أمثولة الجولاني لـ”الحزب”… المنفصل عن الواقع!
يتشابه “حزب الله” وأبو محمد الجولاني في المسيرة المتديّنة العقائدية واعتماد الإسلام الجهادي، لكن الأول شيعي يتبع مشروع ولي الفقيه الايراني، والثاني سنيّ كان يتبع تنظيم “القاعدة” ومشروع الخلافة الاسلامية. لكن كليهما أُدرجا على لائحة الإرهاب دولياً ولا يزالان.
أثبتت الوقائع أن الحياة ليست جامدة، ومن يتشبّث بأفكاره من دون مراجعة ذاتية وتنقية ذاكرة، سيحصد الهزيمة تلو الأخرى، أما من يواكب تطوّر الحياة ويكون مرناً مع ظروفها فقد يصبح علامة فارقة بل محط أنظار العالم. وينطبق هذا الكلام على ما يواجهه كل من “الحزب” والجولاني حالياً.
ويتحدث مدير مركز دراسات اسلامية في طرابلس عن نجاح الجولاني (أحمد الشرع) حتى الآن في تغيير الصورة التي عُرِفَ بها كإسلامي متشدّد، ليس في المظهر فحسب إنما في المضمون أيضاً، فمنذ سقوط نظام بشار الأسد، تبدّلت صورة الجولاني بنسبة 80 في المئة من رجل جهاديّ ثورويّ يعتمد الشريعة الدينية إلى رجل دولة وطني يحرص على مستقبل سوريا، ولا يبدو حتى الآن أن لديه مشروعاً سوى النهوض بسوريا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكلامه المطمئن للأقليات الطائفية والإثنية هناك، أزال المخاوف والأفكار المسبقة التي كان يروّجها البعض عنه بأنه سيفرض القوانين الدينيّة المتشددة على المسيحيين والعلويين والأكراد. صحيح أنه لم يتخلَّ عن خلفيته الدينية إلا أنه خرج من حالة الاسلام الجهادي إلى الاسلام السياسي وفق النهج التركي، واعتمد أسلوباً براغماتياً، فانتقد اسرائيل لاعتدائها على السيادة السورية من دون أن يفتح معها حرباً، وهو يعرف مُسبقاً أنها ستكون خاسرة. وأبدى انفتاحاً على كل الدول، لأنه يعلم أن إعادة الإعمار وتحسين الإقتصاد لن يتما من دون دعم دولي.
أما أكثر ما لفت المراقبين، وفق مدير مركز الدراسات الاسلامية، فهو قرار الجولاني بجمع سلاح كل الفصائل العسكرية في سوريا وضمّها إلى الجيش الوطني، وهذا التفكير منطقي وسليم، ويدخل في إطار بناء الدولة.
قد يكون باكراً الحكم على الجولاني والأمور تحتاج إلى أفعال وليس الى كلام، إلا أن خطابه السياسي يبدو نهضوياً ويُقدّم مصلحة سوريا على كل المصالح الأخرى حتى ولو كان حليفاً لتركيا. ويلفت مدير مركز الدراسات الاسلامية إلى أن الجولاني فتح سجون الأسد التي كانت مسالخ بشرية، ويعد بالحرية والديموقراطية، وحتماً ستكتمل مهمته إذا سمح للشعب السوري باختيار ممثليه في انتخابات حقيقية في المستقبل القريب، وليست انتخابات صوريّة على طريقة الأسد.
في موازاة مساعي الجولاني الهادفة إلى إنقاذ سوريا، يقدّم “الحزب” في لبنان منذ فترة أسوأ أداء على الصعيد الوطني اللبناني، فهو برهن منذ بداية حرب غزة في 7 تشرين الأول 2023 أنه لا يبالي بمصلحة لبنان بتاتاً، بل يُنفّذ مصالح ايران ويسير وفق توجيهاتها، من دون أن يهتم حتى بخسائره وصورته، فتعرّض لسلسة هزائم بدأت بتفجير “البايجرز” مروراً بضرب وحدة “الرضوان” واغتيال أبرز قياداته ورموزه وفي مقدّمهم أمينه العام حسن نصر الله وصولاً إلى موافقته على شروط اسرائيلية دولية مذلّة لوقف الحرب.
ويوضح مدير مركز الدراسات الاسلامية أن “حسابات الحزب الخاطئة التي ورّطته بها ايران وإنكاره للواقع الحالي ومحاولاته للإحتفاظ بسلاحه الذي يمنع قيام الدولة في لبنان، يبرز الفارق بينه وبين الجولاني الذي يقرأ جيداً ما يحصل حول سوريا ولا يُقحم نفسه في صراعات الآخرين، ويتصرّف بمنطق رجل الدولة، بصرف النظر عن النوايا. أما الحزب فلا يزال يعمّق الهوة بينه وبين الشعب اللبناني الذي سئم من الحروب والعنف والفقر وسلاح الميليشيات!”.
يشعر الشعب اللبناني أن “الحزب” يحمل مشروع غلبة، وبمجرد أن سلاحه فقد دوره في مواجهة اسرائيل بعدما انسحب من الحدود، وفق اتفاق وقف اطلاق النار والالتزامات المرفقة به، بات هذا السلاح موجّهاً إلى صدور اللبنانيين ولا يبشّر إلا بحروب داخلية، ويُمكن اختصار الصورة كالآتي: “الجولاني راجع من الحرب والحزب رايح على الحرب”.
يُقدّم الجولاني أمثولة واضحة لـ”الحزب” حول كيفية العمل من أجل الوطن الأم من دون أن يُشعر الآخرين بأي خوف أو هواجس، فيما “الحزب” يبدو منفصلاً عن الواقع، ويولّد المشكلات لنفسه وللبنان، وآخرها محاولة التحايل على القرار 1701، معرضاً أمن بيئته وكل اللبنانيين للخطر، بل يُمارس المزيد من العجرفة والاستكبار، وطالما أنه لم يجرِ تقييماً موضوعياً للحرب الأخيرة ولم يأخذ منها العبر، ولا يزال يُمارس فائض القوة يعني أن مستقبل لبنان لا يزال في مهبّ الريح!
جورج حايك- لبنان الكبير