جنبلاط مايسترو موجة التغيير الجديدة: بين القوات و”البيك”…تقاطع أم تضارب؟

بين فسطاطي جنبلاط والقوات

 

فعلها وليد كمال جنبلاط، وتحول بسرعة البرق إلى مايسترو موجة التغيير الجديدة، فتقدم الصفوف في كل الاتجاهات. فبعد أن أعلن سابقاً أنه يفضل الجلوس على كرسيه على ضفة النهر منتظراً جثة غريمه أو عدوه، وفقاً للحكمة الصينية.. دارت الأيام وجرت مياه كثيرة في نهر الحياة المتدفق في المشرق، إلى أن أتت الموجة الجديدة في لحظة فارقة ودالة، حاملة جثة عدوه إلى حيث يضع قدميه في مياه النهر المتحركة.

بين ليلة وضحاها فرّ بشار الأسد إلى موسكو تاركاً خلفة مخلفات وإرث أكبر وأكثر عائلة إجرامية على مر التاريخ القديم والحديث. إذ لم تعرف قصص وروايات القتل والاغتيال والإرعاب والتعذيب والإرهاب والجرائم والخيال الإجرامي، مثيلاً لما تكشّف في سوريا من مجزرة حماه 1982، إلى مجازر البراميل، التي أفنت مدناً وعائلات وأحياء بكاملها، وصولاً إلى السجن الأحمر في صيدنايا.

إذا كانت ممارسات النازية الهتلرية، قد ابتكرت في ألمانيا في أربعينات القرن الماضي، محرقة الهولوكوست، في أوشفيتز بيركيناو (1940-1945)، فإن “عبقرية” آل الأسد الإجرامية قد ابتكرت “عقيدة صيدنايا”، وممارساته الإبادية، حيث طُحنت عظام السجناء وشرايينهم مع الدماء في المكابس الكهربائية، وتم التخلص من كتل ما تبقى من جثث الضحايا والموتى عبر تقطيع المناشير وعمليات التذويب بحفر الأسيد، لتحال الرواسب الذائبة المتحللة في مجاري الصرف الصحي، ناهيك ببيع صور عمليات التعذيب عبر مواقع الانترنت المظلم (DARK WEB the) لهواة النوع من الشاذين.

في المحصلة، هرب بشار الأسد مع جنح الظلام، إلى القاعدة العسكرية الروسية في حميميم ومنها إلى موسكو. فيما كان الشاب الأربعيني الملتحي أحمد الشرع الملقب بالجولاني، أو “الفاتح”، يدخل مدينة دمشق مع فصائل قواته المتحالفة، في تكرار غريب ونادر، لمشهد دخول فيدل كاسترو وتشي غيفارا والثوار الكوبيين في 1959 إلى هافانا، حيث اكتسح رجال حرب العصابات الثوريين العاصمة الكوبية وأسقطوا الديكتاتورية العسكرية لفولجنسيو باتيستا، الذي فر يومها إلى جمهورية الدومينيكان. وقد دخلت كوبا آنذاك كما سوريا اليوم عصراً جديداً.

لم تكد جثة بشار الأسد، بالمعنى المجازي، تصل أمام عيني وليد جنبلاط الجالس على ضفة النهر، حتى استفاق وسارع إلى الاتصال هاتفياً بغيفارا اليوم، الذي قبض مع رجاله على دمشق، مهنئاً بالنصر المؤزر على عدوه السابق، الذي كان والده قد اغتال كمال جنبلاط قائد الحركة الوطنية اللبنانية في 16 آذار 1977.

المفاجأة الغريبة التي تحتاج إلى تفسير، هي مسارعة حاكم سوريا الجديد، الذي يفترض أنه منشغل بقضايا دمشق وساحاتها ومشكلاتها، سارع إلى الإعلان في موقف مستهجن وغريب عن دعمه لوصول قائد الجيش اللبناني جوزاف عون إلى سدة الرئاسة الأولى في وطن الأرز!

