إنشاء شركة كهرباء جديدة: هل يتحقق حلم بيروت في كهرباء مستدامة ومستقرة؟

تُعاني بيروت منذ سنوات طويلة من أزمة كهرباء مزمنة، تُلقي بظلالها القاتمة على حياة سكانها وتؤثر في شتى جوانب حياتهم اليومية. فبينما يُفترض أن تكون العاصمة مركزاً للتميز والاهتمام، نجدها تعاني من نقص فادح في الكهرباء، ما جعلها عرضة لسيطرة مافيات المولدات الخاصة، التي تحكم المدينة، حيث غطت مساحاتها، مُحمّلة السكان أعباء مالية وصحية وبيئية قاتلة. وحادثة الحريق الأخيرة في منطقة الحمراء تُعدّ خير دليل على المخاطر المتزايدة التي يواجهها المواطنون نتيجة هذا الاهمال.

في خضم الأزمات المتعددة، يبرز سؤال مهم: أليس من الضروري إنشاء شركة كهرباء تخدم هذه المدينة التاريخية وتلبي احتياجات سكانها المتزايدة؟

الحل بإنشاء شركة كهرباء جديدة
في هذا الاطار، يتقدم الناشط ومدير جمعية “بيروت 24″، نديم بيضون، بمبادرة تطالب بتأسيس شركة كهرباء بيروت كحل فاعل لهذه المعضلة المستمرة، داعياً الى جمع الصفوف نحو هدف موحد، يتمثل في إنشاء شركة كهرباء جديدة تحترم تطلعات المواطنين وحقهم في حياة كريمة ومستقرة.

ويؤكد بيضون أن تأسيس شركة كهرباء بيروت وتطبيق نظام جباية إلكتروني سيؤديان إلى تحسين الخدمة وتوفير الكهرباء على مدار الساعة، ما يقلل من الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة المكلفة، مشدداً على أن هذا المطلب لا يُعتبر استجداءً للدعم الخارجي، بل هو حاجة وطنية ملحة تتطلب قراراً جريئاً يهدف إلى مصلحة 700 ألف شخص يعانون يومياً من تداعيات هذه الأزمة.

كما يلفت بيضون الى أن حق الحصول على كهرباء دائمة ليس مجرد ترف، بل هو ضرورة أساسية لبناء مستقبل آمن للأجيال القادمة، وتعزيز استقرار الاقتصاد الوطني، داعياً الجميع الى أن يتحدوا في صوتٍ واحد للمطالبة بحقهم في كهرباء مستدامة لبيروت.

المولدات ليست جميعها مطابقة للمواصفات
وفي حديث عبر موقع “لبنان الكبير”، سلط محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود الضوء على التحديات الكبرى التي تواجه العاصمة في مجال تأمين الكهرباء، فأشار إلى أن بيروت، على الرغم من كونها مدينة صغيرة، لا تتلقى من الدولة سوى ساعتين من الكهرباء يومياً، ما يضع السكان في موقف صعب.

وأشار عبود الى أن المواطنين مجبرون على الاعتماد على المولدات الخاصة أو الاشتراكات لتأمين احتياجاتهم من الكهرباء. ومع ذلك، فإن هذه المولدات ليست مطابقة جميعها للمواصفات المطلوبة، الأمر الذي يزيد من المخاطر الصحية والبيئية على السكان.

وتطرق عبود إلى الجهود السابقة التي بذلتها بلدية بيروت قبل توليه المسؤولية، بحيث كانت هناك خطة لدراسة إنشاء امتياز كهرباء خاص بالعاصمة. هذه الخطة شملت جميع الدراسات الفنية اللازمة، لكنها لم تُنفذ بسبب عدم الحصول على الرخصة المطلوبة، والتي تتطلب قانوناً من وزارة الطاقة.

وأوضح أن هذه المعوقات تعكس الحاجة الملحة إلى إجراءات قانونية وإدارية تتيح تطوير نظام كهرباء متكامل يضمن توفير خدمة مستدامة وآمنة للسكان.

