بعد الحرب ملعب كميل شمعون… من حلم الانجازات إلى واقع الإيواء

لا تزال أصداء الحرب العاصفة التي اجتاحت لبنان تتردد في أرجاء المجتمع، تاركة وراءها جراحاً عميقة في النفوس. ومع توقفها، عادت غالبية النازحين إلى بيوتها، تحمل معها فرحة اللقاء، لكن في قلب بيروت، لا يزال بعضهم يبحث عن مأوى.
ومن بين المراكز التي بقيت مفتوحة، يبرز ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية، الذي تحول من ساحة للاحتفال بالانجازات الرياضية إلى ملاذ يضم من فقدوا منازلهم. وقد أُطلق عليه “مركز بنين” تقديراً للجمعية التي تكفلت بإعادة إحيائه.
تحول هذا الملعب، الذي كان يوماً ما رمزاً للرياضة والحيوية، إلى نقطة انطلاق جديدة للأمل. هنا، في هذا الفضاء الذي شهد أجيالاً من الإنجازات، يجتمع أولئك الذين فقدوا كل شيء، ليعيدوا بناء حياتهم من جديد. هذه المساحة، التي كانت في السابق تعكس قوة المنافسة، أصبحت الآن تجسد روح التضامن والانسانية بين النازحين.
بدأ العمل مؤخراً على تحويل مدينة كميل شمعون، أكبر منشأة رياضية في البلاد، إلى أكبر مركز إيواء لاستقبال النازحين الذين أجبرهم قصف الجيش الاسرائيلي على ترك منازلهم. وعلى الرغم من التوترات التي شهدتها العلاقة بين بلدية الغبيري والجمعية المسؤولة عن المشروع، انتهت الأمور نسبياً بعد أن حسم الموضوع قانونياً، بحيث أُعطيت الأولوية لإدارة المنشآت الرياضية والشبابية.
وفي هذا السياق، أكد مدير المنشآت الرياضية ناجي حمود، لموقع “لبنان الكبير” أن الأمور تسير الآن بسلاسة، بعيداً من أي خلافات، مشيراً الى أن العمل مستمر لتقديم الخدمة للنازحين الذين لا يملكون مأوى.
مع نهاية الحرب، وصل عدد النازحين في المركز إلى 500 شخص، ما يشكل 70% من سعة المكان المخصص في هذه المنشأة. وهذه الجهود تعكس التزام المجتمع بتقديم الدعم والمساعدة لمن هم في أمس الحاجة إليها، في زمن الأزمات والتحديات.
وبفضل الجهود المتواصلة من الجمعية المشرفة على منشأة كميل شمعون، وتحت إشراف محافظة بيروت، قدّم دعم كبير للنازحين الذين فقدوا منازلهم جراء القصف الذي استهدف العاصمة، فقامت الأجهزة المعنية بدور محوري في نقل هؤلاء الأفراد إلى المركز، حيث وجدوا ملاذاً آمناً ورعاية جيدة.
وأشار محافظ بيروت القاضي مروان عبود، الذي قام بزيارات متعددة الى هذه المنشأة، إلى أنها تُعتبر أكبر مركز إيواء في العاصمة، لافتاً إلى أن التنظيم داخل المركز يعتمد على النظام والنظافة، ما يسهم في توفير بيئة مريحة للنازحين.
وأكد عبود لموقع “لبنان الكبير” أن جهود تحسين الخدمات مستمرة، “فآثار هذه الحرب لا تزال واضحة، والكثير من الناس فقدوا منازلهم، وهم الآن في هذا المركز، وبعضهم غير قادر على العودة”.
وأوضح عبود أن التحدي الكبير اليوم يكمن في إعادة الناس إلى بيوتهم ومحو آثار الحرب الأليمة التي عصفت بلبنان. وعبّر عن أمله في أن يتمكن المجتمع من الانتقال بعد ذلك إلى مرحلة إعادة الاعمار والازدهار، مستعيداً بذلك روح الحياة والنشاط في البلاد. ورأى أن هذا الجهد الجماعي يُظهر التزام الجميع بتعزيز التضامن والمساعدة في بناء مستقبل أفضل.
وفي جولتنا داخل المنشأة، يتضح الكم الهائل من الاهتمام الذي يحظى به النازحون. فالغرف تميزت بتصميمها المنفصل الذي يوفر الخصوصية التامة، كما تضم باحات واسعة مخصصة للأطفال، ما يبعث الحياة في نفوسهم وسط الظروف الصعبة. بالاضافة إلى ذلك، تحتوي المنشأة على صيدلية ومطبخ، وأماكن مخصصة للغسيل، وغيرها من المرافق التي تم تجهيزها لتلبية احتياجات الناس.
لا شك في أن هذه المبادرات تعكس روح التضامن والانسانية، لكنها تثير الحزن أيضاً عندما نتأمل حال البلد الذي أوصلنا إلى هذه النقطة. فمن المؤسف أن تصبح منشآت رياضية كبيرة كانت لنا أحلام أن نشهد فيها أهم الفعاليات الرياضية، ملاذاً للمتضررين الذين فقدوا كل شيء، فلا حول لهم ولا قوة. والحزن على حال الناس وما يمرون به يظل حاضراً، ما يعكس عمق الأزمة التي تعصف بالبلاد ويذكرنا بأهمية العمل الجماعي لاعادة البناء واستعادة الأمل.