خفايا حرب تكنولوجية أدت إلى اغتيال قادة “الحزب” بدقةٍ وقوةٍ ساحقة!

احتمال اندلاع حرب شاملة يلوح في الأفق أكثر من أي وقت

في شبكة الصراعات المعقّدة في الشرق الأوسط، برز استهدافُ إسرائيل المستمر لقادة «حزب الله» في عملياتٍ استخباراتية ناجحة بشكل خاص.

على مر الأعوام، كان الحزب الذي تربطه علاقات عضوية عميقة بإيران، يفاخر بالسرية والأمن المحيطيْن بقيادته. ومع ذلك، تمكنت إسرائيل من اغتيال بعض كبار قادته، وفي بعض الأحيان حتى أسقطت تفاصيل أمْنهم بالكامل، رغم التدابير الوقائية الصارمة.

السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تحصل إسرائيل على مثل هذه المعلومات الدقيقة حول مكان وجود كبار قادة الحزب؟

يقترح العديد من الخبراء وجود مصادر استخبارات بشرية – جواسيس داخل صفوف «حزب الله» – لكن التحليل الأعمق للاغتيالات الأخيرة يكشف عن طريقة أكثر تطوراً للتسلّل.
فنظرية وجود جاسوس داخل الحزب مُقْنِعة ولا يمكن رفضها بالكامل.

ولسنوات عدة، كانت هناك تكهنات بأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، لاسيما «الموساد» وأجهزة الاستخبارات «أمان»، تمكنت من التسلّل إلى إيران واختراق الحزب.

ويمكن لمصدر موثوق به من الداخل أن يوفّر معلومات عن خط إمداد دقيق لصواريخ الحزب ومواقع ومسارات كبار القادة، ما يُسهّل على إسرائيل تنفيذ ضربات جِراحية.

والدقة التي تم فيها استهداف قادة الحزب دفعت الكثيرين للاعتقاد أن نجاح تل أبيب لا يمكن أن يستند فقط إلى اتصالات تم اعتراضها أو صور الأقمار الاصطناعية، والتي قد تكون غير دقيقة أو متأخّرة.

ومع ذلك، تشير الاغتيالات الأخيرة إلى أن الاستخبارات البشرية قد لا تكون المصدرَ الأساسي للمعلومات. فغالباً ما كان قادة «حزب الله» الذين قُتلوا في طريقهم، ينتقلون إلى مواقع جديدة غير معلَنة في لبنان.

وتشير حقيقة تعرُّض هؤلاء القادة لكمين بعد وقت قصير من وصولهم إلى وجهاتٍ آمنة إلى أن قدرات الاستخبارات الإسرائيلية تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد بلاغ من الجواسيس. ويكمن أحد التفسيرات الأكثر ترجيحاً لاستهداف إسرائيل الناجح للقادة في قدرتها على اعتراض الاتصالات الخاصة.

والحزب يعتمد على أدوات اتصال مختلفة، من الهواتف المحمولة وأجهزة النداء وأجهزة الراديو والخطوط الأرضية. وتاريخياً، حققت إسرائيل نجاحاً كبيراً في استغلال هذه الأنظمة.

وخلال حرب 2006، فكّكت تل أبيب نظام اتصالات أجهزة النداء للحزب، والذي كان يُعتبر في ذلك الوقت أحد أكثر وسائل الاتصال أماناً لدى المجموعة.

ومن خلال اختراق هذا النظام، اكتسبت إسرائيل بعض البصيرة في حركة الوحدات وانتشارها.

وفي الأنظمة الأكثر حداثة، يمكن لأجهزة النداء دمْج بروتوكولات التشفير لحماية محتويات الرسائل. ومع ذلك، حتى مع التشفير، لاتزال نقاط الضعف موجودة إذا كان التشفير ضعيفاً أو تم تنفيذه بشكل غير صحيح.

«ايكوم في 84»

كما أدى ذلك إلى اختراق تردُّد الراديو «ايكوم في 84»، وهو منصة اتصال أخرى يستخدمها الحزب بكثافة، ما أجبر المجموعة على إعادة النظر في أساليبها. وبعد ذلك، تحوّل الحزب مرة أخرى إلى استخدام الخطوط الأرضية، معتقداً أنها أكثر أماناً. ومع ذلك، أثبتت إسرائيل قدرةً على الوصول حتى إلى شبكة الاتصالات الآمنة، ما شكّل نكسة كبيرة أخرى للحزب.

ومَنَحَ اعتراضُ الاتصالات الأرضية إسرائيل قدرةً غير مسبوقة على الوصول إلى البنية التنظيمية.

فقد تمكّنت تل أبيب من رسم خريطة لتكوين الوحدات المختلفة، وتحديد قادتها، ومواقع المكاتب والمنازل الحيوية. وكان هذا الاختراق في الاتصالات مدمّراً للحزب، حيث سمح لإسرائيل بضرب قلب قيادته وعملياته بدقة مثيرة للقلق.
وفي الاغتيالات الأحدث، أصبح من الواضح أن القدرة على تعقُّب وقتل قادة «حزب الله»، فورية تقريباً.

المسيّرات

ويمكّن استخدام الطائرات من دون طيار والتكنولوجيا المتقدمة إسرائيل من مراقبة الاتصالات في الوقت الحقيقي. فعندما يقوم قائد من الحزب (أو فريق حمايته) بإجراء مكالمة هاتفية للإبلاغ عن وصوله سالماً إلى موقع جديد، غالباً ما تكون المسيرات على بُعد دقائق فقط، ومستعدّة للضرب.

وإذا اعتُبر الهدف مهماً بما فيه الكفاية، فقد تستدعي إسرائيل طائرات مقاتلة لتدمير مبانٍ بأكملها، كما فعلتْ في حالتين بارزتين تضمّنتا قنابل ضخمة خارقة للتحصينات.
وقد وقعت إحدى هذه الضربات عندما اغتالت إسرائيل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، إلى جانب فريق التخطيط للحرب.

ونُفذت الضربة بـ 85 طناً من المتفجرات، وهي حمولة مدمّرة استهدفت مخبأ تحت الأرض يُعتقد أنه يضمّ نصرالله وعشرات المدنيين الآخَرين في المجمع نفسه.

وفي الهجمة الأحدث والتي استخدمت فيها 75 طناً من المتفجرات، استهدفت إسرائيل اجتماعاً آخر لكبار القادة، بما في ذلك السيد هاشم صفي الدين، الخليفة المحتمل لنصرالله.

ورغم أن الحزب لم يؤكّد التقارير التي تتحدث عن استشهاد صفي الدين، فإن الضربة تثبت القدرة على تنفيذ مثل هذه العمليات بدقةٍ وقوةٍ ساحقة.

وهذا يشير إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية قادرة على التحقق بسرعة من موقع الأهداف ذات القيمة العالية وإطلاق ضربات بطائرات من دون طيار أو طائرات نفاثة في غضون دقائق أو شنّ هجوم بقنابل معزَّزة ضخمة في غضون ساعات.
وبالنسبة للحزب، فإن تداعيات هذه الاغتيالات تتجاوز فقدان القادة الأفراد. فقد تضرّرت قوة الردع التي اكتسبتْها المنظمة – والتي زرعتْها منذ صراعها مع إسرائيل في 2006 – بشكل كبير لكنها لم تُدمّر.

وتعتمد قدرةُ الحزب على إبراز قوته والحفاظ على نفوذه في لبنان والمنطقة الأوسع على براعته العسكرية وحصانته المتصوَّرة.

وقد هزّ التهديدُ المستمر بهجمات المسيرات والاغتيالات صورةً الحزب التي كان يسود اقتناعٌ حتى الأمس القريب محلياً بأنها لا تُقهر.

وهذا غذّى بالفعل الانتقادات المحلية، حيث رأى العديد من الأحزاب اللبنانية، التي تُعارض هيمنة الحزب العسكرية، في هذه الهجمات فرصةً لتراجع نفوذ «حزب الله» وأمنه.

الدعم الإيراني

ومع ذلك، من السابق لأوانه الاعتقاد أن الحزب قد هُزم، خصوصاً عندما تواجه قواته عشرات الآلاف من أقوى جيش في الشرق الأوسط في جنوب لبنان.

فرغم النكسات، لدى الحزب حلفاء أقوياء. وقد تعهدت إيران، التي دعمت الحزب لأكثر من أربعة عقود، بالوقوف إلى جانبه.

وأكد المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، في خطبة الجمعة، التزام إيران بالمقاومة، ووعَد بأن «حزب الله» لن يتراجع في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

كما زار وزير الخارجية عباس عراقجي لبنان بعد فترة وجيزة، مؤكداً أن إيران ستواصل تزويد الحزب بالمخططين والمعدات والدعم لإعادة بناء قدراته.

ويؤكد هذا الالتزام على العلاقة الإستراتيجية العميقة. وفي حين يُصارع الحزب مع خسارة قياداته الرئيسية وتَعَرُّض أنظمة اتصالاته للخطر، تظلّ طهران شريان حياة حيوياً، حيث إنها لا تقدم الدعمَ المادي فحسب، بل أيضاً المشورة الاستراتيجية والخبرة العسكرية.

ولاشك في أن اغتيال كبار القادة يُشكّل فصلاً جديداً في الصراع الطويل الأمد بين «حزب الله» وبين إسرائيل. وعلى الرغم من الخسائر الفادحة، تواصل قوات النخبة الاشتباك مع القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، من دون أن يردعها تدميرُ مخابئ الصواريخ والهياكل القيادية.

«حرب شاملة»!

ومع ذلك، يستعد الجانبان لِما قد يكون مرحلة أكثر كثافة من الصراع. ومع إضعاف الحزب، ولكن ليس هزيمته، وعزم إسرائيل على تحييد تهديد المجموعة، فإن احتمال اندلاع حرب شاملة يلوح في الأفق أكثر من أي وقت.
ورغم أن قيادة الحزب وأنظمة الاتصالات تظلّ عرضةً للخطر، إلا أنه ومع استمرار دعم إيران، قد تجد المجموعة طرقاً لمعاودة تجميع صفوفها والانتقام.

الأيام الصعبة تنتظرنا، حيث يبدو أن إسرائيل و«حزب الله» عازمان على الخروج منتصرين في هذا الصراع الطويل والمرير.

ولدى إسرائيل الغازية خيار التقدم إلى داخل الأراضي اللبنانية في وقت ما، ولكن ليس ترسيخ وجودها لفترة طويلة.

وعلى النقيض من ذلك، فإن «حزب الله»، صاحب الأرض، ليس لديه خيار آخَر سوى القتال والانتصار أو الموت في ساحة المعركة.

“الراي” الكويتية

مقالات ذات صلة