لبنان ولاءات نصرالله … ومتاهة الفوضى!

لبنان يدور في متاهة الفوضى… لاءات نصرالله تحجز التسوية والرئاسة!

بلغ الانقسام السياسي اللبناني ذروته في ضوء ما نشهده من عجز داخلي عن السير في إنجاز الاستحقاقات الدستورية وما يرافقه من انهيار على كل المستويات، حيث دخل البلد في منعطف خطير لم تعد القوى السياسية والطائفية قادرة معه على الاستمرار في الحكم في ظل الفراغ القاتل، ولم يعد في إمكان أحد الإمساك بزمام الأمور أمام الفوضى السائدة في غياب المؤسسات وترهل الدولة.
 
وها هي الجلسة الحادية عشرة لمجلس النواب اللبناني تفشل في انتخاب رئيس، كسابقاتها، من دون أن نجد مبادرات جدية لتسجيل اختراقات، حيث لا يمكن المراهنة على اعتصام عدد من النواب في البرلمان في ظل التشنج السياسي والتمترس الطائفي ومحاولات تحسين مراكز القوى في ظل الهيمنة القائمة والفيتوات التي يضعها “حزب الله” وتلاقيه القوى الأخرى أمام التسوية.
 
يتضح في ضوء المقاربات المختلفة للقوى السياسية بشأن الاستحقاق الرئاسي والتسوية، أن الجميع بات مقتنعاً بأن الفراغ بات أمراً واقعاً ويتم التعامل مع الوضع على هذا الأساس. ففي وقت لا يهتم الخارج أو لا يضغط للخروج من الدوامة باستثناء بيانات ومواقف تدعو الى إنجاز الاستحقاقات الدستورية والشروع في الإصلاحات، تتجه الأمور إلى مزيد من الاصطفافات ترفدها الخلافات الحادة والعجز عن الالتقاء على قواسم مشتركة والحوار لإخراج البلد من أزمته.
 
كل القوى باتت تراهن على رافعة خارجية للحل طالما أن التسويات القائمة على المحاصصة لم تعد تجدي في ظل الانهيار والإفلاس. وإذا كان “حزب الله” يركز في هذه المرحلة على رفض تدويل الأزمة، إلا أن المقاربة التي يقدمها تحمل الكثير من التناقض، إذ إن ممارسات الحزب نفسها ترهن لبنان للخارج من زاوية واحدة مرتبطة بمصالح مرجعيته الإيرانية.
 
ولعل الكلام الأخير يوم الخميس الماضي للأمين العام للحزب حسن نصرالله، تعيد الأمور إلى النقطة الأولى، أي الصراع على هوية لبنان والنظام والصيغة، معتبراً أن السنوات الست المقبلة ستكون مصيرية بالنسبة إلى اللبنانيين، إذ “لا بد من انتخاب رئيس لا يكون لتعبئة الفراغ، بل يكون رئيساً لا يخضع للضغوط الأميركية، ويكون قوياً وقادراً على اتخاذ القرارات”. ولم يكتفِ نصرالله بذلك بل حدد مواصفات الحكومة فـ”لا نريد رئيساً أو وزراء يقولون لنا اتصلوا بنا من السفارة الأميركية وطلبوا منا رفض القيام بهذه الخطوة أو تلك”.
 
في هذه المقاربة يتعطّل النقاش في الشأن الرئاسي على مستوى الداخل، فالمواقف السياسية المعلنة لدى مختلف الأطراف تقدم الملفات الخلافية، إلى حد لم يعد أي طرف يلتقي مع الآخر على وجهة للحل. وهذا الأمر يزيد من قتامة المشهد، إذ يقدم “حزب الله” نفسه كصاحب القرار الأول في أي تسوية، أو عبور لإنجاز الاستحقاقات. وأبعد من ذلك يعيد نصرالله تسليم زمام الأمور إلى الخارج وربط الملف اللبناني بتطلعات إيران في المنطقة.
 
تولى نصرالله إعلان ما لم يقله وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في زيارته الأخيرة لبيروت وأعاد صياغته وإخراجه، للتأكيد أن طهران حاضرة في الساحة اللبنانية ولا تتنازل بلا مقابل. وفي الشأن الرئاسي يصر على “الرئيس المقاوم” وضد الأميركيين تحديداً، ومن الواضح أنه يبعث رسالة برفض التدخل في الاستحقاقات، ومنها إلى المساعي الفرنسية لعقد لقاء رباعي أو خماسي في باريس، فلا يمكن لأي بحث خارجي في الشأن اللبناني ولقاءات إقليمية ودولية أن تصل إلى نتائج من دون أن تكون إيران حاضرة، حتى لو اتفقت كل الدول على مشروع حل للأزمة اللبنانية.
 
