“ألبرت” علي عباس يروي القصة الكاملة عن “رسالة” تعهّد ترامب للبنانيين!
“فيما يتعلق بالسّياسة الأميركيّة، لم يعد يهمنا من يحكم، ديمقراطيّ أو جمهوريّ، فقد رأينا كلا الطرفين يُدمّر أوطاننا على مدار العقود الماضيّة، وما دفعنا فعليًّا للتواصل مع حملة ترامب، هو أننا كنا في البداية قد التقينا بفريق كامالا هاريس، في وقتٍ كانت تشهد فيه غزّة ولبنان قصفًا مُكثّفًا وقد فقد العشرات منا أحباءهم، وكانت أولى تصريحات فريق كامالا في هذه السّاعات المحمومة، أنّهم لن يغيروا سياستهم الخارجيّة تجاه إسرائيل وفلسطين.. في تلك اللحظة، اعتبرنا، هذه التصريحات كصفعةٍ في وجه مجتمعنا. عندها قمنا فورًا بترتيب اجتماع مع الدكتور مسعد بولس لفهم موقف الحزب الجمهوريّ، وكانوا متجاوبين للغاية”.
بهذا يُلّخص الناشط السّياسيّ وأحد مالكي مقهى “The Great Commoner” المملوك لعائلةٍ من أصولٍ لبنانيّة في ديربورن- ميشيغان، علي عباس (المعروف أيضًا بـ “ألبرت”)، سيرة “التعهّد المكتوب والأوّل من نوعه الذي قدمه رئيسٌ لناخبيه”. هذا التعهّد الذي لاقى أصداءً إيجابيّة في لبنان، وخصوصًا بعد إشارة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي إليه، كاشفًا عن الدور الذي لعبته عائلة “عباس” المتحدّرة من أصولٍ لبنانيّة في تحفيز ترامب لإطلاق وعدٍ بالضغط للتّوصل إلى تسويةٍ لوقف إطلاق النار في لبنان.
وقد تواصلت “المدن” مع عباس، لمعرفة المزيد من التفاصيل حول هذا التعهّد، وخلفية توقيعه، وكيف أثّر على قلب المعادلة الانتخابيّة في ديربورن المُلقبة بـ”عاصمة العرب في أميركا”. المدينة الّتي شهدت تبدّلًا في مزاجها السّياسيّ على إيقاع التحولات في الشرق الأوسط وتحديدًا في غزّة ولبنان في الفترة الزمنيّة الفائتة، ما تمظهر جليًّا في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة لصالح حزب الجمهوريين. بعد أن كان يُمثل العرب الأميركيين فيها قاعدةً تصويتيّة وفيّة للحزب الديمقراطيّ.
خلفية الرسالة
يُشير عباس، إلى أن تجاوب فريق عمل ترامب معهم أدّى إلى فتح المزيد من خطوط الاتصال، ولا ينفي أنّهم في البداية كانوا غير راغبين في “تصديق أي شخص على كلامه وحسب”، لأن العديد من السّاسة يقولون إنّهم سيجعلون الأمور أفضل ولا يفعلون شيئًا حيال ذلك، وفق تعبيره. لذلك “كنا بحاجةٍ إلى نوع من الالتزام الأعمق منهم، لقبول أي من الحزبين في منازلنا أو في مدينتنا. وتقبلوا ذلك بشكل جيد، وبعد بضعة أيام أرسل لنا مسعد بولس الالتزام الموقع، الذي يُعدّ أيقونيًا. لم يكن موجهاً لمجتمعنا فقط، بل لكل الأميركيين المحبين للسلام. وكان ذلك بمثابة موقفٍ قويّ للغاية، لأنّه كما نعلم جميعًا، هناك كيانات في أميركا، مثل أيباك، تسيطر على معظم الكونغرس ومجلس الشيوخ باستثماراتها في السّياسة لضمان فوز أشخاص معينين”، يقول عباس.
يُضيف قائلًا: “لذلك تمت دعوة دونالد ترامب إلى مطعم عائلتنا، وعندما جاء، لم يكن الأمر يتعلق بمجرد التقاط الصور أو المصافحة كما يرغب أي سياسيّ، بل كانت هناك حاجة إلى إصدار بيان. البيان الذي قدمته كان رسالة قوية جدًا بأننا سئمنا من الخطاب البغيض تجاه الأميركيين العرب والمسلمين بشكلٍ عام حول العالم، وأن هذه السّياسات يجب أن تتغير. أردنا أن نُعبّر عن دعمنا أيضًا للقضية الفلسطينيّة، وجميع الشعوب المضطهدة، من اليمن إلى إيران إلى سوريا، إلى فلسطين، ولبنان خصوصًا. أردنا أن يكون صوتنا مسموعًا”. يُتابع: “وقد استمع ترامب إلى ذلك، ولدهشتنا جميعًا، لم يكتف بالاستماع فحسب، بل أعاد التأكيد على أن هناك نيّة لتحقيق السّلام في غزّة ولبنان، وأنه سيعمل على تحقيق ذلك”.