وشدد على أهمية العمل الجماعي بين مختلف الجهات المعنية للوصول إلى حلول فاعلة تلبي احتياجات المواطنين وتضمن لهم حقهم في كهرباء مستقرة.

بيروت تحتاج إلى 600 ميغاوات من الكهرباء
وفي إطار السعي الى إيجاد حلول فاعلة لأزمة الكهرباء التي تعاني منها العاصمة، تواصل موقع “لبنان الكبير” مع عضو مجلس بلدية بيروت، المهندس محمد سعيد فتحة، الذي شارك في النقاشات حول إمكان إقامة شركة كهرباء بيروت قبل تولي القاضي عبود مهامه كمحافظ.

وأكد فتحة لـ ”لبنان الكبير” أن هناك قانوناً ينظم حصرية استثمار الكهرباء في لبنان من مؤسسة الكهرباء، ما يعني أن الشركات مثل كهرباء زحلة أو غيرها تستجر الكهرباء من الشبكة الوطنية. في ظل هذه الظروف، تلجأ هذه الشركات إلى استخدام مولدات كهربائية لتلبية النقص في التيار الكهربائي.

وأوضح فتحة أنه لدى الترشح لمجلس بلدية بيروت، كان أحد المشاريع التي وعدوا بها هو توفير الكهرباء على مدار 24 ساعة. ولتحقيق هذا الهدف، تم التعاقد مع شركة “مود ماكدونات”، وهي شركة إنكليزية من بين الأبرز عالمياً، لإجراء دراسة شاملة لتلبية احتياجات العاصمة.

وبيّن أن بيروت بحاجة إلى 600 ميغاوات من الكهرباء، بينما كانت الطاقة المتاحة سابقاً بحدود 400 ميغاوات. وقال: “نحن كبلدية كنا نأمل في استكشاف الفرص لتوسيع القدرة الانتاجية في حال الحاجة، خصوصاً أن هناك عقارات ملاصقة لمحطات التحويل الثلاث الموجودة في المدينة”.

وأشار فتحة إلى أن الشركة أجرت دراسة لتثبيت مولدات كهربائية تعمل على الغاز، مع وجود خطط لتقليل الانبعاثات من خلال توفير حلول بيئية. ومع ذلك، واجه المشروع عقبات قانونية وإدارية، بحيث كان يتطلب الحصول على موافقة من وزارة الطاقة والمياه.

وعبّر عن خيبة أمله من رفض الوزراء المتعاقبين المشروع، على الرغم من وجود دعم من بعضهم في البداية، لافتاً الى “أننا كنا في مرحلة متقدمة من التخطيط عندما تولى الوزير المعني إدارة الوزارة، لكن الأمور توقفت بسبب عدم تشكيل الحكومة وانعدام الاستقرار السياسي”.

وختم فتحة حديثه بالتأكيد أن هناك دراسة جاهزة، لكن الاجراءات البيروقراطية والادارية السابقة، بالإضافة إلى التوترات السياسية، كانت عقبات كبيرة في طريق تنفيذ المشروع، معرباً عن أمله في أن يتمكن المسؤولون في المستقبل من تجاوز هذه التحديات لتحقيق حلم بيروت في الحصول على كهرباء مستقرة وموثوقة.

الشق القانوني
وفي الشق القانوني من هذا الموضوع، سلطت الخبيرة في شؤون الطاقة والمحامية كريستينا أبي حيدر الضوء على التحديات التي تواجه قطاع الكهرباء في لبنان، وخصوصاً في العاصمة بيروت. وأشارت عبر موقع ”لبنان الكبير” إلى أن بيروت، بصفتها العاصمة، بحاجة ماسة إلى امتياز كهربائي خاص، نظراً الى احتوائها على العديد من المراكز الادارية والخدمية. وعلى الرغم من ذلك، فإن أزمة الكهرباء التي تعاني منها البلاد منذ سنوات طويلة لا تقتصر على العاصمة، بل تشمل جميع الأراضي اللبنانية، ما يجعل الجميع محرومين من التيار الكهربائي.

وأسفت أبي حيدر “لأننا لم نعد قادرين على القول إن بيروت يجب أن تحصل على كهرباء أكثر من غيرها، بحيث يعاني الجميع من ظلام معمم في لبنان. الوضع الاقتصادي المتدهور زاد الأمور سوءاً، كما هو معلوم للجميع.”

واستعرضت تاريخ الكهرباء في لبنان، بحيث تأسست شركة كهرباء بيروت عام 1909 خلال فترة الانتداب العثماني. ومع إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان بموجب قانون عام 1964، تم إلغاء جميع الامتيازات السابقة وأصبحت المؤسسة العامة هي الوحيدة المخولة إنتاج الكهرباء وتوزيعها في البلاد. وتعتبر المخالفة الأساسية التي تعوق إنشاء شركة كهرباء خاصة ببيروت هي هذا القانون الذي منح الحق الحصري لمؤسسة كهرباء لبنان.

وفي العام 2002، تم إصدار قانون تنظيم الكهرباء الذي كان يهدف إلى إدخال القطاع الخاص وكسر احتكار مؤسسة كهرباء لبنان. لكن، وعلى الرغم من مرور سنوات، لم يُطبق هذا القانون بعد، وذلك بسبب عدم تعيين الهيئة الناظمة الضرورية، وهو أمر معطل لأسباب سياسية.

وأكدت أبي حيدر أن محاولة إنشاء قانون خاص بشركة كهرباء لبيروت سيكون بمثابة خرق لقانونين أساسيين، هما قانون عام 1964 وقانون تنظيم الكهرباء لعام 2002، لافتة إلى أن هذا الأمر يتعارض مع الدستور الذي ينص على عدم تخصيص منطقة معينة بخدمات معينة، ما يعني أن جميع المواطنين يجب أن يكونوا متساوين في حقوقهم.

وقالت: “اليوم، موضوع إنشاء مؤسسة كهرباء خاصة لبيروت يحتاج إلى قانون، وهناك إمكان للطعن في دستورية هذا القانون. لكن في الواقع، الجميع محروم من الكهرباء، ما يستدعي التفكير في حلول عملية أكثر فاعلية.”

وأضافت أبي حيدر: “لو كنت مكان نواب بيروت وفعاليات المدينة، لفضلت الضغط من أجل إصلاح قطاع الكهرباء وتعيين الهيئة الناظمة، ما سيفتح المجال أمام القطاع الخاص للمنافسة وإنتاج الكهرباء وتوزيعها”.

وتناولت أيضاً العقبات التقنية، وتساءلت: “من سيقوم بإنتاج الكهرباء لبيروت؟ من سيدير شركة الكهرباء الجديدة؟ هل ستكون لدى المعنيين شبكة خاصة، أم سيتعين عليهم الاعتماد على شبكة كهرباء لبنان؟ وفي ظل توزيع الكهرباء الحالي، كيف ستكون علاقاتهم مع مقدمي الخدمات؟ وهل سيدفعون لمؤسسة كهرباء لبنان مقابل استخدام الشبكة أم لا؟”.

وشددت أبي حيدر على ضرورة الاعتراف بأن جلب الكهرباء، سواء لبيروت أو لأي منطقة أخرى، لن يكون ممكناً ما دامت مافيات المولدات الخاصة مستمرة في السيطرة على الوضع، بحيث تمتلك الغطاء السياسي الذي يسمح لها بالاستمرار في عملها، معتبرة أن الحاجة ماسة إلى إصلاح شامل وجذري في قطاع الكهرباء، لضمان حق اللبنانيين في الحصول على كهرباء مستقرة وآمنة.

لبنان الكبير

مقالات ذات صلة