وهكذا مُنح الغطاء لـ”حزب الله” لتحصين موقعه، فهو أكثر طرف يربط لبنان بالإقليم، بفعل تدخلاته في سوريا والمنطقة واستخدام فائض قوته، التي انعكست على كل الملفات وتركت تداعيات خطيرة على أوضاع البلد. ولذا يركز “حزب الله” على تطورات المنطقة ومنها احتمال استئناف الحوار الإيراني – السعودي، وما يمكن أن يحمله للوضع اللبناني، ويربط أي تسوية داخلية لبنانية بالتقدم على المحور الإقليمي، بخلاف ما يقال عن أنه مستعد للتسوية على قاعدة التوافق مع كل الأطراف.
 
تحتاج التسوية الى تنازلات من كل الأطراف، كي تشكل وعاءً لأي مشروع حل خارجي للأزمة اللبنانية. وبما أن الخارج اليوم لا يضغط لإنجاز هذه التسوية، يتمترس الجميع داخل بيئاتهم، وينتظرون تطورات إقليمية تنعكس على الوضع اللبناني. ويظهر في المعطيات اللبنانية أن الانقسام يُبعد التسوية، وبالتالي كل الكلام بأن “حزب الله” جاهز للدخول في تسوية، في ضوء ما يعلنه من مواصفات للرئاسة والحكومة هو غير جدي، وإن كانت هناك تهدئة إيرانية نسبية حول دول الخليج، إلا من خلال الحراك الذي يحدث حول الملفات الإقليمية، وإن كانت ساحاتها مختلفة عن الوضع اللبناني، في اليمن أو العراق أو حتى في سوريا. وهو ما يعني أن اللحظة الحالية ليست للبحث في التسوية المنتظرة.
 
أمام هذه التطورات، ترتفع أصوات داخلية لبنانية تدعو إلى تدخل دولي فاعل يضغط لإنجاز الاستحقاقات. معارضو “حزب الله” يرون أن دعوته للحوار ورفض التدخل الخارجي لا ترفدها مبادرات جدية حيال التسوية، وهو غير مستعد لتقديم تنازلات لترتيب الأوضاع الداخلية، طالما ينطلق من معادلة أن لبنان يتعرض لحصار خارجي تقوده الولايات المتحدة، وهو ما أشار إليه نصرالله بوضوح، ولا يزال يتمسك بمرشح رئاسي لمحور الممانعة وليست هناك من بوادر جدية للتخلي عنه والوصول إلى مرشح توافقي.
 
وفي ضوء استمرار تمسكه بمرشح “لا يطعن المقاومة بالظهر” عادت الأمور إلى بداياتها من نقطة الصفر. وهذا الأمر، بدا يدفع إلى اصطفافات جديدة خصوصاً في الساحة المسيحية تعيد البحث في الشأن الرئاسي وصولاً إلى طرح قضايا تتصل بمستقبل الوضع اللبناني ومن بينها الفيدرالية. ويدل على ذلك أيضاً تجدد الانقسام الطائفي والمذهبي حيال مختلف الملفات اللبنانية، خصوصاً بشأن هوية البلد ووجهته وصيغته التي باتت مهشمة بفعل الانقسامات.
 
الانهيار وتراجع دور المسيحيين في مواقع الحكم قد يقرّبان مواقف القوى المسيحية، وذلك بعد رفع البطريرك الماروني بشارة الراعي الصوت عالياً، في رسالة معبّرة مسيحياً ومارونياً، عن الانتخابات الرئاسية وتخوفه من مخطط قيد التحضير لانتزاع المناصب المارونية بحكم الأمر الواقع، خصوصاً أن “إطالة الشغور سيتبعه شغور في كبريات المؤسسات الدستورية والمالية والعسكرية. ويضاف إليها تعزيز الاصطفافات خصوصاً في ظل تعاطٍ دولي مختلف مع الوضع اللبناني، ما يؤدي إلى اطالة أمد إمكان التوافق على أي تسوية أو حل، طالما أن الأوضاع الداخلية اللبنانية غير ناضجة وهناك عجز واضح عن التوافق وإنجاز الاستحقاقات. من هنا يتقدم “حزب الله” لتعبئة الفراغ، وهو الطرف الأقل تأثراً بالأزمة، فيعزز وضعه، وسط التراجع الدولي، لكن هذه المرة أمام انحلال مقومات الدولة ومؤسساتها واحتراق كل الركائز التي انبنت عليها الصيغة اللبنانية.