من هاريس إلى ترامب
لكن هل كان للتعهّد المكتوب وللزيارة الّتي تلته، أثّرٌ فعليّ على إقبال الناخبين (Voter turnout)؟ تسأل “المدن”.
يُجيب عباس قائلًا: “بالطبع، كان هذا أمرًا مهمًا جدًا بالنسبة لنا. بل كان نقطة تحولٍ في الانتخابات، لم تكن الرسالة موّجهة فقط للعرب والمسلمين الأميركيين، بل كانت رسالةً للعالم. في تلك اللحظة التّاريخيّة عندما زار ترامب المطعم وعبّر عن دعمه للسلام، غيّر ذلك ديناميكيات الانتخابات بأكملها. وكان ذلك رمزيًّا وقويًّا جدًا. وعندها قرّرنا أنه حان الوقت لكسر القيود الّتي كان يفرضها الحزب الديمقراطيّ على مجتمعنا لفترةٍ طويلة، وبدأنا نستمع إلى الجمهوريين ونرى إلى أي مدى يمكننا المضي معهم”. ويستطرد بالقول: “أعتقد أن هناك دليلاً واضحاً على هذا في مناطق معينة ذات كثافة عالية من السكّان المسلمين أو العرب في بعض المدن في ميشيغان. على سبيل المثال، شهدت بعض المجتمعات زيادةً في الإقبال على التصويت حيث كان الناس غاضبين من الإبادة الجماعيّة الجارية”.
مضيفًا: “في عام 2020، استضفنا جو بايدن، الذي وعدنا بالسّلام وصافحنا، لكنه للأسف فشل بشكلٍ مريع في جميع جوانب الإنسانيّة، واستمر في تمويل الإبادة الجماعية لشعبنا. لذا، رغم أن الديمقراطيين كانوا دائمًا جزءًا من مجتمعنا خلال العقود القليلة الماضية لأنهم يتحدثون عن التنوع والمساواة والشمول، إلا أنهم لم يطبقوا ذلك عندما يتعلق الأمر بقضايانا الخاصة. لذلك، كان من السهل لي وللآخرين العمل مع الحزب الجمهوريّ لأننا شعرنا أن الديمقراطيين لم يكونوا حساسين تجاه قضايا مجتمعنا”.
إرثٌ عائليّ
يؤكّد عباس لـ”المدن” أن لا أحد من عائلته سياسيٌّ ولم يكن أحدٌ منهم كذلك، قائلًا: “تربينا في عائلتنا، أنا وإخوتي الثلاثة، على الوقوف دائمًا ضدّ الظلم. كان لوالدي علاقةٌ مع رئيس مجلس النوّاب، وكان له علاقات مع رونالد ريغان في الثمانينات، وساعد في ذلك الوقت على خلق خط اتصال بين البلدين أثناء أزمة الرهائن. منذ تلك اللحظة، كنت طفلًا، وكنت دائمًا أنظر إلى والدي على أنّه شخص يضحي بكل شيء، خصوصًا وأن في ذلك الوقت في أميركا، كان الناس ينظرون إلينا نظرة دونيّة أو يطلقون علينا وصف إرهابيين”.
ويعتقد عباس، أنّ الالتزام بالسّلام هو رسالة بحدّ ذاتها، وأيًا كان ما سيحدث في هذه المرحلة فهو أفضل من البديل المتمثل في الإبادة المستمرة، قائلًا: “حتى لو منحنا فرصة ضئيلة لتحقيق السلام بنسبة 1% فقط، وأنا أعتقد أن الفرص أعلى من ذلك بكثير”.
خاتمًا بالقول: “أعتقد أنّه بغض النظر عمن فاز في الانتخابات، لدينا المقاومة (في لبنان) الّتي تقاتل من أجل حرياتنا، والّتي تضحي بأرواحها. وقد حان الوقت للناس أن يدركوا من هم الإرهابيون ومن هم محبو السلام. وأعتقد أن هناك تحولًا في التفكير حول العالم، لأن إسرائيل أظهرت بوضوحٍ شديد، الأساليب غير الإنسانيّة التي تعتمدها. لذا، تغيرت عملية التفكير حول العالم بشكل كبير. وإن شاء الله، يومًا ما سنحصل على السّلام، وإن شاء الله، سيأتي ذلك خلال حملة ترامب، لأننا لا يمكننا الانتظار أكثر”..
المدن