من المفترض أن الشرع، في هذه الحَشْرة، غير متابع لتفاصيل أخبار لبنان ومشكلاته. فإذا به مع أول وصوله يدخل في التفاصيل، ويعلن في شمعة على طوله دعم العماد عون للرئاسة!

والأغرب من كل ذلك وفي تقاطع مثير، فإن وليد جنبلاط مع كتلته النيابية كان أول من أعلن عن ترشيحه ودعمه لوصول قائد الجيش إلى الرئاسة الأولى!

ما علاقة تواصل جنبلاط مع أحمد الشرع بهذه السرعة، وترشيح الاثنين أي جنبلاط والشرع للعماد قائد الجيش؟!

تقول المعلومات إن جنبلاط والشرع، كلاهما يعكسان حصيلة التقاطع الدولي الإقليمي على اسم قائد الجيش للرئاسة في لبنان.

إلا أن المفارقة في كل ذلك، وطالما الحديث عن اغتنام الفرص، هو في تحرك وموقف القوات اللبنانية، التي يبدو أنها لا تريد انتخاب رئيس الآن، مع أنها كانت أول من رشح وطرح اسم قائد الجيش.

القوات، وبسبب النتائج الحاصلة في لبنان والمنطقة، والاندفاعة ضد محور ونفوذ إيران، تبدو في موقف أميل إلى تأجيل انتخابات الرئاسة الآن، في جلستها المحددة في التاسع من الشهر المقبل.

موقف القوات هذا مرده إلى سببين: الأول، قد يكون تماهياً مع الحاكم الأميركي الجديد، الذي عبر عنه المستشار مسعد بولس بالقول: “اللي نطر سنتين بينطر شهرين”. ومن جهة ثانية، قد يكون بانتظار اكتمال الأحداث الإقليمية المرتقبة باتجاه إيران، مما قد يفسح المجال لترشح سمير جعجع شخصياً للرئاسة، في استعادة لترشح بشير الجميل سابقاً، في مشروع تقاطع محلي مع التطورات الإقليمية والمحلية الراهنة في كل أبعادها.

والقوات لم تخف هذا التوجه، الذي عكسته مقالة شارل جبور في صحيفة “نداء الوطن” بعنوان: “السلاح أولاً والرئاسة ثانياً”، والذي اعتبر فيه أن لا قيمة لانتخابات رئاسة الجمهورية الآن طالما السلاح بيد حزب الله.

وأضاف: “لا عودة إلى مرحلة ما قبل اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقّعت عليه الحكومة في 27 تشرين الثاني الماضي. وعدم العودة إلى سياسات ما قبل هذه المرحلة لا يكون من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة إنتاج للسلطة قبل أن يتعهّد “حزب اللّه” التخلي عن سلاحه، والتخلي عن دوره العسكري، وأي انتخاب للرئيس وتكليف رئيس حكومة وتشكيل حكومة قبل أن يتعهّد “الحزب” بذلك، يعني العودة عملياً إلى المرحلة السياسية التي سبقت إعلان السيد حسن نصرالله حرب الإسناد لحركة “حماس”.

وقد أوضح الموقف بقوة النائب القواتي بيار أبي عاصي في آخر كلام له قائلاً: إن “هناك احتمال أن لا تعقد جلسة 9 كانون الثاني. وهناك عناصر مشروعة لذلك، لأنه لم يتم احترام الآليات الدستورية من سنتين حتى اليوم”.

كما أن أصواتا مقربة من القوات بدأت تتحدث عن تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى الربيع المقبل.

في هذه الحال وسط اندفاعة جنبلاط، وتبدل نوايا ووجهة القوات، هل ستكون هناك جلسة لانتخاب الرئيس في التاسع من الشهر المقبل، ينتخب فيها قائد الجيش رئيساً لجهورية لبنان، أم أن الفراغ الرئاسي سيتمدد إلى حين يأتي الترياق من دونالد ترامب؟

عارف العبد- المدن

مقالات ذات صلة