتصاميم لم تراعِ طبيعة الأرض الكارستية التي لا يمكنها حجز المياه. ومع ظهور التقارير التي أكدت أن المشكلة بنيوية، بدأت الأسئلة تُطرح حول دور وزارة الطاقة والمقاولين والجهات المشرفة.
ومع تعاقب الوزراء على هذه الحقيبة، لم تتخذ إجراءات تصحيحية جدية، بل استمر النزيف المالي، حتى تحوّل المشروع إلى مثال حي على فساد المشاريع العامة في لبنان.
هل يكون العهد الجديد عهد المحاسبة؟
مع تصاعد الغضب الشعبي من الفساد المستشري في مشاريع البنى التحتية، يتطلع اللبنانيون إلى العهد الجديد على أمل أن يكون مختلفاً عن السابق. فهل يكون ملف سد المسيلحة اختباراً حقيقياً لجدية الاصلاح؟ وهل سيُحاسب المسؤولون عن الهدر، أم ستُطوى الصفحة كما طُويت ملفات أخرى من قبل؟ الاجابة رهن بأداء القضاء وإرادة الاصلاح، لكن الثابت أن اللبنانيين لن يقبلوا بعد اليوم بأن يكون سد المسيلحة مجرد رمز آخر للهدر والإفلات من العقاب.
محمد شمس الدين- لبنان الكبير