سؤال لنواف سلام عن الفئات المهزومة
الزلزال السياسي الذي ضرب لبنان وسوريا أفقد قوىً وجماعات سطوتها التي كانت قد ترسخت وظلت كذلك حتى وقت قريب، وكان لهذا الانقلاب المفاجئ أن طرح، في البلدين، مسألة التعامل مع الفئة المهزومة.
في سوريا، تُقارب هذه القضية من منظور العدالة الانتقالية الساعية الى محاسبة المرتكبين وإعادة الاعتبار إلى الضحايا دون اغراق البلاد في شرور الانتقام وتعريض المجتمع إلى المزيد من الشروخ الأهلية.
اما في لبنان فالأمر مختلف. فالفئة المهزومة، اي حزب الله وبيئته، وبخلاف العلويين في سوريا، جماعة وازنة ديموغرافياً، وهي ما زالت تحافظ على تمثيل سياسي متماسك يمنحها قدرة على الفعل وربما على التعطيل. كذلك، وبخلاف الحال في سوريا، لم يُهزم الحزب في لبنان على يد مكوّن داخلي يحمل مظلومية عميقة لا لبس فيها، بل هُزم من قبل فاعل خارجي يُجمع الكل تقريباً على وصفه بالعدو.
هذان الاعتباران يلعبان دورا مهماً في مقاربة المسألة الحكومية. فالميل إلى الاعتقاد بقدرة الحزب على التعطيل يدفع إلى القبول بشروطه في تشكيل الحكومة المقبلة. اما الميل إلى تحميل العدو الإسرائيلي مسؤولية الحرب والدمار، فيدفع إلى النظر إلى الحزب، أقلّه جزئيا، كطرف مقاوم ينوب عن الوطن كله. وهذا بدوره يستدعي رد الجميل عبر القبول بمطالبه الحكومية، او التعاطف معها في الحد الادنى.
ويتداخل في هذا الشأن الميل إلى الاعتقاد بقدرة حزب الله على التعطيل مع الميل إلى التعاطف معه كمقاومة ضد العدو الإسرائيلي. فالمتعاطفون مع تضحيات الحزب أكثر استعدادا للقبول بحجج تبرر الانصياع لشروطه في امر التشكيلة الحكومية، وأولى هذه الحجج طبعاً هي قدرته على التعطيل، فهي توفر تبريرا براغماتيا لما قد يكون فعلاً موقفاً سياسياً او ايديولوجياً.
في الطرف المقابل يقف الذين لا يتعاطفون مع الحزب في حربه الأخيرة ضد إسرائيل. وهؤلاء لا ينظرون إلى هذه الحرب كفعل مقاومة لعدو غاشم، بل كمحنةٍ أرغم الحزب البلاد على خوضها كجزء من مشروع هيمنة يمارسه نظام إيراني يستغل الفضية الفلسطينية، على ما اعتادت أنظمة من طينته على حساب شعوب المنطقة. وبالتالي، فإن الطرف هذا لا يتعاطف مع مطالب الحزب بشأن التشكيلة الحكومية، كما لا يرى ان الحزب يستحق اية جائزة ترضية على شكل قبول بتلك المطالب مقابل خسارته في حربه الأخيرة. لا بل، على العكس، يرى هذا الطرف ان الحزب مطالب بالاعتذار من الشعب اللبناني ومن جمهور الحزب نفسه على تحميله كل تلك الكُلف.
وبسبب عدم استعداد الطرف الاخير للتنازل أمام شروط حزب الله الحكومية، فهو يبدو أكثر ميلاً إلى رفض الحجج التي تبرر ما هو خلاف ذلك، وعلى رأسها حجة قدرة الحزب على التعطيل. وفي رفضه هذه الحجة يستند الطرف المذكور الى حقيقة ان الحزب صار منهكا بشكل استثنائي بعد خساراته الهائلة التي طالت قادته وعديده، كما بات محاطاً من كل الجهات بالأعداء بعد سقوط نظام الاسد وانكفاء إيران. وكل ذلك من شأنه ان يجعل اية محاولة، من قبل الحزب لفرض رأيه بالقوة على باقي قوى ومكونات البلد، تنطوي على مخاطرة لا يتحمل عقباها لا الحزب ولا جمهوره الذي لم يخرج بعد من صدمته ولا يزال يرزح تحت وطأة جراحه.
والسؤال اليوم هو: إلى اي طرف يجد رئيس الوزارء المكلف نواف سلام أنه أقرب؟ وهل يتحرّر، وهو ما يجب أن يحصل، من الابتزاز بقدسيّة محاربة إسرائيل؟
بشار حيدر- نداء الوطن