لا معطيات مشجعة: تصوران لحكومة العهد الأولى
على الرغم من مضي أسبوعين وبضعة أيام على تكليف الرئيس نواف سلام تشكيل الحكومة، ومع الأجواء الايجابية التي يتم بثها بين فينة وأخرى، فإن لا معطيات مشجعة حيال حلحلة بشأن التأليف، بحيث أن كماً من الشروط والتعقيدات باتت تحاصر الرئيس سلام في مهمته. وفيما يتحدث الرئيس المكلف عن أسلوب جديد في التشكيل والعمل الحكومي، يريد عبره إحداث صدمة إيجابية تنعكس انفراجاً في التعثر الاقتصادي والمالي الذي ترزح تحته البلاد، إلا أنه لم يعد خافياً أنه بات يراعي القوى السياسية كلها وعدم تحدي أي منها، وذلك كي تتمكن الحكومة الوليدة من نيل الثقة النيابية، التي تشكل معبراً إلزامياً لمباشرتها في تولي صلاحياتها كسلطة تنفيذية مكتملة، على نقيض حكومة تصريف الأعمال الحالية، ما يدفعه الى إبداء حيز المرونة في معالجة التعقيدات والشروط المتراكمة في وجهه من الفرقاء والكتل والأحزاب، إلى مواجهة لا مصلحة فيها إلا للذين يضمرون الدفع به إلى السلبية.
وفي الوقت الذي يبدي فيه سلام تمسكه بالدستور وبما ورد فيه حول التشكيل والحقائب واختيار الوزراء، فإنه يوازن بمرونته بين طلبات الكتل السياسية وذهابها في الاعتراض على وزارات قد تؤول إلى كتل أخرى، وبين إصراره على اختيار وزراء من أصحاب الكفاءة من غير الحزبيين وغير الطامحين للترشح إلى الانتخابات البلدية والنيابية، سعياً إلى تحريرهم من ضغوط قد يتعرضون لها في محيطهم من أحزاب وغيرها، وذلك في ظل توزع الكتل النيابية والأحزاب السياسية على الطوائف، والتي تتمثل بحصص وتمثيلها في الحكومة، بما يعبّر عن هذه الأحزاب والطوائف، وتالياً لا يمكن إبعاد السياسة عن الحكومة.
على الرغم مما يتردد من مواقف بعدم حصر أي وزارة بطائفة وخصوصاً وزارة المالية، فثمة إقرار من الغالبية بأنها من حصة “الثنائي”، مع محاولات سلام أن تكون تسمية من يتولاها من اختصاصه، ضمن مساعيه الهادفة الى نزع الألغام السياسية والأجسام الحزبية “النافرة”،ب حيث أن “الثنائي” يؤكد أنه ما دامت الكتل والأحزاب ترشح الأسماء للحقائب وتفاوض على حصصها، فهذا الأمر ينطبق عليه تحت سقف المعايير التي حددها الرئيس المكلف، وهي عدم توزير النواب أو الحزبيين أو المرشحين إلى الانتخابات.
كما يؤكد “الثنائي” تمسّكه بوزارة المالية، في ظلّ الضغوط التي تحصل داخلياً وخارجياً لمنع إسنادها إليه، بحيث يعتبر أن البلد لا يمكن أن يدار بإملاءات خارجية، ولا بإقصاء أي فريق”، مشدداً على أنّ الطرف المعرقل هو الذي أعلن بداية أنه لا يريد أي حقائب وزارية، وهو اليوم يضع الشروط ويضغط على سلام في عملية التشكيل.
في موازاة ذلك، تؤكد المصادر المتابعة لمسار التأليف، أن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، يعطي الأولوية لحكومة تنال ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي والمانحين، مع إدراكه أن المماطلة في ولادة الحكومة مضرة للزخم الذي رافق انتخابه، ما يجعله يرفض بصورة قاطعة كل أشكال الإبتزاز من أي طرف، مع ميوله الى أن تكون بعيدة من التأثيرات السياسية، وأقرب الى حكومة اختصاصيين، خصوصاً أن أي إصلاح أو استثمارات، والأهم إعادة الاعمار، ترتبط بتشكيل حكومة تكون مقبولة داخلياً وموضع تقدير خارجي.
وتصور الرئيس عون لحكومة العهد الأولى، وإن كانت تتفق مع قناعة الرئيس سلام، إلا أن الأخير يخوص مفاوضات سياسية (على الطريقة اللبنانية التقليدية) على قاعدة توزيع المقاعد على الكتل السياسية والأحزاب الأكثر تمثيلاً في البرلمان، ما سيضفي عليها النزعة السياسية الغالبة، مع إحترام معيار الاختصاص والكفاءة، من دون أن يعني كل ذلك وجود خلاف بين الرئيسين، بل إن المبادئ الأساسية تتطابق بينهما، مع هامش من الخصوصية في الأداء لكل منهما لجهة ولادة الحكومة.
وإذ تشير المصادر إلى أن الأيام المقبلة ستغدو مفصلية في تحديد مسار التأليف، إلا أن لا موعد محدداً حتى الآن لولادة الحكومة العتيدة، بانتظار الاتفاق النهائي على التركيبة والأسماء، حتى يصدر مرسوم التشكيل ممهوراً بتوقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.
زياد سامي عيتاني- لبنان الكبير