ضرب حصار محكم عليه تمهيداً لخنقه: طرق إمداد “الحزب” بالسلاح أقفلت!

أكثر ما يؤلم “حزب الله” هو إقفال طرق الامدادات بالسلاح بين لبنان وسوريا، وهو دأب منذ أعوام طويلة على تأمين هذه الطرق التي تصله فيها الصواريخ النوعية من إيران، وكان أحد أسباب إنخراطه في الحرب السورية منذ العام 2013 هو المحافظة على النظام السوري وإبقاء طرق الإمداد بالسلاح سالكة مباشرة من إيران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان. لكن الحرب الاسرائيلية الثالثة ضد لبنان وتحديداً ضد “الحزب” تقوم على نحو أساسي على ضرب حصار محكم عليه، تمهيداً لخنقه وتجفيف كل موارد المال والأسلحة.

من الواضح من خلال الوقائع الميدانية أن اسرائيل تفرض حصاراً برياً وجوياً وبحرياً على “الحزب”، وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك عبر قصف شحنات الأسلحة الوافدة من سوريا، بل امتدت اليد الاسرائيلية إلى العمق السوري عبر تنفيذ غارات على ميناء اللاذقية، والقيام بمراقبة شديدة لمطار رفيق الحريري الدولي والمرافئ اللبنانية، وبناء عليه امتنع لبنان الرسمي عن استقبال طائرات مدنية ايرانية وعراقية، بعد تهديدات اسرائيلية جديّة بقصفها.

وقد طال الحصار أيضاً المعابر البرية بين لبنان وسوريا مثل قصف المصنع والجوسيّة، وأخيراً اتجهت الأنظار نحو البحر لقطع طريق نقل الأسلحة عبره، وقد وضع بعض الخبراء العسكريين عملية الكومندوز الاسرائيلية التي خطفت القبطان البحري عماد أمهز في هذا الإطار، والهدف جمع معلومات استخباراتية بالغة الأهمية حول سلسلة الامدادات الايرانية لـ “الحزب” وخططه وقدرات وحدته البحرية، على الرغم من إنكار “الحزب” أي رابط بينه وبين أمهز.

وتشير المعلومات إلى أن الاستخبارات الاسرائيلية كانت تبحث عن معلومات عن الوحدة البحرية التابعة لـ”الحزب” التي تكفّلت بنقل صواريخ “ياخونت” روسية الصنع وصواريخ “كروز” المضادة للسفن من سوريا إلى لبنان.

أما المعطيات من ناشطين سوريين معارضين للنظام السوري فتؤكّد أن إيران كانت تستغل الطرق البحرية لإخفاء شحنات الأسلحة إلى “الحزب”، انطلاقاً من مرفأ اللاذقية الذي كان جزءاً أساسياً من هذه الاستراتيجية. ويعتبر هؤلاء أن لا داعي للاستغراب، إذ استخدم “الحزب” اللاذقية أيضاً كمركز لوجيستي لشحنات “الفينثيلين”، وما يحرك المخدرات غير المشروعة يمكن أن يحرك الأسلحة أيضاً.

وتتقاطع هذه المعلومات مع ما ورد في صحيفة “تليغراف” البريطانية التي أكّدت أن الضربات الاسرائيلية الأخيرة على ميناء اللاذقية كانت لقطع الشريان البحري على “الحزب”، إضافة إلى مرفأ بانياس الذي لعب أيضاً دوراً في تسهيل شحنات الأسلحة غير المشروعة، فهو مركز لواردات النفط، حيث ترسو السفن الإيرانية هناك بصورة متكررة. وقد استهدفته إسرائيل مراراً وتكراراً، لأنه أحد بوابات الطرق البحرية الحيوية بين ايران و”الحزب”.

ولن يكون سهلاً على “الحزب” استخدام الممرات البحرية لنقل الأسلحة في ظلّ انتشار البوارج والسفن الحربية التابعة لـ “اليونيفيل”، إضافة إلى وجود القطع البحرية الاسرائيلية.

في المقابل، يرى خبير عسكري أن ما تفعله اسرائيل ليس كافياً لمنع إمداد “الحزب” بالسلاح لأنه لا يستخدم المعابر الشرعية بين لبنان وسوريا، فطول الحدود بين البلدين تبلغ 373 كيلومتراً من الأراضي الوعرة والوديان والجبال، و”الحزب” يستخدمها منذ زمن بعيد.

لكن خلافاً لرأي الخبير العسكري، قامت اسرائيل بتوسيع ضرباتها مستهدفة كل طرق الامدادات من سوريا إلى لبنان في ريف حمص الجنوبي والغربي وريف حلب الجنوبي وريف دمشق الغربي والجنوبي وداخل محافظة درعا، إضافة إلى القصر والقصير اللتين تقعان على الحدود بين البلدين.

لا شك في أن الضربات الاسرائيلية أثرت على عمليات تدفق الأسلحة من سوريا وعلى مخزون “الحزب” وشلّت قدرته على التحرك والإمداد انطلاقاً من الجغرافيا السورية. علماً أن جزءاً كبيراً من الضربات التي تنفذها إسرائيل تستهدف المخزون الاستراتيجي لـ”الحزب” داخل لبنان من الصواريخ الدقيقة والمتوسطة المدى والمسيّرات ومنصات الإطلاق ومخازن الذخيرة.

ولمزيد من الضغط، لم يعد خافياً على أحد أن اسرائيل أوصلت رسالة تهديد إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد عبر روسيا، بأن الأراضي السورية ستكون هدفاً للقصف الاسرائيلي على نحو مكثّف، إذا استمر في توفير طرق إمداد بالسلاح لـ”الحزب”، لذلك من المتوقع أن تزداد مهمة “الحزب” صعوبة، وسيجد نفسه مضطراً إلى الاعتماد على مخزونه المحدود من الذخيرة والصواريخ، ويبدو أن المستقبل ليس مضموناً بالنسبة اليه لأن أي تسوية يُتفق عليها ستُطالب فيها اسرائيل بضمانات لعدم وصول أسلحة وذخائر إلى “الحزب”.

إذا كان “الحزب” يعتمد على لعبة الوقت ومن “يصرخ أولاً”، فلا بد من أن يصارحه أحد بأن قطع طرق الإمداد بالسلاح والمال ليست لمصلحته، وسرعان ما سيبدأ بعضّ أصابعه وخصوصاً في ظلّ التفوّق العسكري التكنولوجي الاسرائيلي، والتقدّم البري جنوباً، فالمسألة تستدعي الخروج من عالم الأوهام إلى الواقع الفعليّ ليتمكّن من إتخاذ القرار المناسب.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة