أزمة تعصف بـ “النجمة”… لماذا استقال الزعني؟

لم يكن فوز نادي النجمة بلقب الدوري اللبناني في الموسم الماضي مجرد إنجاز رياضي، بل كان لحظة تاريخية عاشتها الجماهير النجماوية بكل شغف، بحيث تحولت العاصمة بيروت ومدن أخرى إلى ساحة مهرجانات احتفالاً بتتويج الفريق العريق. لكن، وكما هي حال كرة القدم في لبنان، فإن الفرحة داخل الملعب قد لا تعكس الواقع الصعب خارج أسواره. فبينما كان الفريق يحقق الإنجازات، كانت الادارة تكافح بصمت لمواجهة أزمة مالية خانقة تهدد استمرارية النجاحات، وصولاً إلى اللحظة الحاسمة التي أعلن فيها رئيس النادي مازن الزعني استقالته النهائية، كاشفاً عن عمق الأزمة التي يمر بها النادي.

استقالة نهائية.. وأزمة بلا حلول
في بيان حمل الكثير من الشفافية والمصارحة، كشف الزعني عن الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ هذا القرار، مؤكداً أنه لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات وصعوبات مالية بات من المستحيل تحملها بمفرده. وأوضح أنه سبق وقدم استقالته منذ شهر تشرين الثاني 2024، وأبلغ جميع المرجعيات ومحبي النادي بذلك، لكنه استمر في موقعه في محاولة لإنقاذ الفريق وإيجاد حلول بديلة. إلا أن الدعم المنتظر لم يأتِ، ما جعل الاستقالة خياراً لا مفر منه.

وأشار الزعني إلى أن الميزانية الضخمة لنادٍ بحجم النجمة لا يمكن لأي شخص تحمّلها منفرداً، منتقداً ضعف الدعم المالي من أبناء النادي والمحبين، بحيث اقتصرت المساهمات على تبرع أمين السباعي بمبلغ 1000 دولار، وتبرع آخر من الدكتور شادي سعد، بينما لم تتجاوز الحملة الجماهيرية عبر منصة Wish حاجز الألف دولار، على الرغم من أن أندية أخرى في لبنان وخارجه استطاعت تجاوز أزماتها بدعم مباشر من جماهيرها.

وعود لم تتحقق وواقع مالي قاسٍ
وفي سياق حديثه، كشف الزعني عن وعود تلقاها منذ عامين ونصف العام، حين تولى مسؤولية إنقاذ النادي، من جهات راعية كان يُفترض أن تقدم دعماً سنوياً يتجاوز 450 ألف دولار، لكن هذه الوعود لم تتحقق، ولم يصل منها “قرشٌ واحد”، على حد تعبيره. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لسداد الديون المتراكمة، إلا أن النادي لم يتمكن من تحقيق الاستقرار المالي الذي كان يأمل فيه.

وعلى الرغم من استقالته، أكد الزعني أنه لا يزال ملتزماً بمساهمة مالية شهرية لدعم الفريق حتى نهاية الموسم الحالي، لكنه شدد على ضرورة تحرك أصحاب الأيادي البيض لإنقاذ النادي قبل فوات الأوان، معتبراً أن الاستقالة نهائية ولا رجعة فيها.

مصدر خاص من داخل النادي كشف عبر موقع “لبنان الكبير” تفاصيل دقيقة حول الوضع المالي والاداري للفريق، وحجم التحديات التي يواجهها النادي البيروتي العريق.

الزعني تحمل الأعباء وحده.. ووعود لم تتحقق
وفقاً للمصدر، عندما تولى مازن الزعني رئاسة النادي، التزم بدفع نحو 350,000 دولار سنوياً لدعم الفريق، على أن يتم تأمين مساهمات إضافية من جهات أخرى لمساعدته في إدارة الأعباء المالية. غير أن هذه الوعود لم تُترجم على أرض الواقع، ما جعله يتحمل التكاليف بمفرده على مدى ثلاثة مواسم متتالية، بحيث دفع ما يقارب 3.5 ملايين دولار منذ تسلمه رئاسة النادي للحفاظ على استقراره.

وأشار المصدر الى أن الأوضاع زادت تعقيداً بعد الأزمة الاقتصادية والحرب التي أثرت على عمل الزعني الشخصي، ما دفعه إلى التفكير جدياً في الاستقالة، بعدما بات غير قادر على تغطية النفقات وحده. وعلى الرغم من طلب بعض الجهات منه الاستمرار لفترة إضافية، كان قراره حاسماً ونهائياً.

رواتب متأخرة وغياب للدعم
وعن الوضع الحالي، أكد المصدر أن لا رواتب مكسورة للاعبين والاداريين، فقد تم تسديد رواتب شهر كانون الثاني بالكامل، فيما دُفع جزء من مستحقات شهر شباط، لكن النادي لا يزال بحاجة إلى سيولة مالية لاستكمال دفع الأجور. وعلى الرغم من ذلك، لفت إلى أن النادي لا يعاني من ديون متراكمة ضخمة، باستثناء بعض المستحقات المتأخرة للاعبين الذين تم التعاقد معهم من أندية أخرى، وهي مبالغ “لا تُذكر” مقارنة بحجم الأزمة.

