“محور إيران” يشيّع مشروعه غدا ويدفن أبطاله… وأوهامه

غداً الاحد، تصل مغامرة “طوفان الأقصى” الى محطة رئيسية في سياق التحولات التاريخية، بالبعد الجيوسياسي، على مستوى المنطقة، مع تجمع فلول “محور ايران” في بيروت لتشييع حسن نصر الله، الذي سقط ضحية وهم تكافؤ القوة مع إسرائيل، بل لتشييع “المشروع” الذي اشتغلت عليه طهران عقوداً وأنفقت عشرات مليارات الدولارات من أجل فرض “هلال شيعي” على الأمة الإسلامية – العربية، فكان أشبه بخيال وهوى.
يريد فلول المحور جعل تشييع نصر الله الى “ضريحه الأخير” بعد شهور من مقتله، مع معرفة الجميع أنه ما كان ليحصل من دون غض طرف إسرائيلي، ربما بعد ضغوط ثقيلة، حدثاً كبيراً لاستغلاله في تجديد الوهم، في سردية الانتصارات التي لا تتوقف من منطلق “المكابرة والإنكار” الاستفزازي الذي يباعد بين البيئة الشيعية والبيئة اللبنانية، في وقت دخل فيه البلد توقيت عهد جديد، رسم حدوده بالاصلاحات السياسية والاقتصادية القرار 1701 الجديد ببنوده المعلنة، والملحقة، التي تقول بوضوح لـ”حزب الله”: اللعبة انتهت.
23 شباط 2025 محطة مهمة ولا شك: دفن “المشروع” مع كل أبطاله وأوهامه والعودة الى الوطن والدولة بكل مؤسساتها؛ أو التشبث بالأوهام والمضي برهانات خاسرة.
في هذا الوقت الحرج، يبدو لبنان على مفترق طرق خطير: بينما تغرق قوى “الممانعة” في الحداد على قيادتها، تتحرك القوى الدولية، وخصوصاً الأوروبية، لوضع شروط صارمة لأي مساعدات قد تنقذ البلاد من الانهيار. بين الانهيار المالي والسياسي، والمأزق الاقليمي، يبدو أن بيروت أمام فرصة تاريخية لإعادة رسم دورها، لكن بشرط الابتعاد عن النفوذ الايراني وإجراء إصلاحات هيكلية لا مفر منها.
تشييع أم إعادة تثبيت السيطرة؟
منذ أكثر من شهر، استنفر “حزب الله” كامل أجهزته التنظيمية والأمنية للتحضير لمراسم تشييع استثنائية، تعكس حجم نفوذه وقدرته على الحشد، مستغلاً الحدث لتحويله إلى استفتاء شعبي على استمراره في قيادة “بيئته الحاضنة”. تحت شعار “إنا على العهد”، جُنِّد الآلاف من المناصرين من مختلف المناطق اللبنانية، فيما حاول الحزب استقدام أعداد كبيرة من المغتربين عبر تنظيم رحلات خاصة، قبل أن تفاجئه الحكومة اللبنانية بقرارها وقف وصول الطائرات الايرانية إلى مطار بيروت، في خطوة رآها الحزب “استفزازاً متعمداً”.
لم يجد الحزب أمام هذا التطور سوى تحويل مطار بغداد إلى محطة عبور، حيث نُظمت رحلات مكثفة لنقل المشيعين إلى بيروت، ما تسبب في ازدحام كامل في الرحلات بين العاصمتين، فيما تحدثت تقارير عن جهود إيرانية عبر فصائلها العراقية لحشد وفود من العراق واليمن وسوريا للمشاركة في التشييع، بما يعكس طابعاً إقليمياً للحدث.
لكن التوتر لم يقتصر على المجال السياسي، فقد شهد مطار رفيق الحريري الدولي إشكالات متكررة بسبب إصرار القادمين على رفع صور نصر الله وترديد الهتافات المؤيدة للحزب، ما استدعى تدخل الأجهزة الأمنية لمنع تفجر صدامات محتملة مع المعارضين.
تحذير يمني من الحوثيين
إلى ذلك، حذرت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً من مغادرة قيادات حوثية من صنعاء إلى بيروت، معتبرةً ذلك تحركاً خطيراً مرتبطاً بمحاولات إيران إعادة ترتيب أوراقها بعد الضربات التي تعرضت لها أذرعها في سوريا ولبنان. وأكد وزير الاعلام معمر الإرياني أن هذه الخطوة تمهد لتصعيد إرهابي جديد يهدد اليمن والمنطقة والعالم، مشيراً إلى امتداد خطر الميليشيا خارج الحدود اليمنية عبر هجماتها على السفن وخطوط الملاحة الدولية.
كما نبّه على أن وجود القيادات الحوثية في لبنان بدعم من “حزب الله” وإيران يؤكد طبيعة مشروعها التخريبي العابر للحدود، داعياً الحكومة اللبنانية الجديدة إلى تعزيز الاستقرار ومراقبة هذه التحركات. وطالب المجتمع الدولي بفرض قيود على الميليشيا وتجفيف مواردها، مؤكداً أن التهاون معها سيزيد من توسيع أنشطتها. ووصف الحوثيين بأنهم تهديد دولي يتطلب موقفاً حازماً قبل تفاقم الأزمة.
التعبئة العائلية والأمنية
في محاولة لحشد أكبر عدد من المشاركين، دخل نجل نصر الله، محمد مهدي نصر الله، على خط التعبئة الجماهيرية، ناشراً مقطع فيديو على حسابه في “إنستغرام”، حث فيه أنصار الحزب على الحضور بكثافة، محذراً من أن “الأعداء يسعون لعرقلة التشييع”. وندد بـ”التقاعس” داخل بعض الأوساط الحزبية.
بالتوازي، رفعت الأجهزة الأمنية اللبنانية مستوى الجهوزية إلى الحد الأقصى، تحسباً لأي احتكاكات قد تندلع خلال التشييع، خصوصاً أن خصوم الحزب قد ينتهزون الفرصة للتعبير عن رفضهم لممارساته، وسط أجواء من التوتر السياسي والأمني في البلاد. وترأس رئيس الجمهورية جوزاف عون اجتماعاً أمنياً طارئاً بحضور وزيري الدفاع والداخلية وقادة الأجهزة الأمنية، للبحث في التدابير التي تضمن مرور الحدث من دون انزلاقه إلى مواجهات داخلية.
شلل مؤقت للبنان
ومن المتوقع أن تدخل البلاد في حالة شلل شبه كامل يوم التشييع، مع تدفق عشرات الآلاف إلى بيروت، وإغلاق المرافق العامة والطرق الرئيسية، فيما أعلنت السلطات تعليق الرحلات الجوية بين الساعة الثانية عشرة ظهراً حتى الرابعة عصراً. كما دعا “حزب الله” كبار المسؤولين اللبنانيين الى المشاركة، في محاولة لمنح الحدث طابعاً وطنياً ورسمياً.
ووفقاً للجنة المنظمة، ستشارك وفود من 79 دولة في المراسم، بينها شخصيات سياسية ودينية من إيران والعراق واليمن وسوريا، إضافة إلى وفود رسمية من بعض الدول الحليفة.
لبنان الكبير