صراع أجنحة في “الحزب” وسجال داخلي غير مسبوق: الموسوي و”حديث المقاهي” يشهد

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على دخول الهدنة بين “حزب الله” وإسرائيل حيّز التنفيذ، خرج القيادي البارز في الحزب نواف الموسوي عن صمته ليكشف عن “تقصير واختراقات تقنية وبشرية” أدت إلى خسائر كبرى خلال الحرب الأخيرة، بما في ذلك نجاح عملية “البيجر”، التي تسببت في مقتل الآلاف من مقاتلي الحزب، بمن فيهم أمينه العام السابق حسن نصر الله والرجل الثاني فيه هاشم صفي الدين.
فتحت تصريحات الموسوي الباب أمام سجال داخلي غير مسبوق في الحزب. ما بين الاشادة بجرأته والاتهام بالتهور، وجد “حزب الله” نفسه أمام أزمة جديدة تعكس حالة التباين المتصاعد في صفوفه، بين من يريد التغيير ومن يتمسك بالماضي بكل ثقله وأسراره.
جدل واسع داخل الحزب
سرعان ما أثارت تصريحات الموسوي، التي أدلى بها خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة “الميادين”، عاصفة من ردود الفعل داخل الحزب. وبينما أشاد بعض الأوساط السياسية والمدنية في الحزب بجرأته، معتبراً أن البيئة الحاضنة تحتاج إلى “مصارحة كهذه”، شنّ الجناح الأمني والعسكري حملة عنيفة ضده، واصفاً كلامه بـ”حديث المقاهي” وغير المسؤول.
وتم التسريب عبر مصادر لوسائل الاعلام أن هناك توجهاً داخل قيادة الحزب لاتخاذ “تدابير زجرية” بحق الموسوي قد تصل إلى تجميد عضويته أو حتى طرده نهائياً من الحزب، مذكرة بأن الموسوي سبق أن تعرّض لعقوبات داخلية، أبرزها إجباره على الاستقالة من البرلمان عام 2019 بعد حادثة اقتحامه لمخفر أمني إثر خلاف عائلي.
خلاف داخل الحزب: بين السرية والانفتاح
تصريحات الموسوي لم تكن مجرد انتقاد لأداء الحزب خلال الحرب، بل كشفت عن هوّة آخذة في الاتساع بين تيارين داخله وفق ما رأت مصادر سياسية لموقع “لبنان الكبير”، وقد صنّفتها بـ: “الجناح الأمني والعسكري، الذي يفضل السرية والكتمان، ويرى في تصريحات الموسوي خطراً على تماسك الحزب وهيبته، وجناح أكثر براغماتية يدعو إلى الاعتراف بالأخطاء وإعادة تقييم الأداء، بل وربما إعادة دمج الحزب بالدولة اللبنانية في سياق جديد”.
واعتبرت المصادر أن “الحرب الأخيرة، التي أودت بحياة معظم قيادات الحزب، لم تؤدِ إلى إعادة هيكلة تنظيمية وحسب، بل فتحت نقاشاً غير مسبوق داخل الحزب حول طريقة إدارة العلاقة مع جمهوره، الذي عانى بصورة غير مسبوقة من تبعات الحرب. فبينما يدفع التيار الأمني باتجاه التعتيم على الأخطاء، يرى التيار المدني/ السياسي أن كشف الحقيقة للبيئة الحاضنة قد يكون ضرورة لإعادة بناء الثقة”.
تداعيات الحرب والفراغ القيادي
منذ اغتيال نصر الله وصفي الدين، دخل الحزب في مرحلة “إعادة التقييم”، بحيث يجري مراجعات داخلية شاملة تشمل التحقيق في الخروق الأمنية وإعادة هيكلة القيادة. وأشارت المصادر إلى أن الحزب لم يستكمل بعد ملء الفراغات القيادية، ما يجعل النقاشات الداخلية أكثر حدة، بحيث يسعى كل جناح الى فرض رؤيته حول مستقبل الحزب.
ما وراء تصريحات الموسوي؟
الى ذلك، يطرح البعض تساؤلات حول ما إذا كانت تصريحات الموسوي قد جاءت في سياق مدروس من بعض قيادات الحزب، بهدف إيصال رسائل معينة من دون أن يتحمل الحزب رسمياً تبعاتها. فهل أرادت القيادة الجديدة اختبار ردود الفعل عبر شخص معروف باندفاعه وانفعاليته، ليكون بمثابة “بالون اختبار” لمواقف أكثر جرأة مستقبلاً؟
اللافت أن هذه التصريحات جاءت بعد ساعات فقط من تأكيد النائب في الحزب علي المقداد أن “حزب الله استعاد عافيته واستكمل هيكليته التنظيمية”، ما يعزز فرضية أن الموسوي إما يعكس تياراً داخل الحزب غير راضٍ عن الأداء الحالي، أو أنه ينطق بموقف لم يحن أوانه بعد بالنسبة الى القيادة.
ماذا بعد؟
بغض النظر عن نوايا الموسوي، فإن تصريحاته فتحت باباً لنقاش حساس داخل الحزب حول المرحلة المقبلة. فهل سيعاقب الحزب الموسوي بصورة حاسمة لقطع الطريق على أي انتقادات أخرى، أم أن بعض القيادات قد يجد في تصريحاته فرصة لممارسة ضغوط داخلية لتغيير أسلوب إدارة الحزب؟
الأكيد أن “حزب الله” لم يخرج بعد من حالة الضعضعة التي سببتها الحرب الأخيرة، وأن الخلافات حول التعاطي مع الجمهور ومع التحديات المستقبلية باتت أكثر وضوحاً من أي وقت مضى.
ويبقى السؤال: هل سيتجه “حزب الله” نحو المزيد من السرية والتشدد، أم أن أصوات المصارحة مثل صوت الموسوي ستفرض واقعاً جديداً داخل الحزب؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف مسار الأمور، لكن المؤكد أن “حزب الله” لم يعد كما كان قبل هذه الحرب، وأن خلافاته الداخلية باتت أكبر من أن تُخفى.
لبنان الكبير