في ظل هذا الواقع، حاولت الادارة البحث عن مصادر تمويل جديدة، سواء من رجال الأعمال أو الجهات السياسية، لكن الاستجابة كانت شبه معدومة. حتى الحملات الجماهيرية لم تحقق النتائج المرجوة، بحيث لم يتجاوز الدعم الجماهيري عبر منصة Wish مبلغ 1000 دولار فقط، ما يعكس مدى تراجع المبادرات لإنقاذ النادي مقارنة بأندية أخرى نجحت جماهيرهاً في مد يد العون خلال الأزمات.

تأثير الأزمة على أداء الفريق
على الصعيد الفني، أوضح المصدر أن الفريق لا يزال يقاتل للحفاظ على موقعه بين الكبار، مؤكداً أن اللاعبين يبذلون أقصى جهدهم على الرغم من الظروف الصعبة، لكن القلق يزداد حول قدرة النادي على الاستمرار بالزخم نفسه، خصوصاً مع غياب الموارد المالية اللازمة لدعم التشكيلة والحفاظ على استقرارها.

من سيقود النادي بعد الزعني؟
حتى اللحظة، لم يتم التوصل إلى أي اتفاق حول هوية الشخص الذي سيخلف مازن الزعني في رئاسة النادي. وأوضح المصدر أن المساعي كانت تتركز على إبقائه في منصبه مع تأمين دعم مالي يساعده، لكن غياب الحلول البديلة جعل رحيله أمراً واقعاً. وعلى الرغم من الحديث عن احتمال دخول مستثمرين أو داعمين جدد، إلا أن الصورة لا تزال غير واضحة، في انتظار خطوات جدية لإنقاذ النادي من أزمته الحالية.

رسالة إلى الجماهير والاتحاد
في ختام حديثه، شدد المصدر على ضرورة تكاتف الجميع، من إدارة، وجماهير، وجمعية عمومية، واتحاد الكرة، لإيجاد حلول جذرية لإنقاذ النادي، معتبراً أن النجمة ليس مجرد فريق كرة قدم، بل رمزٌ من رموز الكرة اللبنانية.

وقال بحسرة: “لا يمكن تخيّل الكرة اللبنانية من دون نادي النجمة، لأن وجوده يعني استمرار الحماس والمنافسة الحقيقية في الدوري. على الجميع أن يتحرك، لأن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة.”

صبرا: استقالة الزعني متوقعة والنجمة في أزمة
الناقد الرياضي وسيم صبرا أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن استقالة الزعني لم تكن مفاجئة، بل متوقعة منذ أربعة أشهر، بحيث أبلغ المعنيين خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان أنه غير قادر على الاستمرار في مهامه بسبب تأثر مصالحه الاقتصادية جراء الحرب.

وأوضح صبرا أن الحديث عن الأزمة المالية التي يعاني منها النادي ليس جديداً، إذ كان الزعني قد تلقى وعوداً بالحصول على دعم مالي من ممولين لمساعدته في تحمل أعباء النادي، لكن هذه الوعود لم تتحقق. وعلى الرغم من أن إدارته للنادي كانت تتبع نهجاً تقشفياً مقارنة بأندية مثل الأنصار والصفاء، إلا أن الأعباء المالية ظلت عبئاً كبيراً عليه.

وأضاف صبرا: “حاول الزعني نهاية الموسم الماضي فتح أبواب الجمعية العمومية للنادي لإبعاد معارضيه من الادارة السابقة واستقدام شخصيات داعمة مالياً، وهو ما تم الاستجابة له، إلا أن خطته لم تكتمل لأسباب بقيت طي الكتمان. ومنذ ذلك الحين، بدأ الزعني بالتصرف وكأنه لم يعد يرغب في الاستمرار، حتى جاءت الحرب الاسرائيلية، التي سرّعت قراره بالاستقالة”.

وأشار صبرا الى أن الزعني قدم استقالته بصورة غير معلنة منذ أشهر، لكنه رسمياً أصدر بياناً متأخراً ليل أول من أمس، محملاً خلاله المسؤولية لعدة أطراف.

أما عن مستقبل النادي، فرأى صبرا أن مرجعية النجمة لن تترك الأمور لمصير مجهول، خصوصاً أن هناك تجارب سابقة تؤكد ذلك. لكن المشكلة الكبرى تبقى في توقيت الاستقالة، بحيث جاءت خلال سوق الانتقالات المفتوح حالياً، ما قد يعرقل قدرة الادارة على تدعيم الفريق بلاعبين جدد، ناهيك عن التحدي الأكبر المتمثل في الحفاظ على المواهب المحلية التي يمتلكها الفريق.

ويبقى السؤال الأبرز الذي يطرحه صبرا: من سيتولى زمام الأمور في هذه المرحلة الحساسة؟

عمر عبد الباقي- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة