هل من بوادر «مواجهة» بين ترامب والعرب؟

في انتظار أن تنجلي المفاوضات التي ستنطلق بين بعض العواصم العربية وواشنطن لتسويق الخطة المصرية في شأن إعادة إعمار غزة من دون نقل مواطنيها إلى أي دولة جارة، ليس من السهل الحديث عن مواجهة محتملة بينهما. فواشنطن وفي أول تعليق لها، تركت الباب مفتوحاً أمام ما يمكن أن تقود إليه المحادثات في شأنها. وعليه بُنيت مجموعة من السيناريوهات، وبقيت رهن التحوّلات الكبيرة في المنطقة وقدرة إسرائيل على تثبيت مكتسباتها في المنطقة، وهذه عيّنة منها.

من الواضح أنّ تل أبيب وواشنطن لم تنتظرا قراءة البيان الختامي للقمة العربية غير العادية التي عُقدت في القاهرة أول أمس الثلاثاء، والتي تبنّت المشروع المصري – العربي لإعادة بناء قطاع غزة وتأسيس الإدارتَين السياسية والأمنية للقطاع. ومعها مختلف المراحل المقترحة ليَبنِيا موقفهما من توقيتها وشكلها ومضمونها، فهما كانا على علم بكثير من الاقتراحات المتداولة ما بين الرياض والقاهرة والدوحة وواشنطن وتل أبيب قبل وبعد أن يقدّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب عرضه الخاص بنقل السكان الفلسطينيين إلى مصر والأردن أو أي دولة أخرى تمهيداً لإعادة بناء غزة وتحويلها «ريفييرا الشرق».

وعلى هذه القاعدة البسيطة التي لا تخضع إلى تشكيك، قالت مصادر ديبلوماسية عربية وغربية واكبت التحضيرات التي سبقت قمة القاهرة وتلتها في الساعات القليلة الماضية، إنّ الحراك الديبلوماسي العربي بلغ الذروة على قاعدة إسراع العرب في تقديم سلّة الأفكار التي بُنِيت على الاقتراح المصري الأساسي قبل إدخال التعديلات الموسعة في اجتماع الرياض الذي سبق انعقاد القمة وتسبب بتأجيلها من 27 شباط الماضي إلى 4 آذار الجاري، والتي جمعت إلى مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي المستهدفين بخطة ترامب، مصر والأردن، من أجل تقديم التفاصيل الدقيقة التي حوتها المبادرة الجديدة ولم تتجاهل ضرورة التنسيق مع واشنطن قبل الإقدام على إطلاق صيغتها النهائية، وخصوصاً إن أدخلت اليها بعض التعديلات الأميركية التي قد تستدعي مواجهات ديبلوماسية مقبلة على أكثر من مستوى.

وفي المعلومات المتداولة في الصالونات الديبلوماسية والسياسية ملاحظات عدة على الظروف التي دفعت إلى وضع الخطة الجديدة لتكون البديل الأنسب الذي يمكن أن يقنع الرئيس الأميركي بتفاصيلها، وخصوصاً إن احترمت العوامل التجارية والمالية التي يعطيها الأولوية في سياساته الخارجية، إن قيست بحجم الاستثمارات التي تستدعيها عملية الإعمار قبل الإنماء، في ظل إعطاء ترامب الأفضلية المطلقة للعمليات الحسابية والتجارية التي تقدّمت في رأيه على كل المعطيات السياسية والديبلوماسية وربما تتجاوز الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية والقانونية التي تخلّى عن المشاركة الأميركية فيها، والتي قد تتحوّل أساساً في أي مشروع يمكن أن تتبنّاه الإدارة الأميركية الجديدة.

