قطاع السيارات في لبنان يتراجع: ضرائب ورسوم تفوق قيمة السيارة!

لا يزال قطاع السيارات الجديدة في لبنان يرزح تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي اندلعت منذ العام 2019، حين أدى انهيار العملة الوطنية وتفاقم الأزمة المالية إلى تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين، في وقت امتنعت فيه المصارف عن تقديم القروض الشخصية، ما انعكس سلباً على مبيعات السيارات. كما أن ارتفاع الرسوم الجمركية على الاستيراد، إلى جانب تداعيات الحرب الاسرائيلية الأخيرة على لبنان، زاد من حذر المشترين ودفع العديد من أصحاب معارض السيارات إلى التذمر من الخسائر التي تكبدها القطاع.

وعلى الرغم من هذه الظروف، أظهرت الاحصاءات تحسناً نسبياً في مبيعات السيارات الجديدة خلال العام 2024، إذ ارتفع عددها إلى 8,226 سيارة مقارنة بـ 6,578 سيارة في العام 2023، أي بزيادة بلغت 1,648 سيارة ونسبة نمو 25.05%. ومع ذلك، لا يزال هذا الرقم بعيداً عن المعدلات التي كان يسجلها القطاع قبل الأزمة.

ضرائب ورسوم تفوق قيمة السيارة
رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة، إيلي قزي، قدم في حديث لموقع “لبنان الكبير”، رؤية شاملة عن التحديات التي تواجه هذا القطاع وأفقه المستقبلي. ووصف واقع قطاع السيارات حالياً بأنه يعاني من تراجع حاد، مشيراً إلى أن الطلب انخفض بصورة مستمرة بسبب ارتفاع الأسعار وتقلص القدرة الشرائية. وأوضح أن “المستهلك اللبناني لم يعد قادراً على شراء السيارات كما كان في السابق، وهذا يؤثر بصورة كبيرة على السوق.”

أحد العوامل التي ساهمت في تفاقم الوضع هو عودة الرسوم الجمركية إلى مستوياتها السابقة، بينما يُحتسب الجمرك اليوم على سعر صرف مرتفع، ما يزيد من كلفة استيراد السيارات. وأكد قزي أن “التجار يدفعون أحياناً ضرائب ورسوم تفوق قيمة السيارة نفسها، وهذا ينعكس سلباً على المستهلك النهائي”، لافتاً الى ضرورة إجراء إصلاحات مالية تشمل إعادة هيكلة المصارف وإطلاق التسهيلات الائتمانية، حيث يعتمد السوق بصورة كبيرة على قدرة المواطنين على الاستدانة.

ورأى أن تحسين أوضاع موظفي القطاع العام يعد أمراً حيوياً، لأن العديد منهم كان يعتمد على القروض لشراء السيارات، ومع تراجع مداخيله، انخفض الاقبال على الشراء.

وفي ما يتعلق بالتحركات الرسمية لمعالجة هذه التحديات، أكد قزي أنهم ينتظرون استكمال التعيينات الادارية في المؤسسات المالية والجمركية، معتبراً أن الادارة الواضحة ضرورية لتنظيم العمل واتخاذ قرارات فاعلة.

وتوجه قزي برسالة الى المعنيين، قائلاً: “المطلوب اليوم قرارات جريئة لإنقاذ القطاع. يجب خفض الرسوم الجمركية، إعادة تفعيل القروض، وتحسين أوضاع المواطنين حتى يتمكنوا من العودة إلى السوق”. وحذر من أن عدم اتخاذ هذه الخطوات سيؤدي إلى استمرار الركود، ما سينعكس سلباً على الاقتصاد اللبناني عموماً.

تظل آفاق قطاع السيارات في لبنان مرهونة بالاصلاحات الاقتصادية الضرورية، ومع استمرار الأزمة، تبقى التحديات أكبر من الحلول المتاحة حتى الآن.

المبيعات تحسنت لكنها لا تزال ضعيفة
في هذا السياق، أشار مدير أحد معارض السيارات في بيروت، فادي حنّا، إلى أن الوضع لا يزال صعباً على الرغم من التحسن الطفيف في المبيعات. وقال لـ”لبنان الكبير”: “خلال العام الماضي، كنا بالكاد نبيع بضع سيارات شهرياً، أما اليوم فهناك زيادة بسيطة، لكن السوق لا يزال بعيداً عن طبيعته السابقة. معظم الزبائن يسأل عن الأسعار، يتردد، ثم يقرر تأجيل الشراء بسبب الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة. كنا نعتمد سابقاً على القروض المصرفية التي كانت تسهّل على اللبنانيين شراء السيارات، لكن اليوم، من دون هذه التسهيلات، باتت عملية البيع صعبة جداً”.

وأضاف: “نرى اهتماماً متزايداً بالسيارات المستعملة أو السيارات الاقتصادية ذات الاستهلاك المنخفض للوقود، خصوصاً مع ارتفاع أسعار البنزين. كما أن السيارات الكهربائية بدأت تجذب بعض الزبائن، لكن ضعف البنية التحتية للشحن وعدم وجود دعم حكومي لهذه السيارات يحدّ من انتشارها”.

غياب التمويل المصرفي
يُعد غياب القروض المصرفية أحد العوامل الأساسية التي أدت إلى انخفاض المبيعات، إذ كانت المصارف تلعب دوراً محورياً في تمويل شراء السيارات عبر تقديم قروض تغطي كامل الثمن، على أن يقوم المشتري بالسداد بالتقسيط. إلا أن الأزمة المالية أدت إلى توقف هذه التسهيلات، ما جعل امتلاك سيارة جديدة أمراً صعباً على شريحة واسعة من اللبنانيين.

الرئيس السابق لغرفة الملاحة الدولية إيلي زخور أوضح أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، إضافة إلى الزيادة الكبيرة في الرسوم الجمركية على استيراد السيارات الجديدة والمستعملة، شكّلا ضغطاً كبيراً على السوق، لا سيما في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في لبنان. وأكد في حديث صحافي أن غياب السيولة وانخفاض القدرة الشرائية جعلا الطلب على السيارات ينخفض بصورة حادة مقارنة بالسنوات السابقة.

اتجاه نحو السيارات الكهربائية
في ظل هذه التحديات، شهد استيراد السيارات الجديدة تراجعاً ملحوظاً، بحيث يشكو وكلاء العلامات التجارية من انخفاض الطلب. وعلى الرغم من بدء دخول السيارات الكهربائية إلى السوق اللبنانية مدفوعة بالاجراءات البيئية التي اعتمدتها أوروبا، لا تزال السيارات الكورية والصينية واليابانية تحتل الصدارة من حيث المبيعات، نظراً الى أسعارها التي تبقى في متناول المستهلك اللبناني بصورة أكبر مقارنة بالسيارات الأوروبية.

أحد وكلاء السيارات في لبنان أكد أن انتعاش السوق مرهون بإعادة هيكلة المصارف، واستعادة الثقة بين المواطنين والمؤسسات المالية، إلى جانب تحسين القدرة الشرائية بعد التآكل الكبير الذي أصاب الطبقة الوسطى خلال السنوات الأخيرة، مشيراً الى أن “تقسيط السيارات كان الأساس في حركة البيع والشراء، لكنه غير متاح حالياً، ما يجعل الأمل معلقاً على الاصلاحات الاقتصادية التي قد تعيد تنظيم هذا القطاع الحيوي”.

عمر عبد الباقي- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة