تلامذة لبنان خسروا نصف السنوات الدراسية

تراجع عدد أيام التدريس الفعلية في المدارس اللبنانية، بين عامَي 2016 و2025، بصورة حادة مقارنة بالمعيار العالمي البالغ 180 يوماً سنوياً في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). وعلى مدى عقد، وصلت خسارة أيام التدريس الفعلية إلى مستويات حرجة، إذ راكمت المدارس الرسمية عجزاً في أيام التدريس يصل إلى 880 يوماً من أصل 1,800 يوم، بنسبة 49%.

هذا الاتجاه يظهر، بحسب الباحث في مركز الدراسات اللبنانية نعمه نعمه، أن القرارات الإدارية والمالية لوزارة التربية لم تكن كافية للتعافي، وقد «أدّت مجتمعة إلى تآكل جودة التعليم وضعف اكتساب الطلاب للمهارات والمعارف الأساسية. ويُعد هذا التدهور انعكاساً لفشل رؤيوي واسع في القطاع، ما يؤكد الحاجة الملحّة إلى تدخلات سريعة قائمة على الأدلّة لمعالجة أوجه القصور في الهيكلية الإدارية والمالية في التعليم».

وفي دراسة عن «الفاقد التراكمي لأيام التدريس» وعلاقته بالمناهج ومؤشرات تقييم سنوات التعليم، أوضح نعمه إلى أن المدارس تقدم، هذا العام، 93 يوم تدريس فعلياً (نحو 50% من المعدل الوسطي العالمي البالغ 180 يوماً)، فيما المناهج التعليمية لعام 1997 (المعتمدة حالياً) مصممة لتوزيع المعارف والكفايات والمهارات على 170 يوماً.

وأشار إلى أن هذا الواقع استوجب تقليص المنهج الأساسي وتكثيفه ليتناسب مع أيام التدريس الفعلية، ما يعني أيضاً تقليص المعارف والكفايات والمهارات المحددة في المنهج.

وبحسب الدراسة، لم يفقد التلامذة مهارات وكفايات نتيجة أزمة ما، بل «لأسباب إدارية/ مالية من أجل تقليص الإنفاق على الأجور والرواتب والتشغيل». ولفتت إلى أن «خسارة أيام التدريس الفعلية تراكمية ومستمرة منذ العام الدراسي 2016-2017، حين أصدر وزير التربية السابق الياس بو صعب قراراً بتقليص العام الدراسي من 170 إلى 120 يوماً (القرار 21/م/2016)، ثم قُلّص منهج 1997 إلى نحو الثلث، واستمر التقليص والتكثيف حتى اليوم بحجة الأزمات المختلفة التي مر بها لبنان».

وأدى تعدد الأزمات إلى تفاقم الفروق في جودة التعليم بين الفئات الاجتماعية والمناطق والمجموعات الهشة مثل اللاجئين، وبين التعليم الرسمي والخاص، وبين الخاص النخبوي والخاص المتدني الكلفة، وبين الشريط الحدودي والمناطق الأخرى، وبين الطبقات الميسورة والفقيرة، «حتى إن الوصول إلى التعليم أصبح مسألة مطروحة بشدة في مناطق الجنوب والشريط الحدودي خصوصاً، حيث يتعثر وصول آلاف التلامذة إلى قراهم ومدارسهم التي دُمرت كلياً أو جزئياً من دون خطة طوارئ حكومية واضحة لعودتهم أو استيعابهم في مدارس بديلة منذ بداية العام الدراسي في تشرين الثاني 2023 وحتى الآن».

وعن تأثير فاقد أيام التدريس على المستوى التعليمي، استند نعمه إلى تقرير للبنك الدولي صدر عام 2023، يقارب تأثر القطاع التعليمي بإغلاق المدارس، ويجري مقارنة بين ما قبل جائحة كورونا وما بعدها بناء على معيارين: مقدار التعلم ومحاكاة الفاقد التعلمي. ويظهر التقرير أن لبنان شهد بين عامَي 2020 و2023 خسائر تعليمية كبيرة.

ففي عام 2020، أي قبل جائحة «كوفيد-19»، بلغت سنوات التعليم ما يعادل 10.2 سنوات دراسية فعالة من أصل 12 سنة، في حين بلغت سنوات التعليم المعدلة وفقاً لمقدار التعلّم الفعلي المكتسب، 6.3 سنوات مقارنة بالمعدل الدولي قبل الجائحة البالغ 10.8 سنوات. ونظراً إلى أن وزارة التربية أبقت عدد أيام التدريس بعد الجائحة على 92 يوماً في السنة، انخفض عدد أيام التدريس بمقدار 0.5 نقطة سنوياً (نصف سنة). وبحلول عام 2023، من المتوقع أن ينخفض عدد أيام التدريس إلى 8.6 سنوات فعّالة من أصل 12، ما يعكس خسارة بنسبة 36% في أيام التدريس وتراجعاً موازياً في مهارات ومعارف الطلاب، حيث انخفضت سنوات التعليم المعدّلة إلى 4.6 ــ 4.9.

وإذا لم تُجرَ خطة تعويض تربوية فعلية، فمن المتوقع أن ينخفض المتوسط في لبنان، بحسب نعمه، إلى 3.6 نقاط في نهاية عام 2024 – 2025، ما يمثل انخفاضاً بنسبة 40% مقارنة بالمستويات التي كانت قبل الجائحة. وكون الفارق في مؤشر مقدار التعلم قبل 2020 هو 4 نقاط بين التعليم الخاص النخبوي والرسمي والخاص المتدني الكلفة، فإن الفارق بينهما يعكس الفروقات الاجتماعية، ما يشير إلى تدنّي مستوى مقدار التعلم لعام 2024 – 2025 في التعليم الرسمي إلى 2.3 – 2.5، وهو مستوى غير مسبوق.

مقالات ذات صلة