أهل الضاحية يتسللون اليها و”يلاعبون” الحرب: “الرزق” الخطر بجوار الرُكام!
شبح الحرب الذي ألقى بظلّه الثقيل على أهالي الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت، كان له وطأةً على كل جوانب حياتهم. فهؤلاء الذين كانوا منذ أقلّ من شهر، يُمارسون “مهنة العيش” على مضض وبتوجس، قد صاروا عاطلين عنها، بانتظار الانفراجة المؤجلة، الّتي ستحمل لهم بوادر العودة إلى أحيائهم وبيوتهم ومصالحهم التجاريّة الّتي هجروها.
أما اليوم ومع دخول أصحاب المحلات التجارية في “البطالة” للأسبوع الثالث، ضاقت سُبل معيشتهم في ظل هذه الظروف، وقرروا إعادة حياتهم الطبيعيّة والتجاريّة مُتجاهلين الدمار والرُكام والغارات الإسرائيليّة المُباغتة.
التسلّل إلى الضاحية
عمليًا، لم تُفرغ الضاحية من قاطنيها بشكل كليّ، فالمنطقة شهدت نزوحًا تدريجيّاً. وفي كل صباح، بعد مساء عاصف من الغارات الإسرائيليّة، يزور الأهالي منطقتهم. يتفقدون بيوتهم ومحالهم التجارية والدمار الناتج عن الغارات الإسرائيليّة الأخيرة. يتساعدون في رفع الرُكام المُنتشر في المنطقة المُحيطة بهم، وكأنهم بذلك يريدون التخلص من آثار الحرب وإعادة الحياة الطبيعية ولو بشكل جزئيٍ.
في هذه المنطقة، عشرات الأسواق التجارية التي تضم مئات المحلات. متاجر ضخمة، وأسواق مخصصة لبيع البضائع بالجملة. وغالبية أصحاب المتاجر، لا يملكون سواها. لذلك، كان صعبًا عليهم، في ظل الأزمة المالية التي يُعاني منها الشعب اللبناني منذ حوالى الأربع سنوات، استمرار إغلاق محالهم التجارية لأكثر من ثلاثة أسابيع والدخول في نفق البطالة، فقرر بعضهم العودة إلى محالهم وبيع بضائعهم بالقرب من الغارات الإسرائيليّة.
“الرزق” الخطر
في منطقة الشياح، قرّر صاحب صالون الـ”Dido” فتح أبواب محله. يقول لـ”المدن”، “غادرت المنطقة منذ حوالي الأسبوعين نحو مدينة بيروت، نتواصل والزبائن كل يومٍ، وأبلغتهم أن الصالون صار جاهزًا لاستقبالهم”. ويتابع: “يزورني بشكل يوميّ حوالى الأربعة زبائن، لكن عدد الزبائن يتقلص مع ارتفاع وتيرة القصف في الضاحية، وبسبب الظروف الاستثنائية، بعض الزبائن يرفضون الحضور للصالون، فأحمل المعدات وأتوجه لمنازلهم”.
يستقبل صالون “Dido” الزبائن بحسب المواعيد المُتفق عليها. وأبواب المحل تُفتح لساعتين فقط خلال النهار، حسب توفر التيار الكهربائي. وفي حال عدم توفر الإشتراك، أقوم بقص شعر الزبائن على باب المحل وتحت ضوء الشمس”.
أما في منطقة المريجة، التي تعرضت لغارات عنيفة لأيام عديدة، يحاول أصحاب المحلات إحياء منطقتهم وبث الحياة فيها. وفي حديث خاص لـ”المدن” مع أحمد، وهو صاحب تعاونية غذائية في المنطقة، يوضح لـ”المدن”: “قررنا العودة لمتجرنا لبيع بضائعنا. لم نعد قادرين على استمرار إقفال المحلات، لذلك بدأنا بفتح أبواب المحل لثماني ساعات يوميّة”.
دورة عمل جزئيّ
وحسب معلومات “المدن” فإن أهالي المنطقة يترددون بشكل يوميّ لتفقد منازلهم ومحلاتهم. يتعايشون مع الحرب و”يلاعبونها”. ولحظة وقوع الغارة الإسرائيلية، يغادرون المنطقة، وفي اليوم التالي، يزيلون الردم ويفتح بعضهم محلاتهم. يخبر أحمد: “الكثير من المحلات تمتلىء بالبضائع، لذلك قرر بعضهم فتح محلاتهم وبيع ما بداخلها. وخلال الأيام التي توقف فيها القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية، بدأ أهالي المنطقة يفكرون بالعودة إلى بيوتهم، وترددوا على متاجرنا. كانوا سعداء بإعادة إحياء المنطقة ولو بشكل جزئيّ.
أما في منطقة المنشية، حيث يملك محمد ملحمة “الملوك الحديثة”، فيُحيط الدمار بالمنطقة بأكملها وبالملحمة أيضًا. لكن تحليق أسعار الايجارات في مدينة بيروت وأطرافها دفع به لإعادة فتح أبواب الملحمة وتفعيل خدمة الديليفري لزبائنه. ويقول لـ”المدن”: “نملك ملحمتين في المنطقة، أغلقنا لمدة أسبوعين بشكل كامل، وفتشنا عن محل للإيجار في بيروت. الأسعار مرتفعة جدًا، لذلك اتخذنا قرارًا بالعودة إلى المنطقة وفتح الملحمة، ولكننا بحاجة إلى التيار الكهربائي، فأوصلنا شبكة الطاقة الشمسية بالمحل، كي نتمكن من تشغيل الآلات، وأبلغت زبائني برسالة نصية أن خدمة الديليفري متوفرة، واليوم ذبحت خاروف صغير ولبيت طلبات زبائني في بعبدا وبيروت”.
وحسب معلومات “المدن” فإن عددًا من الأفران فتحت أبوابها أيضًا، وبدأت ببيع المناقيش للسكان الذين يزورون بيوتهم يوميًا.
في السياق نفسه، يروي جميل بزي لـ”المدن” أسباب قراره بالعودة إلى محله، وهو مصفف شعر يملك صالونًا في منطقة الضاحية الجنوبيّة، ويقول: “تواصلت مع زبائني وأبلغتهم بقرار فتح أبواب الصالون”. “استقبل الزبائن خلال ساعات معينة في اليوم الواحد، وحين تبدأ الغارات العنيفة نبتعد عن المنطقة لليوم التالي”. ويتابع بزي: “وافق بعض زبائني على الحضور للمحل، فإن أسعار الحلاقة في بيروت وأطرافها تعتبر مرتفعة بالنسبة للأسعار المتواجدة في الضاحية الجنوبية، والأهالي يحاولون تقليص مصاريفهم اليومية”. ويضيف: “خلال الأيام الخمس الماضية، عادت الحياة تدريجيًا للضاحية الجنوبيّة، حاول أبناء المنطقة إخراج لوازمهم من داخل المنازل، كما حاول أصحاب المحلات فتح متاجرهم، لذلك بدأت أتفق مع الزبائن على ساعات معينة لزيارة محلي، ويبدو أن الحرب طويلة، وعلينا التعايش مع هذه الظروف بانتظار إنتهاء الحرب”.
فرح منصور- المدن