الشرع يطوّب نفسه رئيساً!

في اجتماع ضمّ تمثيلاً لـ18 فصيلاً، وسرّبت وسائل إعلام أن خطاباً سيلقيه خلاله قائد الإدارة الجديدة، أحمد الشرع، زعيم «هيئة تحرير الشام» التي تحكم البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي، أعلنت الفصائل تنصيب الشرع رئيساً انتقالياً لسوريا، إلى جانب جملة من القرارات الأخرى، أبرزها حل «مجلس الشعب»، و«حزب البعث» و«الجبهة الوطنية التقدمية»، وتجميد العمل بالدستور المعمول به في سوريا (دستور 2012). وتخلّل الاجتماع، الذي نُقلت وقائعه بشكل نصي، في وقت لاحق، إعلان الفصائل الـ18 حل نفسها، بما فيها «هيئة تحرير الشام»، بعد سلسلة اجتماعات عقدتها الإدارة الجديدة مع تلك الفصائل، وبعدما أصدرت تركيا، وفقاً لوزير خارجيتها حاقان فيدان، توجيهاً إلى الأخيرة بحل نفسها والاندماج في المؤسسات الناشئة للدولة السورية، في إطار تشكيل وزارة للدفاع. وخلال الاجتماع، وبعد كلمة تلاها الشرع لمناسبة «النصر» على نظام الأسد، ألقى العقيد حسن عبد الغني، الناطق باسم إدارة العمليات العسكرية، كلمة حدّد خلالها جملة من الإجراءات التي تمّ إقرارها، أبرزها اعتبار يوم الثامن من كانون الأول يوماً وطنياً، وتعيين الشرع رئيساً للجمهورية في الفترة الانتقالية، وتكليفه تشكيل مجلس تشريعي مؤقّت للمرحلة الانتقائية، يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ، بعد حل الدستور، ومجلس الشعب، بالإضافة إلى حلّ «حزب البعث»، و«الجبهة الوطنية التقدمية»، وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان، وحظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، على أن تعود جميع أصولها إلى الدولة السورية.

وأثارت الإجراءات المشار إليها جدلاً واسعاً في الشارع السوري، نظراً إلى أنها أتت بعد تأجيل مستمر لـ«مؤتمر الحوار الوطني»، الذي كان من المفترض عقده لتأسيس مرحلة جديدة في تاريخ سوريا، تنظّم شكل الدولة بعد سقوط النظام، غير أن ما جرى فعلياً هو ترسيخ لسلطة الأمر الواقع، التي منحت الشرع، منذ دخوله قصر الشعب، سلطة مشابهة لسلطة رئيس الجمهورية، قام بموجبها بتشكيل حكومة مؤقتة من المفترض أن تقوم بإدارة مؤسسات الدولة حتى مطلع آذار المقبل، وسط أنباء أيضاً عن تمديد فترة عمل الحكومة المؤقتة، والتي اتخذت جملة من القرارات الاستراتيجية في سوريا، من دون وجود سند أو مرجعية قانونية لهذه الإجراءات. وفي الوقت نفسه، أثار الإعلان عن حل 18 فصيلاً فقط، أسئلة عديدة حول مصير عشرات الفصائل الأخرى التي لا تزال تتمسك بسلاحها، وترفض، حتى الآن، هذا الإجراء، وعلى رأسها فصائل الجنوب السوري (درعا والسويداء) والتي تصر على تحقيق الانتقال السياسي أولاً قبل تسليم أسلحتها والاندماج في المؤسسات الحكومية، إلى جانب جماعات أخرى تنشط في الشمال السوري، ترفض استئثار الشرع بالسلطة.

 

وبدا لافتاً اختيار توقيت عقد هذا المؤتمر والإعلان عن هذه القرارات؛ إذ جاء بعد يوم واحد فقط من زيارة أجراها وفد روسي رفيع المستوى، ضمّ نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، ومبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، إلى دمشق، حيث عقدا لقاءً موسّعاً مع الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، تمّت خلاله مناقشة جملة واسعة من التفاصيل حول طبيعة العلاقة بين البلدين. وخرج الوفد الروسي عقب اللقاء بتصريحات إيجابية، تمهّد لاستمرار وجود القوات الروسية في القاعدتين الجوية (حميميم) والبحرية (طرطوس). وفي تصريحات نقلتها وسائل إعلام روسية، ذكر بوغدانوف أن «الحوار تميّز بطابع بنّاء وعملي، وجرى التأكيد على الطابع الودي لعلاقات الصداقة بين بلدينا منذ حصول سوريا على الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية، وأكّدنا على التعامل المبدئي الثابت في العلاقات بين بلدينا والتي تتميز بطابع استراتيجي وتهدف إلى الحفاظ على وحدة واستقلال الجمهورية العربية السورية». وأضاف: «أكدنا أن الأحداث التي عاشتها سوريا في السنوات الأخيرة، والتغيير الذي حصل في قيادة البلاد، كل ذلك لن يبدل طبيعة العلاقات بين بلدينا»، متابعاً أن روسيا «جاهزة دوماً للمساعدة وتقديم العون في استقرار الأوضاع والوصول إلى حلول مناسبة لمختلف المشكلات الاقتصادية والاجتماعية». ورأى أن ذلك «يتحقق عبر الحوار البنّاء والمباشر بين مختلف القوى السياسية والفئات الاجتماعية في سوريا، وعبّرنا عن القناعة بأن العمل في هذا الاتجاه ينبغي أن يستند إلى الوفاق الاجتماعي الذي يُعتبر الضمانة الأكيدة لتحقيق وحدة وسيادة واستقلال سوريا».

وفي وقت ذكر فيه بوغدانوف أن «المباحثات تطرّقت إلى العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين»، أوضح أنه «بفضل المعونة السوفياتية ودور روسيا الاتحادية جرى تشييد بنى تحتية مهمة في سوريا، بينها محطة الطاقة الكهربائية ومحطة الطاقة الكهرومائية تشرين، وعدد من السدود وغيرها من مشاريع البنى التحتية». وتابع: «ساهمت روسيا في بناء مؤسسات الطاقة النفطية والري والأسمدة والزراعة والتغذية والسكك الحديد»، مشدّداً على ضرورة «مواصلة العمل على هذه المشاريع مع السلطات الجديدة في سوريا»، مضيفاً «(أننا) نتفهّم صعوبة الوضع في البلاد، والسلطات السورية نفسها تقول إنها مؤقتة، وفي آذار المقبل وبعد شهر رمضان، يعتزمون تشكيل حكومة انتقالية، وهذا يتساوق مع خطط أحمد الشرع في العمل على سن دستور جديد خلال ثلاثة أعوام وإجراء انتخابات في غضون أربعة أعوام»، ومشيراً، في الوقت نفسه، إلى أن «العملية قد تبدو أنها ليست بالسرعة المرجوّة، لكن المهم أن النهج السياسي يجب أن يخدم استقرار الأوضاع السياسية واستتباب الأمن».

كذلك، جاء «مؤتمر النصر» قبل يوم واحد من زيارة مرتقبة لأمير قطر، تميم بن حمد، أحد أبرز داعمي الفصائل إلى جانب تركيا التي تولّت عمليات ترتيب شكل الإدارة في سوريا بعد وصول «هيئة تحرير الشام» إلى الحكم. وقبيل عقد المؤتمر، عقد الشرع لقاءً مع وفد من «جيش سوريا الحرة»، وهو فصيل قامت الولايات المتحدة بتشكيله في منطقة التنف، في أقصى جنوب البلاد. ونشرت «وكالة الأنباء السورية» (سانا) صوراً من لقاء الشرع ووزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال، مرهف أبو قصرة، مع قائد «جيش سوريا الحرة» وأفراد من مرافقيه، حيث قدّم القيادي تهانيه للشرع بمناسبة «انتصار الثورة السورية»، في حين لم تُذكر أي تفاصيل إضافية عن فحوى اللقاء.

أيضاً، بدأ وفد كردي مشترك من «قوات سوريا الديمقراطية» التي تقود «الإدارة الذاتية» في شرق سوريا، و«المجلس الوطني الكردي» (مجموعة أحزاب كردية مقرّبة من تركيا وإقليم كردستان العراق) جولة من المباحثات مع الشرع للوصول إلى صيغة توافقية تحدّد مصير «الإدارة الذاتية»، والتي تصر تركيا، والإدارة السورية الجديدة على حلّها، بينما يتمسك الأكراد بجملة من الإجراءات مقابل ذلك، بينها الحفاظ قدر الإمكان على ما تم إنجازه في مناطق «الإدارة الذاتية»، بالإضافة إلى الحفاظ على هيكلية «قوات سوريا الديمقراطية» بعد إتباعها لوزارة الدفاع، وهو ما ترفضه أنقرة والإدارة السورية الجديدة.

الاخبار

مقالات ذات صلة