النواب المعتصمون في البرلمان يستحقون الدعم..لا التأنيب

أفضل ما في اعتصام نواب المعارضة داخل مجلس النواب، للمطالبة بجلسات نيابية متواصلة لانتخاب رئيس للجمهورية، أنه كسر الجمود السياسي، وأعاد توجيه البوصلة الى جلسات انتخاب الرئيس التي باتت مملّة ومكررة، ويعرف اللبنانيون أنها عاجزة عن تحقيق أي خرق.

وأبلغ ما في الاعتصام، أنه فرض دينامية جديدة على المشهد السياسي اللبناني، من المؤكد أنها لن تصل الى نتيجة، لكنها أوجدت رأياً مغايراً للقطبية السياسية المتنازعة: ثمة رئيس يجب أن يُنتخب بأكثرية عددية، بغض النظر عن التوازنات السياسية الدافعة في اتجاه الانتخاب بأكثرية ثلثي أعضاء المجلس.

ثمة شبه إجماع على أن الخطوة ميديوية، لصورة إعلامية تخرق على الأقل الرتابة السائدة. وذلك كونها، بالحد الأدنى، أقل قدرة على جذب كتل سياسية تؤازر النواب التغييريين الذين بادروا إليها تثبيتاً لموقف تعرّض للنقض في وقت سابق، حول الجلسات المفتوحة في البرلمان. غير أن الخطوة، تشير بما لا يحمل الشك، إلى أن المعارضة التي اعتادت المقاطعة أو الرفض بالموقف، تمكّنت من تغيير طريقة تفكيرها. باتت تبحث عن خطوات تنفيذية، وهي بذلك تسجّل كرة في مرمى المعارضة التي استسلمت لإقفال مجلس النواب لمدة عامين في العام 2006، ولم تستأنف نشاطها الا بتسوية تم توقيعها في اتفاق الدوحة في 2008.

كما تثبت أن المعارضة يمكن أن تلجأ لخطوات تنفيذية، بمعنى تبديل السياق التقليدي لفكرة الرفض، بما يتخطى الموقف، وما يتخطى “المعارضة السلبية” المتمثلة في المقاطعة.. وتعيد تشكيل وجهة نظر مختلفة حول النُّخب، أهمها أن النواب أنفسهم يلجأون الى فعل احتجاجي، داخل المؤسسات، استكمالاً لحراكهم في الشارع.. ولو أنهم تعرضوا لإحباط حين أحجم ناخبوهم عن مؤازرتهم، وتقديم عون ميداني لهم، وهي نقطة تستدعي الكثير من الأسئلة حول مآلات ثورة 17 تشرين ومزاج الناس بعد الانتخابات النيابية.

أكثر من سبب يدفع لعدم أخذ الخطوة على محمل الجدّ، وهي مشكلة لبنانية متجذرة في السلوك السياسي، والعلاقة بين السلطة والمواطنين. وهناك الكثير من الاعتقاد السائد بأن الخطوة استعراضية، لن تنتقل الى خطوة عملية.. كل تلك التقديرات والهواجس، ليس لها محل الآن في مواكبة فعل ثوري، يستدرج الميديا لإعادة تسليط الضوء على خلل في نظامٍ قائم على فكرة الانتظار: انتظار التسويات والتوافقات والضغوط لتحقيق إنجاز بديهي كان يجب أن يتحقق قبل أربعة أشهر في أقل تقدير، لولا الحسابات الشخصية، وحسابات الأقطاب.

والتقديرات السابقة، المندرجة في إطار النقد، لا تعني بأي حال من الأحوال أن ما قام به النواب المعتصمون، يستأهل الجَلد. على العكس، يستأهل التقدير، بالنظر الى أنهم يحاولون خلق أمر واقع جديد، يعيد الأضواء الى الانتخابات الرئاسية، بوصفها ضرورة، لا تخضع للتوازنات السياسية، حتى لو أفضت، في ما لو نفذت الانتخابات الآن، الى انتخاب رئيس ينبذه التغييريون، كونه لن يلتقي مع برنامجهم للرئاسة. لم تعد الجلسات بموعد أسبوعي قابل للتأجيل، لأن انعقادها من عدمه سيكون بالنتيجة نفسها. يمكن للخطوة أن تقرّب مواعيد الانتخاب، ومواعيد التسويات الممكنة، وتضغط للبننة الاستحقاق، وتعيد إنتاج دينامية جديدة.

من هنا يمكن قراءة النقد الصادر عن السلطة والأحزاب التقليدية للخطوة. دلالاتها تنطلق من هواجس الأحزاب الباحثة عن تسوية، وتحاول الدفع باتجاه تفاهم حول شخصية تمثّل الجميع. من شأن ضغط إعلامي وسياسي مشابه، أن يحفز على إجراء الاقتراع كأمر واقع، قد يوصل شخصية مدعومة من أحد الطرفين المتنازعين، وتفرضها الديموقراطية العددية.

https://pbs.twimg.com/media/Fm18X2MWAAIM-67?format=jpg&name=medium

المدن

مقالات ذات صلة