أليست هذه الحرب التي قلنا لكم “بلاها”؟*
كتب داني حداد :
يظهر أفيخاي ضاحكاً فوق الجثث، كأنّه من وحوش القرون الوسطى الذين كنّا نقرأ عنهم. يحذّر: “سنقصف هنا”… تمرّ الدقائق وتنهال الصواريخ. دمارٌ وموتٌ، وانفجار ذخيرة بين المنازل. مجتمعٌ بُني على حربٍ هنا. مجتمعٌ بُني على حقدٍ هناك.
في مثل هذا اليوم، قبل عام، فرحنا بمشهد انكسارٍ إسرائيليّ. في اليوم التالي، بدأنا التحذير: لا للحرب. إيّاكم والدخول فيها. لا نتحمّل. لا قدرة لنا على الصمود. كان الجواب تخويناً. سمعنا كلاماً عن الكرامة. بتنا، نحن أنصار اللا حرب، بلا كرامة. حسناً، بات أنصار الحرب اليوم بلا بيوتٍ، وبلا قادة، وبعضهم بلا مأوى، وبلا أحبّاء سقطوا تحت آلة القتل الإسرائيليّة. وباتوا مع راعٍ إقليميّ يقول لهم اذهبوا إلى موتكم وحدكم. لن نحارب أميركا. “الشيطان الأكبر” يجلس معنا على الطاولة. نتفاوض ونشرب القهوة الأميركيّة ونحدّد مصير الشعوب ونُعدّ لهم تواريخ موتهم. أفيخاي يتكفّل بالإعلان.
وبعد، نتعاطف مع كلّ نازح، ونفتح له البيت والقلب، انطلاقاً من مسيحيّتنا أولاً ووطنيّتنا ثانياً. نفتح له البيت، وإن سمعنا صوتاً يقول “منفرّجيكن بس تخلص الحرب”. نفتح له البيت، وإن سمعنا تهديداً بالقتل. نفتح له البيت، وإن قرأنا في “الأخبار” مقالاتٍ طائفيّة تجعل من صحيفةٍ لا يليق بها إلا أن توضع في أسفل أقفاص العصافير، “ليعملوها عليها”.
كنّا نتمنّى ألا نبلغ ما بلغناه. كان يمكننا أن نتجنّب ذلك. كان يمكن ألا يخرج من يهدّد اللبناني الآخر بسلاحه. كان يمكن عدم عرقلة الانتخابات الرئاسيّة “إن لم يُنتخب مرشّحنا”. كان يمكن ألا نتبع أجندا خارجيّة تتخلّى عنّا وفق مصالحها. كان يمكن ألا يتمرجل لبنانيٌّ على آخر، وألا يهرّب عبر الحدود والمرافئ والمطار، وألا يتهرّب من دفع رسوم، وألا يقول “اللي مش عاجبو يفلّ”، أو “متل ما بدّا إجرو للسيّد بدّو يصير”. كان يمكن ألا نكون جزءاً من ساحات، لينتهي بنا الأمر وحدنا في الساحة. كان يمكن ألا نُتّهم بالعمالة، ليظهر أنّ العملاء يتواجدون في بيئة المتّهِمين.
لو حصل ذلك كلّه لما دُمّر الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيّة. ولما استشهد أكثر من ألفي لبناني. كان يمكن، بدل أن نصنع “فادي” و”رعد”، أن نبني وطناً. كان يمكن، بدل حفر الأنفاق، أن نبني طرقات وجسوراً وإدارات. كان يمكن، بدل أن ننفق على التسلّح، أن نبني مدناً منظّمة بدل الأبنية العشوائيّة في الضاحية الجنوبيّة. كان يمكن أن نعيش بكرامةٍ واستقرارٍ ورفاهيّة معاً، لأنّ هذه لا تمنع تلك.
ربما لا ينفع هذا الكلام اليوم، ولن يغيّر شيئاً في العقول التي غُسلت طيلة عقود. ولكنّ هذا الكلام دعوة إلى عودة إلى الوطن. كفى استقواءً لطائفة على أخرى، فمن استقوى في الساب