“حماس” تخسر غزة و”الحزب” يجرع السم: هل يشارك في حكومة مكلفة التخلص من سلاحه
هل يشارك ايضا في جلسة انتخابية تأتي برئيس ليس من اختياره؟
فجأة ومن دون مقدمات، توقف الكلام على الخيارات العسكرية الحاسمة على جبهتي الجنوب وغزة، وحلّ محله ما يشبه “الخناق” على حركة “حماس”، وما يشبه “التفوق” على “حزب الله”، في خطوتين متلازمتين قد تكونان ظاهرياً ثمرة موازين قوى لمصلحة اسرائيل أو واقعياً ثمرة مبادرات عاجلة تسبق دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض في ٢٠ كانون الثاني المقبل.
الخطوة الأولى جاءت من الدوحة الحاضنة الرئيسة لقيادات “حماس”، معلنةً تعليق وساطتها بين الحركة الفلسطينية والدولة العبرية وآخذة على الأولى عدم الجدية وممارسة نوع من الابتزاز على السلطات القطرية.
وكشفت مصادر ديبلوماسية في الدوحة أن الوسطاء القطريين الذين يقرون في كواليسهم أن حركة “حماس” قد هُزمت عملياً في غزة، طلبوا في مبادرة تستمزج القيادة الجديدة في واشنطن، التزام اتفاق يقضي بوقف اطلاق النار نهائياً وتسليم الرهائن، وعودة السلطة الفلسطينية الى القطاع، في مقابل المساهمة في اعادة اعماره وتأمين انتقال من تبقى من قادة الحركة بأمان الى المنافي التي يختارونها مع ضمانات من اسرائيل بعدم التعرض لهم.
وأضافت المصادر أن القطريين هددوا باغلاق مقر الحركة في الدوحة وطرد قادتها في حال رفضوا التسليم بمرحلة جديدة سيشهدها الشرق الأوسط بعد سقوط الديموقراطيين في واشنطن، وهي مرحلة لم تعد تحتمل سياسة الاستنزاف المتبادل الذي يهدد بتفجير حرب اقليمية في المنطقة، ولم تعد تحتمل أيضاً بقاء قطر نفسها في خط “الاخوان المسلمين” الذين تحولوا مع ايران الى خطر يجب اقتلاعه بأي ثمن وأي طريقة بقرار اسرائيلي – عربي – دولي.
الخطوة الثانية جاءت من مصادر أخرى ولا سيما من اسرائيل، معلنة التوصل الى اتفاق مع بيروت لوقف اطلاق النار يبدأ في العشرين من الشهر الجاري ويقضي بتطبيق “ملطف” للقرار ١٧٠١ كما جاء في العام ٢٠٠٦ باستثناء فقرة مفخخة تسمح لاسرائيل بالتحرك تلقائياً داخل لبنان كلما تلمست خطراً ما يهدد أمنها الشمالي، وهو ما رفضه “حزب الله” باعتباره انتهاكاً للسيادة اللبنانية.
الاتفاق الذي يسحب “حزب الله” الى شمال الليطاني ويكلف الجيش خلافته وتدمير بناه التحتية العسكرية، جاء متزامناً مع خطوتين متناقضتين في تل أبيب، الأولى عبر وزير الدفاع الجديد يسرائيل كاتس الذي أعلن “الانتصار” على “حزب الله” و”حماس”، والثانية عبر رئيس الأركان هيرتسي هاليفي الذي أعلن أن جيشه مستعد لتوسيع العملية البرية في جنوب لبنان.