وإن توقفت هذه المراجع أمام هذه المعطيات، فإنّها لا تستثني مواقف ترامب من مجموعة من الأزمات الدولية إن احتسبت طريقة تصرّفه مع المبادرات الأخرى التي أطلقها في شأن مجموعة من الاستحقاقات التي أعطتها إدارته أولوية بارزة من الحرب في أوكرانيا وما استجرّته من أزمات قد تكون عابرة وصولاً إلى طريقة تعاطيه مع «قناة بنما» وإلى المشاريع المطروحة للوضع في كوريا الشمالية وبحر الصين والعلاقات التجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي التي اهتزّت بفضل الضرائب والرسوم الجمركية الجديدة المقترحة، وغيرها من تلك التي تعني علاقات واشنطن بجاراتها في أميركا اللاتينية التي تغيّرت على خلفية إجراءاته في مواجهة الهجرة غير الشرعية وتكلفتها المقدّرة على الموازنة المركزية الأميركية التي قرّر تقليصها إلى الحدّ الأدنى بعد إقفال بعض الوكالات الاميركية الكبرى كما الـ USAID ومثيلاتها التي تعني بالمساعدات الأميركية الخارجية التي تقرّر تقليصها إلى الحدّ الادنى في ظل بعض الاستثناءات المحدودة.

على هذه الخلفيات استبعدت المراجع الديبلوماسية أن تنشأ أي أزمة في المدى المنظور بين العرب والولايات المتحدة الأميركية على خلفية الخطة المصرية التي تحولت مبادرة عربية بإجماع غير مسبوق، وخصوصاً أنّها باتت جزءاً لا يتجزّأ من الشروط العربية الخاصة بالاعتراف بمنطق حل الدولتَين، قبل البحث في أي خطوة على طريق التطبيع الذي تسعى إليه الإدارة الأميركية امتداداً للاتفاقيات الإبراهيمية السابقة التي بدأت بوادرها مع ولاية ترامب الأولى قبل أن يقطعها الرئيس السابق جو بايدن في ولايته على مدى 4 سنوات التي عطّلت كثيراً ممّا كان يُخطّط له بما فيها سقوط «صفقة القرن» التي بنى عليها ما لم يبنهِ أي رئيس أميركي سابق.

وتأسيساً على ما تقدّم، فقد رصدت المراجع الديبلوماسية في ردّ الفعل الأولي الذي جاء من البيت الأبيض على لسان المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي، بريان هيوز، الذي قال قبل أن يجفّ حبر البيان الختامي لقمة القاهرة، رفضه للخطة المصرية قائلاً: «إنّها لا تعالج الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع، ولا تعالج حقيقة أنّ غزة غير صالحة للسكن حالياً، ولا يمكن للسكان العيش فيها وسط الأنقاض والذخائر غير المنفجرة». وإذ أكّد أنّ ترامب «لا يزال ملتزماً برؤيته لإعادة إعمار غزة «خالية من حماس»، مستدركاً كل هذه الملاحظات التي يمكن أن تعطّل الخطة بالضربة القاضية بالقول: «إنّ الولايات المتحدة تتطلع إلى مزيد من المحادثات» في شأن هذه القضية خصوصاً أنّ ترامب تفادى في خطابه أمس أمام الكونغرس الخوض في تفاصيل الملف الفلسطيني وغزة، مكتفياً بالقول إنّه «عازم على إعادة الأسرى، وإحلال السلام في الشرق الأوسط».

وانطلاقاً ممّا تقدّم، تعترف المراجع المعنية بأنّ الأيام المقبلة ستشهد مفاوضات معقّدة وصعبة متى دخلت تل أبيب على الخط مجدّداً. لكنّ العرب جاهزون للردّ. فالبيان الختامي لقمة القاهرة وعد بإنهاء دور «حماس» بطريقة أفضل من تلك التي اقترحتها تل أبيب، بالتأسيس لإدارة سياسية موقتة وأمنية تتولّى تنظيمها دولتان على سلام دائم وكامل معها هما الأردن ومصر، ومن المفترض أن تأمّن جانبهما، فهما يُريدان التخلص من «حماس» قبل غيرهما. وإنّ السلطة الفلسطينية مستعدة لملاقاتهما بالطريقة المناسبة بمجموعة من الخطوات الداخلية الخاصة بهيكلية منظمة التحرير وبناء السلطة والدعوة إلى انتخابات جديدة تنهي الإنقسام بين غزة والضفة، وهنا يكمن الاستحقاق الكبير بإقناع إسرائيل بوحدة الأراضي الفلسطينية، وهي التي جهدت للفصل بين القطاع والضفة، ولاقتها طهران ودول أخرى من جنسيات مختلفة.

جورج شاهين- الجمهورية

مقالات ذات صلة