معضلة نواف سلام: كيف يربح نفسه والحكومة معاً؟

لعلّ المسافة التي تفصل الرئيس المكلّف القاضي نواف سلام عن تشكيل الحكومة الأولى في عهد رئيس الجمهورية جوزاف عون، هي أشبه بتلك المسافة التي تفصل مدينة لاهاي عن العاصمة اللبنانية.

ليس سهلاً على من كان رئيساً لمحكمة العدل الدولية التي يقع مقرّها في هولندا المنتظمة، أن يجد نفسه فجأة رئيساً مكلّفاً تشكيل حكومة «موزاييك» في لبنان المعقّد، ما وضعه أمام معضلة صعبة وهي كيف يربح نفسه والحكومة معاً؟

وربما هذا ما دفع أحد السياسيين إلى الاستنتاج في مجلس خاص، بأنّ مشكلة سلام تكمن في أنّه يحاول المواءمة بين «جمهورية أفلاطون» وجمهورية لبنان، في حين أنّ ما يجب أن يفعله هو زيادة جرعات الواقعية في مقاربة الملف الحكومي وتوازناته، من دون أن يكون مؤدى ذلك بالضرورة استسلامه للأمر الواقع.

وهناك من يفترض أنّ سلام لا يزال يحتاج إلى وقت إضافي حتى يستكمل مسار «الهبوط الآمن» من لاهاي إلى بيروت، مع ما يستوجبه ذلك من ضرورة أن يكتسب بعض ملامح «اللبننة»، من غير ان يخسر هويته، كشخصية تقدّم نفسها من خارج نسيج المنظومة السياسية وتقاليدها.

ولعلّ التحدّي الصعب الذي يواجه سلام حالياً هو أنّه يريد حكومة تشبهه، بينما هناك من يعتبر أنّ المطلوب حكومة تشبه البلد بالدرجة الأولى مع الأخذ في الحسبان ضرورة «تشذيبها» حتى تتناسب مع متطلبات المرحلة الجديدة.

ومن المؤشرات التي تعكس «غربة» سلام في لبنان، وكذلك «غرابة» سلوكه في رأي البعض، هو التذمّر الذي أبداه عدد من النواب السنّة، خصوصاً في عكار، حيال ما افترضوا أنّها محاولة لتهميش حضورهم في التشكيلة الوزارية، وسط إحساسهم بأنّ الرئيس المكلّف لا يراعي في حساباته حيثيات التمثيل السنّي.

وعلى رغم من أنّ سلام سعى إلى استيعاب هذا الموقف الاعتراضي عبر دعوته النائبين وليد البعريني ومحمد سليمان إلى زيارته في منزله في لقاء تخلّله، وفق المطلعين، «فتح القلوب»، الّا أنّ ذلك لا ينفي أنّ الجانبين لم يكونا دائماً على موجة واحدة خلال الاجتماع، ربطاً بأنّ لكل منهما منطلقاته المغايرة في مقاربة قواعد التمثيل السنّي في الحكومة.

وبين المدركين لطبيعة سلام ومكنوناته، من يلفت إلى أنّ الرجل هو «لاطائفي»، وبالتالي فإنّه يتفادى التصرّف كمرجع سنّي يرمي إلى شدّ العصب حوله، او كطامح إلى زعامة مذهبية ضمن حدود طائفته، ولذلك ليس لديه «التحسس» الذي يشعر به بعض نواب الطائفة، من منطلق الحسابات اللبنانية التقليدية.

وأمام التعقيدات التي لا تزال تواجه تشكيل الحكومة، تنصح أوساط سياسية وسطية الرئيس المكلّف، بأن يستفيد من الزخم الإقليمي والدولي الذي أوصله إلى رئاسة الحكومة وأتى بالعماد جوزاف عون إلى قصر بعبدا، ليؤلف الحكومة وفق ما يظن أنّها المقاربة الأنسب، «وكما تمّ تجاوز اعتراضات جهات مختلفة على انتخاب عون وتكليف سلام بفعل «دينامية» قوية استطاعت فرضهما، يمكن أيضاً أن تمرّ التشكيلة الوزارية التي يتفق عليها سلام مع عون، حتى لو لم تعجب كل القوى السياسية التي ستكون مضطرة في نهاية المطاف إلى أن تتكيّف مجدداً مع الأمر، وتتقبّله كما فعلت قبلاً».

وتلفت تلك الأوساط إلى أنّ سلام وحكومته المفترضة، هما في رعاية «خماسيتين» متكاملتين، واحدة ديبلوماسية تنشط على الخطوط السياسية، وأخرى أمنية تنشط جنوباً.

وتشير الأوساط إلى أنّ على سلام أن يختار وزراءه، إما من بين الأسماء التي اقترحتها القوى السياسية عليه، وإما من ضمن السِيَر الذاتية التي جمعها هو حول شخصيات تحظى بثقته، ويظن أنّها الأقدر على معالجة الملفات المطروحة.

وتبعاً لتقديرات تلك الأوساط، لا مانع في إعطاء الـ»ستيل» الجديد الذي يستخدمه سلام فرصة لإثبات جدواه من عدمها، خصوصاً أنّ مدة صلاحية الحكومة محدودة أصلاً، كونها تنتهي مع إتمام الانتخابات النيابية المقبلة، وبالتالي فليتحمّل مسؤولية خياراته أمام الداخل والخارج خلال هذه الفترة.

لكن، وفي المقابل، هناك من يلفت إلى أنّ الحكومة المقبلة، وبمعزل عن الوقت القصير نسبياً الذي تملكه، سيكون دورها حيوياً، كونها ستتولّى تنفيذ إصلاحات ضرورية وبنيوية في مجالات عدة، وستتصدّى لملفات مالية واقتصادية شديدة الحساسية، وستنظّم الانتخابات النيابية والبلدية، وستشرف على تطبيق القرار 1701، وستواكب ورشة إعادة الإعمار. واستطراداً، فإنّ كل هذه القضايا تتطلّب تحصين تركيبة الحكومة بأكبر توافق داخلي ممكن بغية إنجاحها، بدل استنزافها بمعارضة مبكرة، إذا فُرضت بشكل او بآخر على الكتل، وصولاً إلى انتزاع الثقة النيابية بنوع من «الإكراه» السياسي.

عماد مرمل- الجمهورية

مقالات ذات صلة