استهداف الجيش منسق وموجه: فتش عن الرئاسة…وإسقاط آخر حصون الدولة
تهديد قاسم المبطن: لماذا يشنّ حزب الله حملة على الجيش؟
قبل أن يخرج الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم بالأمس (الأربعاء) ويطالب الجيش اللبناني “بأن يُعلمنا موقفه من الحادثة”، قاصداً خطف القبطان البحري عماد أمهز من البترون، كان اللبنانيون يظنون أن التصويب على الجيش، في الفترة الأخيرة، رعونة أفراد أو “فشة خلق” أو حتى حسابات مصلحية ورهانات سياسية صغيرة.
لكن مع خروج قاسم بالأمس ليقول: “أنا اليوم لن أتهم، لكن أطالب الجيش أن يصدر موقفاً وبياناً يبيّن لماذا حصل هذا الخرق…”، تيقن كثيرون أن استهداف الجيش وقائده في الأيام الماضية لم يكن عشوائياً، بل منسقاً وموجهاً.
أجّل قاسم اتهامه لكنه أوحى به. وهو ما أثار في الكثير من الأوساط السياسية والشعبية مزيجاً من الاستياء والقلق وأيقظ الهواجس والمخاوف.
فصل خطير
باستثناء “حزب الله” ومن يدور في فلكه اللصيق، لم ترَ القوى السياسية في موقف قاسم، وما سبقه من تحريض ضد الجيش وصل حدّ التهديد بانقسامه، سوى فصل خطير من فصول محاولات تدمير لبنان. تتنوع “التعابير” في رفض استهداف المؤسسة العسكرية، وتتراوح بين الحدّة والديبلوماسية وتدوير الزوايا، لكنها تجمع على إدانة استهدافها كونها، أقله، من آخر مظلات الدولة الموحّدة.
لماذا إذاً يشنّ حزب الله حملة على الجيش؟ وكيف يمكن أن تُفهم هذه الحملة وسط الحرب والظروف الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها لبنان؟
ليس في تحليل موقف قاسم لدى القوى السياسية المتنوعة المعارضة للحزب والحرب، من قراءة إيجابية.
توقيت الكلام، و”المناخ” الذي يحاول الحزب ومن معه خلقه ضد الجيش، شديد الخطورة على البلد. وأي سيناريو في قراءته لا يقود إلاّ إلى بؤس النتائج.
قاسم الذي طالب الجيش ببيان وموقف “حتى ولو قال أنه لم يكن قادراً أو كان عاجزاً…”، يريد من خلال ذلك تكرار النغمة التبريرية حول سبب وجود حزب الله ودوره الذي “يحمي ويبني” وسط العجز الرسمي. وقد شهد اللبنانيون نوع “الحماية والبناء” الذي أنجزه ويواصل العمل عليه!
فتش عن الرئاسة
وفي موازاة هذه القراءة يذهب بعضهم في اعتبار تهديد قاسم المبطن، وما رافقه من انتقادات وتهديدات من المقربين من الحزب، محاولة للّعب على الغرائز ودفع الجيش، لأسباب مختلفة، إلى الانخراط في حرب غير متكافئة تضعفه وتدمّر قواه. ولاحقاً، حين يأتي “اليوم التالي” للحرب، وتبرز الحاجة لدور المؤسسة العسكرية الشرعية في الإمساك بأمن البلد من الحدود إلى الداخل، لا يسمح واقعها بذلك، بل يتساوى الجيش بعجزه مع الحزب. بالتالي، ووفق المنطق المتهالك والمكرر لحزب الله، لا يمكنه تسليم سلاحه لجيش ضعيف ولا بد من إعادة بناء قوته والاحتفاظ بسلاحه.
ولا يسقط من حساب قاسم وحزب الله أن قائد الجيش العماد جوزف عون هو، اليوم، المرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية. مرشح تثق به دول كثيرة و”تأتمنه” على المساعدات للجيش. وهذا، على بداهته، ليس تفصيلا في لبنان. بالتالي، “الثقة” معطوفة على الحاجة العميقة للجيش للمّ البلد بعد انتهاء الحرب والإمساك بالأمن واستعادة السلطة والإمرة من الحزب لصالح الدولة، تزيد من حظوظ عون. وهو ما لا يتحمس له حزب الله، طالما أن عون لم يسمح بأن يكون، لا هو ولا الجيش، “شركة مساهمة” لكل فريق فيه أسهم، مع أرجحية مطلقة للحزب.
ليس الجيش وأفراده وضباطه وقياديه فوق الانتقاد والمساءلة. وقد ارتكب بعض من كانوا على رأس قيادته، في سبيل الانتقال من اليرزة إلى بعبدا، الكثير من الأخطاء والخطايا لا يزال البلد يدفع ثمنها انحداراً إلى جهنم “الموعودة”.
لكن ما يقوم به الجيش منذ الانهيار الكبير إلى اليوم، ومحاولاته الصمود في أحلك الظروف الأمنية والاقتصادية والإجتماعية، والإبقاء على الثقة الدولية بإحدى مؤسسات الدولة، يجعله من آخر حصون وحدة الدولة، الذي خبر اللبنانيون، ولا يزالون، معنى أن تسقط وتنهار.
دنيز عطالله-المدن