“اللعازرية” من مركز تجاري إلى حاضن للنازحين.. ولكن تبقى الضاحية بكل مشكلاتها هي بيتهم الدافئ المريح

أحد أبرز المجمعات في الوسط التجاري في بيروت، مجمع اللعازرية الذي كان قبل الأزمات مركزاً اقتصادياً مهماً لعدد من الشركات والمحال، وتحول بعد الأزمات إلى مجمع شبه مهجور، بقي فيه بضع شركات ومحال تتخذ من مكاتبه مقراً لها.

ولكن بعد اشتعال الحرب، وهروب المواطنين من الضاحية الجنوبية، طلب رئيس مجلس النواب نبيه بري وابنه عبد الله من الشركة المالكة للمجمع “انترا” السماح باستخدامه كمركز للجوء، وتجاوبت الشركة مع طلب آل بري، وأصبح المجمع مركزاً يضم 4000 شخص من النازحين، نحو 500 عائلة، ويتم تأمين اللوازم الأساسية لهم قدر الامكان، وإعداد وجبتين لكل شخص يومياً.

وفي جولة ميدانية، تحدث العديد من القاطنين في اللعازرية الى موقع “لبنان الكبير”، وأجمعت الغالبية على وجود مشكلة أساسية يعاني منها الجميع في المركز، وهي مياه الخدمة، علماً أن الجمعيات التي تدير المركز أمنت حمامات خارجية، وغسالات، ولكن مياه الخدمة لا تكفي 4000 شخص يومياً.

تحولت المحال في المركز إلى غرف تعيش فيها العائلات، ويمكن رؤية الشوادر تغطيها لسترها، والغسيل منشور على حافة الردهات الخارجية.

في وسط المجمع تجد الناس مجتمعة، كل بضعة أشخاص مع بعض يتحدثون ويتسامرون، وحولهم يلعب الأطفال بما تيسر من ألعاب لديهم.

وكان لافتا أحد الاَباء وهو يقوم بتدريس ابنته، وقال لـ”لبنان الكبير”: “حتى في ظل عدم وجود مدرسة، المستقبل يجب أن يحفظ”. وأوضح أنه وزوجته يقومان بتدريس ابنتهما الصغيرة، عبر مراجعة دروسها السابقة، كي تكون جاهزة عندما تتمكن من العودة إلى المدرسة.

إحدى السيدات انتقدت قرارات وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي بما يخص العام الدراسي، سائلة إن كان أمّن “الاَيباد” أو التلفونات للتلامذة كي يدرسوا؟ وإن كانوا يمتلكونها من أين سيؤمن هؤلاء الكهرباء والأكثر صعوبة وغلاء منها هو الانترنت، كيف يمكن تأمينه في حالة الحرب؟ وأشارت إلى أن زوجها بلا عمل، وتحاول العائلة حالياً النجاة عبر المساعدات.

سيدة أخرى تحدثت عن مشكلة الدواء، لا سيما للأمراض المستعصية، مشيرة إلى أنها توجهت إلى مراكز وزارة الصحة، ولكنها تعاني من نقص حتى منذ ما قبل الحرب، وقد “شحدت” ثمن دواء زوجها، الذي كلفها ١٨ مليون ليرة، ويبدو أن الحرب تسببت في أزمة أكثر من قبل بموضوع الدواء.

يتخوف النازحون في اللعازرية من فصل الشتاء، حيث لا تدفئة في المركز، وأكد أحد المتطوعين هناك أن هناك تبرعات تصلهم ولكنها لا تكفي، فقد وصلهم ٥٠٠ غطاء مثلاً، وهي لا تكفي للجميع، والشتاء يدق الأبواب.

سياسياً، غالبية الموجودين في المركز تؤمن بخيار المقاومة، وتدعو لـ “المجاهدين” على الحدود، متمنية انتصارهم على العدو الاسرائيلي. وأكد كل من تحدث معه “لبنان الكبير” استعداده للعودة إلى منزله فور انتهاء الحرب، وإن كان مهدماً وهو مستعد لنصب الخيم الى جانبه حتى يحين موعد إعادة الاعمار.

لا يرتاح المرء إلا في منزله، فكيف إذا كان شبه مشرد، يعيش على مساعدات من جمعيات أو مبادرات فردية؟ الناس في اللعازرية لا تريد إلا العودة الى بيوتها، وتستذكر الأمور الروتينية التي تفتقدها اليوم، بل تفتقد حتى ما كانت تتذمر منه قبل الحرب في الضاحية الجنوبية حتى زحمة السير الخانقة وأصوات زمامير السيارات والدراجات النارية الكثيرة.

اللعازرية قد تكون مركزاً مهماً بالنسبة الى المحال التجارية، ولكن لا يمكنها أن تكون “منزلا”، بل لا يمكن حتى للقصور خارج الضاحية أن تجعل هؤلاء الناس يشعرون بالراحة الكاملة، فالضاحية بكل مشكلاتها هي بيتهم الدافئ المريح.

محمد شمس الدين- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة