التلاعب بـ”تفاهم 27 ت2″ يهدّد مهلة 18 شباط: ماذا عن “أنفاق أودية النبطية”؟
على هامش النقاش البيزنطي حول تشكيل الحكومة الجديدة في تركيبتها ومهمّتها، والبحث في محاضر “اتفاق الطائف” عن الهوية المذهبية لحقيبة وزارة المال، وُجد من ينبّه المعنيين إلى خطورة المرحلة لمقاربة عملية التأليف من زوايا أخرى تحتسب الظروف الإقليمية والدولية كما الداخلية منها. وإن كان تمديد العمل بتفاهم 27 تشرين الثاني قد أوحى بالشروط العسكرية التي لم تكتمل، فإنّ وضع اليد على أحد أنفاق النبطية له معناه في توقيته وغاياته، وفيه دعوة إلى وقف تفسير بنود التفاهم بطريقة لا تلبّي غاياته. وهذه هي بعض الدلائل.
تراقب مراجع ديبلوماسية غربية وعربية المواقف من عملية تشكيل الحكومة بكل دقة وعناية، بحثاً عن أي دور مسهّل يمكن القيام به لتوفير الظروف التي تستدعي الإسراع من دون التسرّع في تشكيل حكومة جديدة بكامل مواصفاتها الدستورية، لتستكمل بها السلطات الإجرائية والتشريعية والتنفيذية. وهي خطوة تؤذن بإطلاق الورشة الكبرى المطلوبة لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها والتي بوشر بإنقاذها بانتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية.
ولذلك فقد توقف المراقبون الذين يواكبون حركة الإتصالات بأدق تفاصيلها أمام مجموعة من المؤشرات التي تؤكّد أنّ هناك في لبنان من لم يعترف بعد بالمتغيّرات الكبرى التي حصلت في الأشهر القليلة الماضية، وبالمناخ الذي تعيشه المنطقة إيذاناً بمرحلة جديدة لا يجوز للبنانيين التلهّي بما يشغلهم عن الاستفادة منها للخروج من آتون الأزمات المتعددة التي تعصف بالبلد وتحوله دولة مارقة وفاشلة. ليس في هذه المعادلة ما يثير الاستغراب. فاعتراف القيادات اللبنانية بدقّة المرحلة وبوجود الفرصة الذهبية التي أبعدت لبنان عن مدار الزلازل التي عصفت بالمنطقة بعدما كان على قاب قوسين أو أدنى من دخولها شكّل حافز الدعم الدولي والعربي والخليجي الذي بدأ ينعم به مع بداية العهد الجديد.
ولذلك، فإنّ الدافع إلى هذا الدعم غير المسبوق له شروطه التي لا يمكن تجاهلها او تجاوز أي منها إن كانت النيات صادقة، وإن عبّرت المواقف التي تسابق اللبنانيون على التعبير عنها مع بداية عهد جديد، عن مواقف ثابتة لا يمكن ان تتلون بألوان الطيف اللبناني المزركشة، والتي تتحول بين ليلة وضحاها قياساً على أهواء الرعاة الإقليميين والدوليين الذين انخرطوا في المواجهة غير المتكافئة التي انتهت بعطب كبير أصاب “محور الممانعة” في لبنان والمنطقة إلى درجة لم يكن احد يتوقّع توقيتها.
على هذه الخلفيات وُجد بين هذه المراجع من ينبّه اللبنانيين إلى مجموعة من التحذيرات التي يجب النظر اليها بكل جدّية، وقياس المخاطر المترتبة على تجاوز أي منها. فالتمديد لهدنة تفاهم 27 تشرين الثاني لها أسبابها الموجبة ودوافعها، وتردداتها التي فُرضت على جزء من اللبنانيين، الذين وضعهم رعاة التفاهم تحت مجهر الالتزام بالشروط التي قال بها، كسلة واحدة لا يمكن تجزئتها، وهي تفرض أسلوباً جديداً في التعاطي مع ما هو مطروح من خطوات لا بدّ من سلوكها على مختلف المستويات بطريقة تفرض عدم التلاعب بأي بند من بنوده، سواء تلك التي تتصل بالوضع في جنوب مجرى الليطاني أو شماله وشرقه وغربه لتشمل مختلف الأراضي اللبنانية بما فيها المعابر البرية والبحرية والجوية وتلك الخاصة بإنهاء أي محاولة ومسعى للاحتفاظ بأي سلاح غير شرعي على مساحة الوطن بكامله، بحيث لا ينفع التمييز بين منطقة واخرى للتنصّل مما قال به التفاهم لجهة إنهاء دور هذا السلاح، سواء كان فوق الأرض او تحتها او في المخابئ السرّية أينما وُجدت بعد تصنيفها بين مصانع لتجميع الاسلحة او مخازن لحفظ الجاهز منها. وتضيف هذه المراجع، انّ تمديد مهلة الـ60 يوماً لها دوافعها وظروفها، ويفترض بمن أخلّ بتطبيق أي خطوة قد تعهّد بها، أنّه قد تبلّغ بالفم الملآن بما عليه القيام به ولم يقم حتى اليوم إن لم يكن قد لجأ إلى العكس منها.
ولذلك لم تنفع البيانات التوضيحية التي صدرت عقب قبول حكومة لبنان بتمديد التفاهم حتى 18 شباط المقبل، في تبديد الهواجس من احتمال انّ هناك من يريد التلاعب بالتفاهم والتذاكي على ما انتهى إليه من إجراءات سمحت للجانب الإسرائيلي بالحصول على التمديد ـ الذي قد لا يكون نهائياً ـ من دون أي جهد عسكري او ديبلوماسي من دون اي مواجهة او مجرد معارضة لبنانية شرعية. ولذلك فإنّ اعتراض “حزب الله” على الخطوة لم يكن له اي أهمية على مستوى رعاته من القوى الدولية الضامنة له. ومردّ ذلك انّ التمديد استند إلى توصية رئاسة لجنة الإشراف قالت بهذه الخطوة محمّلة الجانب اللبناني مسؤولية التقصير في تنفيذ ما هو مطلوب. والجميع يعرف انّها اللجنة التي أؤتمنت من طرفي اسرائيل و”الثنائي الشيعي” الذي قاد المفاوضات. ويدرك القاصي والداني أنّها ترتيبات اتُفق عليها في ظل غياب رئيس الجمهورية نتيجة خلو سدّة الرئاسة من شاغلها، وتحييد حكومة تصريف الاعمال عن أي قرار مصيري.
وجاء حرص رئيس الحكومة على الإشارة إلى هذه التوصية في بيان قبول المهلة الجديدة إلى هذه التوصية “الخطيرة” كافياً للدلالة إلى مجموعة الاتهامات التي وجّهت إلى الجانب اللبناني بعدم تنفيذ كل ما هو مطلوب منه. وهي في شكلها ومضمونها تطاول “حزب الله” الذي يصرّ على تفسير بنود التفاهم بطريقة يحصرها بجنوب الليطاني، والتي لم يشاطره بها أحد، وخصوصاً لجهة وقف التمييز بما عليه القيام به، وتسليم اسلحته المختلفة إلى القوى الشرعية اللبنانية بلا إبطاء لوقف تفسيره والتشديد على تطبيق ما هو مطلوب من قبل الجيش اللبناني معطوفاً على بعض الشروط الهامشية كتلك التي تتصل بمصير المعتقلين والأسرى اللبنانيين لدى اسرائيل لولا الإشارة الهامشية التي ضمّنها الرئيس نجيب ميقاتي سطور بيانه المقتضب، الذي اعلن فيه قبوله بالتمديد على التفاهم التي اوكلت اليها مهمّة التثبت من مقتضيات التفاهم والخطوات التي لم تُنفّذ بعد، قالت كلمتها التي كانت واضحة وقد دلّت بدقّة ووضوح إلى مجموعة من الخروقات اللبنانية التي لا يجوز ان تتكرّر.
وهي في عمقها تستهدف تفكيك مصانع “حزب الله” التي اعترف بوجودها الإيرانيون لجهة، تجميع الأسلحة وتسليم محتويات مخازنه منها للجيش والسلطات الأمنية، وهو ما يشكّل خرقاً مباشراً للتفاهم من ضمن مهلة الايام، وضرورة الانصياع الى مختلف شروطها، ولا سيما العسكرية مهما كانت موجعة ومؤلمة، قبل الانتقال الى ترجمتها سياسياً بالتنازل نهائياً عن قرار الحرب والسلم. وعليه، لم يكن صعباً فهم الغاية والهدف من التأجيل، والذي لم تبدّده التحركات الشعبية في اتجاه القرى المحرّرة ومحاولات استثمارها لمصلحة الحزب. فالجميع يدرك أنّها لم تكن ممكنة لولا مواكبة الجيش اللبناني، كما أنّه لا يمكن تجاهل أهمية الكشف عن وضع الجيش يده على منشآت عسكرية في أحد الأنفاق في أودية النبطية ومعناه في هذه الظروف بالذات، ذلك انّه كان من الخطوات المطلوبة والتي لم تُنفّذ بعد.
جورج شاهين- الجمهورية