ابراهيم حيدر- النهار العربيلبنان يدور في متاهة الفوضى… لاءات نصرالله تحجز التسوية والرئاسة!

بلغ الانقسام السياسي اللبناني ذروته في ضوء ما نشهده من عجز داخلي عن السير في إنجاز الاستحقاقات الدستورية وما يرافقه من انهيار على كل المستويات، حيث دخل البلد في منعطف خطير لم تعد القوى السياسية والطائفية قادرة معه على الاستمرار في الحكم في ظل الفراغ القاتل، ولم يعد في إمكان أحد الإمساك بزمام الأمور أمام الفوضى السائدة في غياب المؤسسات وترهل الدولة.
 
وها هي الجلسة الحادية عشرة لمجلس النواب اللبناني تفشل في انتخاب رئيس، كسابقاتها، من دون أن نجد مبادرات جدية لتسجيل اختراقات، حيث لا يمكن المراهنة على اعتصام عدد من النواب في البرلمان في ظل التشنج السياسي والتمترس الطائفي ومحاولات تحسين مراكز القوى في ظل الهيمنة القائمة والفيتوات التي يضعها “حزب الله” وتلاقيه القوى الأخرى أمام التسوية.
 
يتضح في ضوء المقاربات المختلفة للقوى السياسية بشأن الاستحقاق الرئاسي والتسوية، أن الجميع بات مقتنعاً بأن الفراغ بات أمراً واقعاً ويتم التعامل مع الوضع على هذا الأساس. ففي وقت لا يهتم الخارج أو لا يضغط للخروج من الدوامة باستثناء بيانات ومواقف تدعو الى إنجاز الاستحقاقات الدستورية والشروع في الإصلاحات، تتجه الأمور إلى مزيد من الاصطفافات ترفدها الخلافات الحادة والعجز عن الالتقاء على قواسم مشتركة والحوار لإخراج البلد من أزمته.
 
كل القوى باتت تراهن على رافعة خارجية للحل طالما أن التسويات القائمة على المحاصصة لم تعد تجدي في ظل الانهيار والإفلاس. وإذا كان “حزب الله” يركز في هذه المرحلة على رفض تدويل الأزمة، إلا أن المقاربة التي يقدمها تحمل الكثير من التناقض، إذ إن ممارسات الحزب نفسها ترهن لبنان للخارج من زاوية واحدة مرتبطة بمصالح مرجعيته الإيرانية.
 
ولعل الكلام الأخير يوم الخميس الماضي للأمين العام للحزب حسن نصرالله، تعيد الأمور إلى النقطة الأولى، أي الصراع على هوية لبنان والنظام والصيغة، معتبراً أن السنوات الست المقبلة ستكون مصيرية بالنسبة إلى اللبنانيين، إذ “لا بد من انتخاب رئيس لا يكون لتعبئة الفراغ، بل يكون رئيساً لا يخضع للضغوط الأميركية، ويكون قوياً وقادراً على اتخاذ القرارات”. ولم يكتفِ نصرالله بذلك بل حدد مواصفات الحكومة فـ”لا نريد رئيساً أو وزراء يقولون لنا اتصلوا بنا من السفارة الأميركية وطلبوا منا رفض القيام بهذه الخطوة أو تلك”.
 
في هذه المقاربة يتعطّل النقاش في الشأن الرئاسي على مستوى الداخل، فالمواقف السياسية المعلنة لدى مختلف الأطراف تقدم الملفات الخلافية، إلى حد لم يعد أي طرف يلتقي مع الآخر على وجهة للحل. وهذا الأمر يزيد من قتامة المشهد، إذ يقدم “حزب الله” نفسه كصاحب القرار الأول في أي تسوية، أو عبور لإنجاز الاستحقاقات. وأبعد من ذلك يعيد نصرالله تسليم زمام الأمور إلى الخارج وربط الملف اللبناني بتطلعات إيران في المنطقة.
 
تولى نصرالله إعلان ما لم يقله وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في زيارته الأخيرة لبيروت وأعاد صياغته وإخراجه، للتأكيد أن طهران حاضرة في الساحة اللبنانية ولا تتنازل بلا مقابل. وفي الشأن الرئاسي يصر على “الرئيس المقاوم” وضد الأميركيين تحديداً، ومن الواضح أنه يبعث رسالة برفض التدخل في الاستحقاقات، ومنها إلى المساعي الفرنسية لعقد لقاء رباعي أو خماسي في باريس، فلا يمكن لأي بحث خارجي في الشأن اللبناني ولقاءات إقليمية ودولية أن تصل إلى نتائج من دون أن تكون إيران حاضرة، حتى لو اتفقت كل الدول على مشروع حل للأزمة اللبنانية.
 