وسواء كان كل ذلك موثوقاً أم لا، لا بد من السؤال: كيف يمكن العودة الى قرار دولي أثبت عدم جدواه على مدى ١٨ عاماً، وهو القرار ١٧٠١؟ وكيف يمكن تكليف الجهة أو الجهات التي فشلت في تطبيقه، العمل لتطبيقه مجدداً؟
وأكثر من ذلك، كيف يمكن للجيش اللبناني أن يتصدى لأي محاولة من “حزب الله” لاستعادة وجوده العسكري، وهو الذي يشاركه في كل بيان وزاري الشعار الثلاثي الدائم القائم على “الشعب، الجيش، المقاومة”، أي الشعار الذي وضع المؤسسة العسكرية الشرعية في خندق واحد مع المقاومة الاسلامية ولو من دون تورط عسكري مباشر؟
وثمة سؤال آخر، هل سيتمكن لبنان من انتخاب رئيس للجمهورية خلال فترة الهدنة المقترحة حتى العشرين من كانون الثاني، اضافة الى تشكيل حكومة قادرة على اتخاذ قرارات سيادية من دون ضغط أو خوف من أحد؟ واذا تمكنت من ذلك هل يجرع “حزب الله” السم ويشارك في حكومة مكلفة التخلص من سلاحه أو في جلسة انتخابية تأتي برئيس ليس من اختياره؟ وماذا يمكن أن يتضمن البيان الوزاري بديلاً من الشعار الثلاثي؟
وأكثر من ذلك، هل يلتزم الرئيس بشار الأسد الشق الذي يعنيه في الاتفاق المذكور، أي منع نقل السلاح أو تهريبه عبر أراضيه الى لبنان، وهو التكليف الذي استبدل بند نشر قوات دولية على الحدود المشتركة وفق القرار ١٦٨٠ بتلزيم الأمر للجيش السوري؟ وهل تسهم روسيا في منع تسليح الحزب مجدداً من دون أثمان تقبضها من أميركا في سوريا أو أوكرانيا أو في عمليات التطبيع العربية – الاسرائيلية، وهو التكليف الذي تلاعب على القرار ١٥٥٩ واستبدل بند نزع السلاح بعبارة “منع التسلح”؟
أسئلة كثيرة عن اتفاق يبدو أنه وضع على عجل من طرفين: طرف اسرائيلي لا يريد تسليم ترامب ملفاً ساخناً لا أفق له، وطرف ايراني يتهالك لوقف اطلاق النار بأسرع ما يمكن بعدما وضع نفسه أمام خيارين: اما مواصلة القتال وخسارة كل شيء واما وقف القتال والاكتفاء بما خسره حتى الآن.
في الانتظار، عادت المجموعة العربية الاسلامية لتطل برأسها نحو لبنان وسط تقارير تفيد بأنها سترمي بثقلها لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية واستكشاف فرص الاستثمار في لبنان وامكانات اعادة البناء وربما لاحقاً تعزيز قوات الطوارئ الدولية بقوات عريية، وهي كلها أمور تنتظر اضاءات خضراء تصدر من البيت الأبيض بعد سبعين يوماً من الآن.
وفي الانتظار أيضاً، لا تبدو المعارضة اللبنانية جاهزة لتلقف الظروف الجديدة من خلال وحدة الموقف من جهة أو من خلال خريطة طريق موحدة من جهة ثانية، لتتحول بذلك الى مجرد ناخب في البرلمان عندما يضرب الرئيس نبيه بري مطرقته على الطاولة، أو مجرد حيثية عادية لا تأثير لها يذكر أو لا فضل لها يؤخذ في الحسبان عند تسديد المستحقات السياسية السيادية.
لكن أكثر ما يقلق المراقبين المحليين والدوليين يعود بهم بالذاكرة الى حرب تموز عندما وافق “حزب الله” على أي اتفاق يوقف اطلاق النار، وراح يبني قوة عسكرية أخاف بها المعارضة اللبنانية أكثر مما أخاف اسرائيل، محذرين من يعنيهم الأمر من أن فشله أمام الدولة العبرية، لا يعني في الضرورة فشله في الداخل حيث يبدو متأهباً لأي نوع من المواجهات التي تضمن له الصوت الانتخابي الحاسم في البرلمان والثلث المعطل في الحكومة.
انه الاتفاق المقترح الذي يعطي الأمن لاسرائيل والبقاء لـ “حزب الله”، والمراوحة لمن راهن على معارضة مفككة وقيادات لا تجيد قراءة الأحداث أو اصطياد الفرص التي لا تنتظر أحداً، أو على الأقل الاتفاق الذي يمكن أن يسقط غداة نصب أول خيمة فوق ركام الجنوب والبقاع وشوارع الضاحية التي لا تزال تنتظر بعض الهدوء لتشييع قائدها حسن نصر الله وبعدها لكل حادث حديث.
انطوني جعجع- لبنان الكبير