الخروق الاسرائيلية والساحل السوري بميزان “الحزب”: تشدد وتصعيد أم انتظار وترقب؟

وسط غبار المعارك وأزيز الطائرات الحربية، تبدو المنطقة على حافة انفجار جديد. التصعيد الاسرائيلي المستمر في الجنوب اللبناني، مقروناً بتطورات الأحداث في سوريا، يطرح تساؤلات عميقة حول الاتجاه الذي يمكن أن تأخذه الأمور، خصوصاً في ظل القراءات المختلفة التي يضعها “حزب الله” لهذا المشهد. فبين الغارات الجوية المكثفة التي تشنها إسرائيل، والمواجهات التي تتخذ طابعاً طائفياً في الساحل السوري، لا يبدو أن الحزب يرى في هذا التصعيد مجرد أحداث متفرقة، بل يقرأها ضمن إطار الضغط المتزايد عليه وعلى محوره، وهو ما قد يدفعه إلى مزيد من التمسك بسلاحه والانخراط في معادلات المواجهة بصورة أشد.

التاريخ يعيد نفسه: سياسة الضغط والانفجار
لطالما أثبتت التجارب التاريخية أن الضغوط التي تهدف إلى الاخضاع تؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية. من الجزائر إلى فيتنام، ومن فلسطين إلى جنوب لبنان، لم تؤدِّ سياسات القمع والاستنزاف إلا إلى تعميق المقاومة وترسيخ القناعات القتالية. واليوم، مع استمرار الغارات الاسرائيلية والضغوط الاقليمية، تتكرر المعادلة ذاتها، بحيث لم يعد السؤال هو هل ستنفجر الأمور، بل متى وكيف؟

مصادر مقربة من الثنائي الشيعي تكشف لموقع “لبنان الكبير” أن السيناريوهات المطروحة متعددة، وتتراوح بين عمليات فدائية نوعية تستهدف الوجود الاسرائيلي في الجنوب، والرد بصواريخ ومسيرات تجاه العمق الفلسطيني المحتل. كما لا تستبعد المصادر أن يتخذ التصعيد طابعاً إقليمياً، إذ على الرغم من تعرضه لضربات قاسية، لا يزال “محور المقاومة” حاضراً على الساحة، وإن كان يعتمد نهجاً أكثر استراتيجية، لا يقوم على رد الفعل المباشر، بل على بناء توازن ردع طويل الأمد.

الجنوب: ساحة جذب لمواجهة مفتوحة؟
وترى المصادر أن إسرائيل، بعكس ما تتصوره، قد تدفع بسياساتها التصعيدية إلى تحويل الجنوب اللبناني إلى ساحة مواجهة مفتوحة، ليس بين الجيش الاسرائيلي و”حزب الله” فحسب، بل ربما تصبح نقطة جذب لمقاتلين من مختلف دول محور المقاومة. فكلما زاد الضغط، تعززت فكرة وحدة الساحات، وأصبح الرد الاقليمي خياراً أكثر واقعية.

التصعيد السوري وتأثيره على الاصطفافات الاقليمية
في موازاة ذلك، لا يمكن فصل ما يجري في الساحل السوري عن الصورة الأكبر. فالمناوشات التي اتخذت منحى طائفياً، قد تكون عنصراً إضافياً يؤجج نيران المواجهة. فحتى لو قيل إن الاشتباكات هي بين القوات الأمنية السورية الجديدة وجماعات مسلحة موالية للنظام السابق، تدور في سياق محلي، فإن الحقائق على الأرض ترسم صورة مختلفة.

مصادر متابعة تربط بين الأحداث في سوريا والتصعيد في لبنان، معتبرة أن “استهداف المدنيين العلويين، وظهور مقاطع فيديو تظهر عمليات إعدام ميداني لنساء وأطفال، سيؤديان إلى احتقان طائفي متزايد، سيدفع الشيعة والعلويين وغيرهم إلى التكاتف والدفاع عن وجودهم في المنطقة”. وتشير المصادر إلى أن هذا الواقع قد يسرّع في إعادة فتح قنوات التواصل والتنسيق بين مختلف مكونات “محور المقاومة”، ما يعزز فكرة أن أي تصعيد في سوريا، قد ينعكس تلقائياً على لبنان والعراق وحتى فلسطين.

إسرائيل واستغلال الورقة الطائفية
وتخشى المصادر أن تحاول إسرائيل استغلال هذه الأوضاع لتقديم نفسها الى المجتمع الدولي كـ”حامٍ للأقليات” في المنطقة، في محاولة لشرعنة المزيد من التدخلات العسكرية. لكن مثل هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ إنها ستدفع القوى المستهدفة إلى التقارب أكثر، وتعزيز الشعور بأن المواجهة الوجودية لم تعد خياراً، بل واقع يفرض نفسه.

“الحزب”: تشدد وتصعيد أم انتظار وترقب؟
كل هذه التطورات لن تؤدي، وفق التقديرات، إلا إلى المزيد من التشدد داخل “حزب الله”، الذي يرى في هذه الضغوط محاولة لإضعافه وعزله، لكنه في المقابل، يدرك أن الرد العشوائي قد لا يكون في مصلحته الآن. وعليه، فإن المرحلة الراهنة قد تشهد تكتيكاً مزدوجاً:

لبنانياً: إبقاء الخطاب السياسي مرناً وإعطاء فرصة للديبلوماسية، من دون تقديم أي تنازلات تمس بسلاحه أو نفوذه الداخلي.

إقليمياً: مواصلة سياسة الردع من دون انجرار إلى مواجهة واسعة، لكن مع إبقاء الخيارات مفتوحة، لا سيما إذا استمر التصعيد الاسرائيلي.

ومع أن الحزب لا يتدخل في الشأن السوري اليوم، إلا أن تصاعد الأحداث هناك قد يعيد خلط الأوراق، ويدفعه إلى إعادة تفعيل قواعد الاشتباك وفق رؤية أكثر شمولية، تجعل من وحدة الساحات أمراً واقعاً، حتى لو طال الزمن.

في ظل هذا المشهد المتوتر، تبدو المنطقة أمام مرحلة جديدة من الاصطفافات والمعادلات. فإذا كان الرهان الاسرائيلي يقوم على فرض المزيد من الضغوط لدفع “حزب الله” إلى التراجع، فإن التجربة التاريخية تثبت أن الضغوط المتزايدة لم تؤدِّ يوماً إلا إلى مزيد من التشدد والتصعيد. فهل نشهد في المرحلة المقبلة إعادة إنتاج لمعادلة “الضغط والانفجار”، أم أن هناك نافذة لا تزال مفتوحة أمام التهدئة لا سيما مع اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته انجاز اتفاق مع ايران؟

محمد شمس الدين- لبنا الكبير

مقالات ذات صلة