بروباغندا بأقل ثمن: ما سرّ الهجوم على لقاء معراب 2؟
منذ إعلان “القوات اللبنانية” مساء الأربعاء الفائت عن تنظيم مؤتمر سياسي في معراب تحت عنوان “دفاعاً عن لبنان”، بدأت حملة مركّزة عليه من محور الممانعة وخصوصاً الشخصيات الاعلامية التي تدور في فلك “حزب الله” ووسائل إعلامه، وهذا أمر بديهي توقّعته “القوات” نظراً إلى أن “الحزب” لا يزال يخوض الحرب بالوكالة عن إيران وتحت إشراف مباشر من قياديين إيرانيين بعد إغتيال أمينه العام حسن نصر الله وبعض المسؤولين الآخرين من الصف الأول كهاشم صفيّ الدين.
التزمت “القوات” الصمت السياسي لأكثر من أسبوعين احتراماً للضحايا وجسامة الأحداث التي حصلت وصولاً إلى اغتيال نصر الله، وظنّ “الحزب” أن معراب ستبقى صامتة بل أراد ذلك، حرصاً على ألا يخرج الأمر عن المواقف الكلاسيكية المتضامنة.
وأكثر ما كان يقلق “الحزب” ومرجعيته الايرانية هو الحراك الدولي بإتجاه تطبيق القرار 1559 الذي سيؤدي إلى نزع سلاحه، وأول ما تبادر إلى ذهن “الحزب” عندما سمع بلقاء معراب 2 أنه سيلاقي المطالب الدولية بتطبيق هذا القرار، علماً أن معراب تستغرب عدم فهم “الحزب” للمتغيّرات وسيره عكس اتجاه الرياح، ولو أنها تعرف أن ما يبرر قراراته وأداءه هو النظام الايراني وبالتالي ليس هناك اليوم من يقرّر في “الحزب” بعد رحيل نصر الله الذي كان له دور أساسي في إدارة الصراع.
نظّمت “القوات” لقاء معراب1 منذ أشهر، وكان عنوانه القرار 1701 ومن تسعفه ذاكرته لا بد من أن يتذكّر أن رد فعل محور الممانعة و”الحزب” كان مشابهاً من خلال رفضه البحث في هذا القرار واعتباره مطلباً اسرائيلياً، بحيث وُجّهت إلى “القوات” الانتقادات نفسها، ولو أصغى “الحزب” إلى نداء “القوات” لما كانت حصلت كل هذه المآسي. والمفارقة أن ما كان مطلوباً آنذاك ليس كبيراً بل التراجع 10 كيلومترات إلى ما وراء نهر الليطاني، وكانت الولايات المتحدة الأميركية تُكثّف مبادراتها عبر موفدها آموس هوكشتاين لإنقاذ لبنان، واسرائيل كانت موافقة، وبقي “الحزب” على موقفه الرافض حتى إنزلق إلى حرب كبيرة غالباً ما حذّرته منها “القوات” خوفاً على لبنان.
لكن هل فعلاً “القوات” تلاقي الخارفي بمطلبه؟ حتماً لا، لأن معراب تعتبر أن هذا المطلب لبناني دستوري وشرعي بالفعل، وأسلوب الممانعة نفسه سيتكرر في لقاء معراب 3 أي انتقاد “الشكل”، فهؤلاء المنظّرون الممانعون يستهدفون اللقاء في معراب لإظهاره ضعيفاً وهشاً في التمثيل بهدف إفقاده مشروعيته وإثارة الغبار السياسي كي لا يسمع أحد المطالبة بتنفيذ القرار 1701.
لا يبدو أن معراب مهتمة بهذه الانتقادات، فهي لم تطرح هذا اللقاء كجبهة معارضة إنما للتداول مع بعض القوى السياسية وقادة الرأي، بدليل أن كل من تمت دعوتهم لبّوا الدعوة وشاركوا في اللقاء شخصياً أو عبر ممثليهم، وكان كلام رئيس “الكتائب” النائب سامي الجميّل منصفاً عندما قال: “ان معراب لديها حيثيّتها وحضورها في المعارضة وقد أرسلت ممثلين للمشاركة في اللقاء لأنه يتعذّر عليّ ذلك بسبب دواع أمنية”. لذلك هذا الهجوم لن يثني قيادة “القوات” عن تكرار هذه التجربة لأنه لا يمكن الاستمرار على هذا المنوال ويجب تطبيق كل القرارات الدولية 1701 و1559 و1680 والدستور اللبناني لجهة نزع سلاح كل الميليشيات، وخوف الممانعة اليوم هو من تلاقي هذا المطلب اللبناني مع المطلب الدولي فتصبح هناك قدرة على التنفيذ كما تلاقت الإرادتان الداخلية والخارجية لإخراج الجيش السوري عام 2005، وبالتالي أسوأ ما يمكن أن يحصل لـ”الحزب” هو توسّع مروحة هذه المطالب التي تشكّل خطراً على وجوده.
تعلم معراب أن الجبهة اللبنانية العابرة للطوائف قد يكون تأثيرها أكبر وتشكّل خطراً أكبر على مشروع “الحزب” المستمر في سلبيته مع التدخلات الايرانية الوقحة في الشأن اللبناني، لكن الجميع يعرف أن الظروف غير مؤاتية لتشكيل مثل هذه الجبهة الكبيرة للأسف، فالحزب “التقدمي الاشتراكي” يعتبر أن مثل هذه الجبهة تشكّل خطراً على الوضعية الدرزيّة في الجبل، والوضعيّة السنيّة تفتقر إلى مرجعيتها الأساسية المتمثّلة بالرئيس سعد الحريري الذي علّق نشاطه السياسي حتى إشعار آخر، وبالتالي هل يُفترض بـ”القوات اللبنانية” التزام الصمت والكفّ عن الحراك السياسي للمطالبة بما هو حق للبنانيين كي يرتاحوا من الموت والدمار والنزوح؟
قد يعتبر كثر أن لقاء معراب 2 لن يغير شيئاً، إلا أن الحملة الشعواء التي تعرّض لها من محور الممانعة ولا تزال قائمة حتى اليوم، تُثبت أنه يسير على الطريق الصحيح، ولا شك في أن اقلام الممانعة ومنابرها وحملاتها تخدم “القوات” وتُعتبر بروباغندا ناجحة لها بأقل ثمن، وخصوصاً أن الشعب اللبناني يزداد يوماً بعد يوم قناعة بضرورة نزع سلاح “الحزب”، وقد جاء لقاء معراب 2 ليرفع الصوت حول هذا المطلب الذي يريده اللبنانيون ويتكلمون به همساً، نتيجة الخوف من ردود فعل “حزب” وضع نفسه بالكامل في خدمة إيران ومخططاتها ومصالحها.
جورج حايك- لبنان الكبير