مسوّدة الإعلان الدستوري: الشرع حاكماً بأمره!

في وقت لا تزال فيه المدن والقرى الساحلية تلملم جثامين وأشلاء أبنائها الذين قُتلوا بدم بارد على يد فصائل مسلحة ارتكبت عشرات المجازر على خلفية طائفية، في ما يمكن وصفه بجريمة تطهير طائفي، سرّبت وسائل إعلام سورية مسوّدة موجزة للإعلان الدستوري، الذي من المفترض أن لجنة مختصّة قامت بإعداده وتقديمه إلى الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ومن المنتظر أن يقوم الأخير بإقراره، ليُنشر لاحقاً عبر المنصات الرسمية.

وتتألف المسوّدة من 43 مادة، تمّ تسريب 38 منها فقط، لأسباب لا تزال مجهولة؛ إذ تم إخفاء المواد 28، 29، 30، 31، 32، بينما كشفت المواد المسرّبة عن عملية استعادة واستقراء واضحيْن من الدساتير السورية السابقة – والتي كانت موضع انتقاد -، بل وتشديد بعضها. وحدّدت المادة دين رئيس الجمهورية بالإسلام، والفقه الإسلامي بأنه المصدر الرئيسي للتشريع، بعد أن كان مصدراً رئيسياً للتشريع، ما يعني إهمال مصادر التشريع الأخرى، وحصرها بـ«الفقه».

كذلك جاءت المسوّدة متطابقة، بشكل كبير، مع ما سرّبته قناة «الجزيرة» القطرية عن المسوّدة، حتى قبل تشكيل اللجنة المنوطة بها كتابتها، والتي منحت الرئيس صلاحيات مطلقة، باعتباره «رئيس الدولة والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، والمسؤول الأول عن إدارة شؤون البلاد ووحدة وسلامة أراضيها، ورعاية مصالح الشعب» (وفقاً للمادة 27)، ومسؤولاً عن تعيين أعضاء مجلس للشعب، لدورة تمتد لعامين، قابلة للتجديد. كما اعتُمدت الراية ذات النجوم الثلاث الحمر علماً رسمياً للبلاد، فيما تمّ حذف منصب رئيس مجلس الوزراء، ليصبح الرئيس مسؤولاً عن إدارة الحكومة التي يقوم بتشكيلها، فضلاً عن منحه القدرة على إصدار عفو خاص (وفقاً للمادة 34).

بالتوازي مع ذلك، وفي سياق محاولات إقناع سلطة الأمر الواقع في السويداء (الفصائل) بالاندماج في الجيش السوري، إثر نفي الشيخ حكمت الهجري ما أشيع عن التوصل إلى اتفاق بين وفد من الوجهاء والسياسيين والشرع، عُقد لقاء جمع وجهاء وشيوخاً من الطائفة الدرزية، بحضور الهجري، ومحافظ السويداء المكلّف من الشرع، مصطفى البكور. وتمّ خلال اللقاء المشار إليه توقيع تفاهم أولي، بعد تقديم لائحة ببعض مطالب أهالي المدينة، تتضمن تفعيل الضابطة العدلية والملف الشرطي والأمني ضمن وزارة الداخلية، وتنظيم الضباط والأفراد المنشقّين وكل الفصائل المسلحة في وزارة الدفاع، إضافة إلى صرف الرواتب المتأخرة للموظفين وإعادة النظر في أوضاع المفصولين من العمل قبل الثامن من كانون الأول 2024.

ويضاف إلى ذلك، إصلاح المؤسسات الحكومية مالياً وإدارياً، وتسريع تعيين أعضاء المكتب التنفيذي المؤقّت لقضاء حوائج الموظفين، مع التأكيد على الحفاظ على السلم الأهلي ومنع التعدّي على الأملاك العامة والخاصة، وإزالة التعديات على أملاك الدولة وفق خطة مدروسة وإيجاد بدائل، وتخصيص مبنى «حزب البعث» الذي تم حله كمقر رئيس لفرع «جامعة دمشق» في السويداء.