وهكذا مُنح الغطاء لـ”حزب الله” لتحصين موقعه، فهو أكثر طرف يربط لبنان بالإقليم، بفعل تدخلاته في سوريا والمنطقة واستخدام فائض قوته، التي انعكست على كل الملفات وتركت تداعيات خطيرة على أوضاع البلد. ولذا يركز “حزب الله” على تطورات المنطقة ومنها احتمال استئناف الحوار الإيراني – السعودي، وما يمكن أن يحمله للوضع اللبناني، ويربط أي تسوية داخلية لبنانية بالتقدم على المحور الإقليمي، بخلاف ما يقال عن أنه مستعد للتسوية على قاعدة التوافق مع كل الأطراف.
 
تحتاج التسوية الى تنازلات من كل الأطراف، كي تشكل وعاءً لأي مشروع حل خارجي للأزمة اللبنانية. وبما أن الخارج اليوم لا يضغط لإنجاز هذه التسوية، يتمترس الجميع داخل بيئاتهم، وينتظرون تطورات إقليمية تنعكس على الوضع اللبناني. ويظهر في المعطيات اللبنانية أن الانقسام يُبعد التسوية، وبالتالي كل الكلام بأن “حزب الله” جاهز للدخول في تسوية، في ضوء ما يعلنه من مواصفات للرئاسة والحكومة هو غير جدي، وإن كانت هناك تهدئة إيرانية نسبية حول دول الخليج، إلا من خلال الحراك الذي يحدث حول الملفات الإقليمية، وإن كانت ساحاتها مختلفة عن الوضع اللبناني، في اليمن أو العراق أو حتى في سوريا. وهو ما يعني أن اللحظة الحالية ليست للبحث في التسوية المنتظرة.
 
أمام هذه التطورات، ترتفع أصوات داخلية لبنانية تدعو إلى تدخل دولي فاعل يضغط لإنجاز الاستحقاقات. معارضو “حزب الله” يرون أن دعوته للحوار ورفض التدخل الخارجي لا ترفدها مبادرات جدية حيال التسوية، وهو غير مستعد لتقديم تنازلات لترتيب الأوضاع الداخلية، طالما ينطلق من معادلة أن لبنان يتعرض لحصار خارجي تقوده الولايات المتحدة، وهو ما أشار إليه نصرالله بوضوح، ولا يزال يتمسك بمرشح رئاسي لمحور الممانعة وليست هناك من بوادر جدية للتخلي عنه والوصول إلى مرشح توافقي.
 
وفي ضوء استمرار تمسكه بمرشح “لا يطعن المقاومة بالظهر” عادت الأمور إلى بداياتها من نقطة الصفر. وهذا الأمر، بدا يدفع إلى اصطفافات جديدة خصوصاً في الساحة المسيحية تعيد البحث في الشأن الرئاسي وصولاً إلى طرح قضايا تتصل بمستقبل الوضع اللبناني ومن بينها الفيدرالية. ويدل على ذلك أيضاً تجدد الانقسام الطائفي والمذهبي حيال مختلف الملفات اللبنانية، خصوصاً بشأن هوية البلد ووجهته وصيغته التي باتت مهشمة بفعل الانقسامات.
 
الانهيار وتراجع دور المسيحيين في مواقع الحكم قد يقرّبان مواقف القوى المسيحية، وذلك بعد رفع البطريرك الماروني بشارة الراعي الصوت عالياً، في رسالة معبّرة مسيحياً ومارونياً، عن الانتخابات الرئاسية وتخوفه من مخطط قيد التحضير لانتزاع المناصب المارونية بحكم الأمر الواقع، خصوصاً أن “إطالة الشغور سيتبعه شغور في كبريات المؤسسات الدستورية والمالية والعسكرية. ويضاف إليها تعزيز الاصطفافات خصوصاً في ظل تعاطٍ دولي مختلف مع الوضع اللبناني، ما يؤدي إلى اطالة أمد إمكان التوافق على أي تسوية أو حل، طالما أن الأوضاع الداخلية اللبنانية غير ناضجة وهناك عجز واضح عن التوافق وإنجاز الاستحقاقات. من هنا يتقدم “حزب الله” لتعبئة الفراغ، وهو الطرف الأقل تأثراً بالأزمة، فيعزز وضعه، وسط التراجع الدولي، لكن هذه المرة أمام انحلال مقومات الدولة ومؤسساتها واحتراق كل الركائز التي انبنت عليها الصيغة اللبنانية.

 

ابراهيم حيدر- النهار العربي

مقالات ذات صلة