الأسد سيحاكم “جنائياً”… هل سيسلمه بوتين؟
سقط بشار الأسد وفرّ هارباً، تاركاً خلفه أذرعه وفلول نظامه، والآلاف من المعتقلين والمسجونين. فرّ ويداه ملطختان بالدماء، دماء السوريين واللبنانيين. فرّ بـ”لجوء إنساني” الى روسيا.
سقوطه، ثم فراره تركا أسئلة كثيرة حول مصيره، خصوصاً محاكمته، وإن كان قد نجا من العقاب والقصاص، بعد كل الإجرام الذي تسبب فيه، وسط تبريرات من أناس يحاولون تغطية فظائعه، وأنه لم يكن المسؤول عن كل المجازر، الا أن مدير “المرصد السوري لحقوق الانسان” رامي عبد الرحمن يؤكد لموقع “لبنان الكبير” أن “بشار الأسد بصورة قطعية هو المسؤول الأول والأخير عن كل الجرائم الحاصلة في سوريا، وهو من أعطى الأوامر للقيادات لتدمير سوريا، ومن أعطى الأوامر للأجهزة الأمنية باطلاق اليد في التعذيب والقتل تحت التعذيب، وهو من أعطى الأوامر بضرب الكيميائي، والبراميل المتفجرة واستباحة المدن”.
ويضيف: “لذلك بشار الأسد مجرم حرب من الطراز الأول، ومن أسوأ مجرمي الحرب على مستوى العالم، وعدم محاكمته هو إجحاف بحق الشعب السوري، ويجب أن يحاكم في وسط دمشق. وكما كان لدينا أمل دائم بإسقاط بشار الأسد، الأمل موجود بمحاكمته”.
أما الناشطة والصحافية السورية المعارضة والمناضلة عالية منصور فتشدد لموقع “لبنان الكبير” على أن “الهدف هو محاكمة بشار، ليس أملاً، كما كان الهدف بإسقاطه وليس حلماً، محاكمته ستكون هدفاً وسيتحقق”.
وتقول: “روسيا ستبيعه، كما باعته في المرة الأولى، والسوريون سيحاكمونه عن طريق القانونيين والاختصاصيين لجلبه الى العدالة، وأعتقد الأقرب سيتم اللجوء الى محاكمة دولية لبشار الأسد، كل شيء وارد”.
والسؤال الآن، هل نجا بشار من المحاكمة؟ وكيف سيتم الاقتصاص منه؟
خطوتان أمام السوريين
المحامية ديالا شحادة، وهي محامية سابقة في المحكمة الجنائية الدولية، توضح لـ”لبنان الكبير” أن لا شيء مستحيل، والأفضل في ما يتعلق بمحاولة مباشرة لمحاكمة الأسد، هو خطوتان، اتخاذ إجراءات قضائية بمحكمة وطنية في سوريا ضده، بموجب جرائم، هناك وثائق وأدلة عليها، وبعد صدور مذكرة توقيف غيابية بحقه، يطلب من روسيا تسليمه بموجب اتفاقية تسليم المطلوبين، وهذه الاتفاقية وقعها البلدان في سان بطرسبرغ في حزيران عام 2022.
وتضيف: “لكن ذلك لا يعني أن روسيا ستقبل، لأن من الممكن أن تتصدى بالقانون لتسليم أي شخص مطلوب، اذا اعتبر هذا الشخص معرضاً للاضطهاد أو لمحاكمة غير عادلة أو للقتل أو لجرائم سياسية، لكن حالة بشار طبعاً لا تندرج ضمن الجرائم السياسية، بل الجنائية”.
وبحسب ما تقول شحادة: “هل هو معرض للقتل أو الاضطهاد؟ هنا دور الجانب السوري، الذي سيتفاهم مع الروسي في ذلك، لذلك على السوريين اتخاذ إجراءات قضائية وطنية توجه اليه تهم جرائم قتل جماعية قائمة على وثائق صادرة عن الأمم المتحدة باعتبارها المنظمة الدولية الأكثر حياداً بنظر القضاء الدولي والقضاء الوطني، بعد ذلك تطلب المراجع الرسمية المختصة في سوريا، أي وزارة العدل عن طريق وزارة الخارجية من روسيا تفعيل الاتفاقية المختصة بتسليم المطلوبين والتأكيد أنه ستتم معاملته بطريقة تليق بالمعايير الدولية لجهة حق الدفاع وعدم تعريضه للاضطهاد ولجهة المعاملة والمحاكمة العادلة، وهذه ستكون أهون وأسرع خطوة يمكن اعتمادها”.
وتشير شحادة في حديثها لـ”لبنان الكبير” الى “خطوة أخرى يمكن اعتمادها وهي أن أي حكومة وإن كانت انتقالية ستتشكل في سوريا بكل بساطة توقع على اعلان قبولها باقتصاص المحكمة الجنائية الدولية وتودع نسخة من الاعلان لدى قلم المحكمة، وهذا الإعلان اما توقيعه من رئيس الحكومة الانتقالية أو من سفير هذه الحكومة في لاهاي”.
وتضيف: “طبعاً عند حصول انتخابات ووجود مجلس نواب منتخب ديموقراطياً، يمكنه أيضاً أن يصادق على اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، عندها تصبح سوريا دولة طرفاً بالمحكمة”.
وتلفت شحادة الى أن اختصاص المحكمة من الممكن أن يكون له مفعول زمني رجعي، يبدأ من تاريخ نفاذ المحكمة من 1 تموز 2002، أي من الممكن أن يغطي كل الجرائم المرتكبة خلال هذا التاريخ، مؤكدة أنه يعود للحكومة المقبلة أن تقرر، ولكن بالنسبة الى المفعول الزمني لا يجب أن يكون أقل من يوم بدء الثورة السورية وجرائم نظام الأسد.
3 فرص للعقاب
ويرى المحامي السوري أنور البني رئيس “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية” أن محاكمة الأسد لم تعد فرصة، بل هي واقع ووقائع موجودة، اذ ان هناك مذكرة توقيف صادرة عن فرنسا بحقه، لاعتقاله وتقديمه الى المحاكمة بسبب مجازر السلاح الكيميائي التي ارتكبها، فضلاً عن مذكرة صادرة عن مدعي عام ألماني بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية من قتل وتعذيب واخفاء قسري في سوريا.
ويقول في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “هناك بالتالي فرصتان، وواحدة ثالثة أيضاً وهي التي نفضلها، محاكمته في سوريا، ليس عن طريق السلطة الموجودة الآن، انما بعد تشكيل حكومة انتقالية شرعية، أو هيئة حكم انتقالي، ومحاكم تعتمد المعايير الدولية، عندها من الممكن أن تكون هناك فرصة لمحاكمته في سوريا”.
ويؤكد البني أن لا علاقة للجنائية الدولية بهذا الموضوع، وهي غير مختصة بالشأن السوري، فهي لا تتبع الأمم المتحدة، ولا تنظر في جرائم حصلت في دول غير موقعة على اتفاقية روما، معتبراً أن الأهم والأقوى اليوم، هي الصلاحيات الفرنسية والألمانية، أي محاكمته في فرنسا أو ألمانيا أو سوريا، أقوى وأكبر بكثير من محاكمته في لاهاي.
ويختم البني بالإشارة الى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيسلم بشار الأسد، “ولن يضيع مصالح روسيا من أجل حمايته، فهي مجرد مسألة وقت، وسوريا الجديدة لن تقيم العلاقات مع روسيا وتطورها قبل تسليم الأسد”.
لبنان الكبير