 

وبينما تم اعتبار هذا التفاهم اتفاقاً سياسياً يقضي بضم السويداء وفصائلها إلى كنف المؤسسات الجديدة للدولة السورية، نفت مصادر في السويداء ذلك، مؤكّدة أن ما جرى الاتفاق عليه هو أمور تهدف إلى «إعادة مؤسسات الدولة إلى العمل، من دون الاندماج الكامل في مشروع الشرع السياسي»، وهي نقطة تحتاج إلى نقاشات عديدة لاحقة. وفي أولى الخطوات التي أقدمت عليها إدارة الشرع بالفعل، أصدر محافظ السويداء قراراً يقضي بتحويل مقر «حزب البعث» إلى مقر رئيسي للجامعة، وسط توقّعات بإصدار قرارات لاحقة بجميع المطالب، خلال فترة وجيزة، في محاولة لكسب الوقت وتحقيق إنجاز آخر، من شأنه أن يخفّف من تبعات مجزرة الساحل، بعد إنجاز الاتفاق مع «قوات سوريا الديمقراطية».

وفي الساحل السوري الجريح، الذي لا يزال سكانه يحاولون اكتشاف حجم المصاب، بعد الهجمات الدامية على أساس طائفي، وفي محاولة لامتصاص الغضب، والالتفاف على المطالب الشعبية بالإعلان عن حداد عام في البلاد، أعلنت محافظة اللاذقية تنظيم عزاء على مدار يومين للأهالي الراغبين في تقديم الواجب بالضحايا المدنيين وضحايا قوات «الأمن».

ويأتي هذا في وقت أعلنت فيه لجنة التحقيق التي قام الشرع بتشكيلها بدء مهامها في المحافظة، على اعتبار أن المعارك قد توقفت وأن الفصائل انسحبت، غير أن الوقائع على الأرض تشير إلى عكس ذلك، إذ لا تزال فصائل عديدة، ارتكب عناصرها مجازر وحشية، يتنقّلون بين قرى الريف النائية، ويقومون بعمليات سرقة وإحراق متعمّد للأملاك، وسط تجاهل – أو عجز – من الإدارة السورية الجديدة، في وقت تتابع فيه وسائل إعلام عديدة (سورية وعربية) محاولات طمس الجرائم، وتحميلها لـ«فلول النظام السابق». ويترافق ما تقدّم مع حملات إلكترونية مدروسة تعمل على تسويق هذه السردية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تضجّ بتسجيلات مصوّرة لجرائم قام مرتكبوها بنشرها بأنفسهم للتفاخر بقتل العلويين.

أما على الصعيد السياسي، فنفى الاتحاد الأوروبي ما أشيع خلال اليومين الماضيين حول توجيه الدعوة إلى الشرع للمشاركة في «مؤتمر المانحين»، الذي يُعقد في السابع عشر من آذار في بروكسل، والذي من المنتظر أن يحضره وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، المنتهية ولايتها، أسعد الشيباني، وسط مطالبات بدأت تظهر في الأوساط الأوروبية بعدم دعوته. وفي السياق ذاته، أعرب الاتحاد الأوروبي عن «قلقه البالغ إزاء انتشار العنف في منطقة الساحل السوري خلال الأيام الماضية، والذي أوقع عدداً كبيراً من الضحايا، بينهم العديد من المدنيين»، وفق بيان للممثّلة العليا باسم الاتحاد الأوروبي.

وإذ دان البيان، بشدة، «الهجمات التي شنّتها الميليشيات الموالية للأسد على قوات الأمن»، و«الجرائم المروّعة المرتكبة ضد المدنيين، بما في ذلك الإعدامات الميدانية، والتي يُزعم أن العديد منها ارتكبتها جماعات مسلحة تدعم قوات الأمن التابعة للسلطات الانتقالية»، فهو حذّر السلطات الجديدة من إمكانية التراجع عن خطوات تعليق العقوبات التي جرت سابقاً، ما يعني إعادة فرض عقوبات على سوريا. وطالب بـ«إجراء تحقيق سريع وشفاف ونزيه لضمان تقديم الجناة إلى العدالة»، و«السماح للجنة التحقيق الدولية المستقلّة المعنية بالجمهورية العربية السورية بالتحقيق في جميع الانتهاكات».

الاخبار

مقالات ذات صلة