ماذا يريد نتنياهو من لبنان؟

من شخصية تشارك في الاتصالات الخاصة بتشكيل الحكومة “البعض يخوض صراع الحقائب كما لو أنه يخوض صراع البقاء أو اللابقاء”. القلة القليلة تأخذ بالاعتبار أن المنطقة عند مفترقات خطرة. بنيامين نتنياهو الثلاثاء في المكتب البيضاوي. ملفاته الثلاثة: غزة (والضفة)، سوريا ولبنان.

تصوروا أن احدى القوى السياسية تحاول، ومن خلال علاقاتها مع دولة عربية مؤثرة، ابقاء “حزب الله” خارج التشكيلة بحجة أن وجوده فيها ستكون له عواقب كثيرة لأن الكونغرس في صدد اتخاذ خطوات بالغة الأهمية ضد “قوى الممانعة”. الدولة اياها ترى أن زوال نظام بشار الأسد في سورية أحدث تغييراً بنيوياً في المسار الجيوسياسي للشرق الأوسط. كل الساحات باتت مقفلة في وجه آيات الله، ليبدو عباس عراقجي، ان في تحركاته الديبلوماسية أو في تصريحاته، وكأنه يدور حول نفسه.

في كل الأحوال مثلما المنظومة السياسية أثبتت عجزها عن انتخاب رئيس الجمهورية، وعن اختيار رئيس الحكومة (بالرغم من بعض التصريحات الدونكيشوتية) دون التدخل الأميركي ـ السعودي المباشر، لا بد من استدعاء المملكة لاخراج عملية تشكيل الحكومة من عنق الزجاجة. مثلما هناك “أبو فهد” القطري هناك “أبو فهد” السعودي. ليت الأمير يزيد من فرحان يقيم بيننا.

الرئيس جوزف عون والرئيس نواف سلام يعلمان أنهما يواجهان الأهوال. البلاد التي وصلت الى حال التحلل بحاجة ماسة الى سلسلة من الاصلاحات البنيوية. بالدرجة الأولى قانون انتخاب يليق بالكائنات البشرية لا القانون (الحالي) الذي كرس اللعبة الطائفية في أكثر وجوهها بشاعة. الاثنان اللذان يريدان القيام بخطوات حثيثة نحو معالجة الوضع المالي، يدركان أن الأولوية الآن لاعمار غزة، ولاعمار سورية. لبنان في الدرجة الثالثة. ربما في الثلاجة اذا ما بقيت البلاد على ذلك المستوى من التردي السياسي.

السعوديون، وحيث بيت المال، يركزون، بوجه خاص، على سورية التي اذ خرجت من الخارطة الايرانية، يفترض ألاّ تسقط في الخارطة التركية. قطعاً الأمير محمد بن سلمان لا يمكن أن ينسى كيف أن رجب طيب اردوغان راح يلوّح بقميص جمال خاشقجي لدفع الأميركيين الى ازاحته.

ولي العهد السعودي يعلم أن سورية أكثر تعقيداً، على المستوى الاقليمي والدولي، من أن يستوعبها الرئيس التركي الذي لم يتوقف عن محاولة التفاهم مع اسرائيل من خلال أحمد الشرع (العالق بين التعريب والتتريك) الجاهز للذهاب، بحقيبة خاوية، الى ردهة المفاوضات. مثلما ذهب لواء الاسكندرون الى تركيا تذهب مرتفعات الجولان الى اسرائيل.

بطبيعة الحال، الصراع حول لبنان أقل احتداماً، وان كان اردوغان يعتبر أن قيام “ولاية دمشق” يستتبع، تلقائياً، قيام “ولاية بيروت”. رهان عبثي، ويعكس مدى التخبط بين خيوط العنكبوت. كيف للشرع الذي نصبته الفصائل المسلحة، دون غيرها من قوى المعارضة، رئيساً موقتاً (أي دائماً) للدولة، ادارة تلك الفسيفساء. العصا التركية ليست وحدها في الساحة. الدبابات الاسرائيلية على مسافة دقائق من دمشق. ما تفعله حكومة نتنياهو، من جبال حرمون الى سهول القنيطرة، لا يشي بالبقاء عند الحدود الراهنة. في رؤوس أولئك الذئاب أفكار كثيرة حول سورية التي تنتظرها مفاجآت، وربما ويلات، كثيرة.

لا ثقة بين القوى السياسية اللبنانية، ولا نيات طيبة. نواف سلام بات يستشعر كيف أن اللعبة السياسية لا تتغير. دائماً لعبة الخناجر. كنا قد لاحظنا ما قاله رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو “كلنا، في هذه اللحظة، فرنسا”. متى قال أولياء أمرنا، ونحن على حد السكين، “كلنا، في هذه الأيام، لبنان”؟ الجميع ذئاب الجميع بحسب نظرية الأنكليزي توماس هوبز. رئيس الحكومة المكلف فوجئ بأن الخناجر توجه اليه أيضاً.

لعله فوجئ أيضاً بمن يؤكد في الظل بأن سلام ليس أكثر من رئيس انتقالي لحكومة انتقالية. بعد الانتخابات النيابية حكومة برئاسة سعد الحريري الذي اذ رفع الفيتو السعودي عنه، يتردد أنه قام بزيارة بعيدة عن الأنظار لقصر اليمامة. ثانية ستفتح أبواب بيت الوسط على مصراعيها. شعار تيار المستقبل في الذكرى العشرين لاغتيال الرئيس رفيق الحريري “بالعشرين ع ساحتنا راجعين”. مفهوم…؟؟

حين تتغير المنطقة، كيف لا يتغير لبنان؟ وصاية أو وصايات أخرى. الدولة بين اللجنة الخماسية التي يبدو أنها تحولت الى هيئة لادارة البلاد من خلال اصحاب السعادة السفراء (لاحظتم كيف أن أحد هؤلاء السفراء الذي يكثر من طلاته التلفويونية البهية يتكلم بلغة من يقود لا بلغة من يشير)، ولجنة المراقبة الدولية في الجنوب برئاسة الجنرال جاسبر جيفرز. الوصاية السياسية والوصاية العسكرية، بانتظار صندوق النقد الدولي من أجل الوصاية المالية.

لبنان بين الغرنيكا العسكرية (ونحن ممزقون) والغرنيكا السياسية (ونحن ممزقون ). نتنياهو في البيت الأبيض. ماذا يريد من لبنان؟ لعله يريد كل شيء. المثير تلميح ايتامار بن غفير “دونالد ترامب يقول انه يقدم لنا كل شيء ولا يقدم لنا أي شيء”.

من هنا تعليق المؤرخ ايلان باببه “هل تعتقد أنك بفمك الذي لكأنه فم الضفدع، تستطيع أن تبتلع الشرق الأوسط؟”.

نبيه البرجي- الديار

مقالات ذات صلة