هل تغيرت النوايا الاميركية تجاه لبنان؟
لكثرة الطلبات والشروط والضغوط الأميركية على لبنان والعهد الجديد والرئيس المكلف تشكيل الحكومة، حول تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المُمدّد بطلب أميركي، وحول تشكيل الحكومة الجديدة، تسرّبت شكوك الى أوساط سياسية وشعبية من ربط تشكيل الحكومة، بتسهيل تسريع انسحاب جيش الاحتلال من المناطق الجنوبية التي ما زال يتواجد فيها، لا سيما بعد وضع «المعايير المتشدّدة» التي تستبعد السياسيين لا سيما من ثنائي المقاومة أمل وحزب الله عن التركيبة الحكومية، وبعد الكلام الأميركي الصريح من أكثر من سيناتور ومسؤول بعد تكليف الرئيس نواف سلام عن ضرورة «منع حزب الله من السيطرة على قرار الحكومة».
وقد أقرّ نائب مستقل على تواصل مع الدول «الراعية» للوضع اللبناني بهذا التدخّل والضغط الأميركي بقوله لـ «اللواء»: كلام المسؤولين الأميركيين صحيح، وببساطة فالأميركي لا يريد حزب الله في الحكومة ولا في القرار السياسي، وهذا يسبب مشاكل داخلية نظرا للتركيبة اللبنانية!»، ولذلك أيضا يعتقد النائب المذكور ان تشكيل الحكومة متأخّر ولو قليلاً بسبب التعقيدات القائمة.
وما زاد الشكوك تلكؤ لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار ورئيسها الأميركي الجنرال جاسبر جيفرز في وقف ممارسات الاحتلال واعتداءاته اليومية على قرى الجنوب وعلى الأهالي العائدين، وصولا الى تنفيذ غارات جوية تدميرية بعيداً عن خط الحدود كما حصل قبل أيام بالغارات على النبطية وزوطر، ما أوقع العديد من الشهداء والجرحى المدنيين.
هذا الربط بين تشكيل الحكومة وضبط وضع الجنوب بنظر المشككين بالنوايا الأميركية، يعود الى رغبة الإدارة الأميركية في ترتيب البيت اللبناني سياسياً وأمنياً وحتى اقتصادياً ومالياً بما يُلبّي أهداف الولايات المتحدة في المنطقة كلها، والتي تسعى لتنفيذها تدريجيا حيث أمكنها وفي الخاصرات الرخوة، فوجدت في لبنان الخاصرة الأكثر رخاوة نظرا لطبيعة المشاكل فيه على كل المستويات، وحاجة البلاد والعباد الى أي دعم أو مساعدة تنتشلهم من الأوضاع الصعبة التي يعيشونها، بينما لا زالت الإدارات الأميركية المتعاقبة تحبس عن لبنان الدعم المطلوب مستخدمة سيف العقوبات، وبخاصة في قطاع الكهرباء ومنع استجرار الغاز من مصر.
لا شك ان رغبة الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام في تحقيق التغيير المرتجى في لبنان سياسيا وعلى كل المستويات أمر مهم بالنسبة لهما وبالنسبة للبلاد، لكسر نمطية وأساليب الحكم السابقة، لكن في بلد مثل لبنان بتركيبة سياسية معقّدة سياسياً وطائفياً، وخارج من حرب طاحنة يروّج البعض ان فيها طرفاً داخلياً مهزوماً ولا يحق له فرض أي شروط أو طلبات سياسية إسوة بغيره من قوى سياسية، وبلد يتحكّم به الخارج الى أقصى حدّ لا سيما في السنتين الأخيرتين، وبلد تُقاس فيه التوازنات بدقّة متناهية، لا يمكن بجرّة قلم أو رغبة أو صحوة سياسية تغييرية إصلاحية – ولو كانت محقّة وضرورية – قلب الموازين بسهولة واسترضاء الخارج المتلهّف لضرب طرف داخلي يمثل طائفة كبرى مؤسسة للكيان وكسره وإبعاده عن القرار السياسي.
وثمة من يرى ان التغيير الضروري يستلزم مقدمات وترتيبات مدروسة ومتدرّجة لا بد منها لطمأنة المشككين بالنوايا والمتوجسين مما يُرسم لهم ولجمهورهم، ما يفرض تحقيق أي تغيير أو إصلاح سياسي بصورة هادئة وبخطوات متتالية قابلة للتنفيذ يمكن مراكمتها للبناء عليها لاحقاً في إصلاح النظام الطائفي والخروج من المحاصصات، وهو أمر غير ممكن بظل وجود رفض قوي وجدارٍ عالٍ سياسي وطائفي يمنع المسّ بما يُسمّى حقوق الطوائف والكيانات السياسية الممثلة لها.
وإذا كان العهد الجديد يسعى للتغيير والإصلاح فليبدأ من تطبيق الدستور بمقدمته ونصوصه التي لم تُنفّذ، ومن ثم إعادة البحث في الثغرات الدستورية والسياسية المانعة لأي إصلاح أو تغيير، بدءاً بقانون انتخابي لا ثغرات أو معطّلات فيه وبما يحقق الوحدة الوطنية الفعلية، كتمهيد تدريجي لإلغاء الطائفية السياسية والنيابية والوظيفية، وهي العلّة المعطّلة لكل مناحي التقدّم وتصحيح النظام السياسي وبناء مجتمع متماسك لا منقسم ومختلف على أصغر سبب.
وهنا ثمة من يجد في بعض دول الخارج معطّلاً فعليا لأي حركة إصلاحية، وأن بعض الدول التي اعتادت التدخّل في كل كبيرة وصغيرة في لبنان لا يناسبها إصلاح النظام طالما ان الإنقسام الداخلي يفيدها في تحقيق مصالحها السياسية والأمنية ومشاريعها في لبنان وفي المنطقة.
غاصب المختار- اللواء