إعادة بناء هيكلية “الحزب”…مكنته من إبقاء جهوزيته القتالية

لا شك في أن إغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله يمثل ذروة الاستهداف الاسرائيلي منذ نشأة الصراع بين إسرائيل و”حزب الله”، فالشهيد يشغل منصب الأمين العام منذ العام 1992، بعد اغتيال عباس الموسوي الأمين العام السابق والثاني في عمر الحزب، بحيث تمكن طيلة الفترة التي تحمل فيها مسؤولية الأمانة العامة بكل أثقالها ومخاطرها، من أن يتحول إلى رمز مرجعي داخل الطائفة الشيعية في لبنان وخارجه، على الرغم من صغر سنه، بعدما تمكن لما تمتع به من مواصفات “كاريزماتية”، من جعل جمهوره يلتف حوله كمرجعية دينية (عقائدية وفكرية) وسياسية وجهادية، الأمر الذي جعله يرتقي إلى كبار المرجعيات الشيعية سواء في النجف الشريف أو في قم، هذا بالاضافة إلى موقعه ودوره السياسي المحوري التقريري لبنانياً وإقليمياً. فالشهيد نصر الله كان يعتبر قائد التأسيس الثاني للحزب، الذي انتقل به من تنظيم لامركزي نشأ ضمن مجموعات مسلحة متناثرة في الجنوب، إلى تنظيم مؤسسي متعدد القطاعات يزاوج بين العمل العسكري والسياسي والأهلي والدعوي والاقتصادي أيضاً.

بعد الضربات القاسية التي تلقاها “حزب الله” وأدت إلى إغتيال كبار قادته وعلى رأسهم زعيمه حسن نصر الله، بالاضافة إلى إصابة عدة آلاف من قياداته الوسيطة في الهجمات المعروفة باسم عملية “أجهزة البايجر”، مرّ الحزب بحالة ارتباك واضحة، كانت تسعى إسرائيل من خلالها الى استغلالها، ليس من أجل دفع قوات الحزب نحو الليطاني كما كانت تطمح في السابق وحسب، بل ربما تسعى الى تصفية وجود الحزب في لبنان، على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك عملياً على المدى المنظور. كذلك، لا يمكن التقليل من أثر فقدان 4 من قادة المجلس الجهادي لـ “حزب الله”، من بينهم الأمين العام حسن نصر الله، بحيث أن هذا الوضع يترك آثاراً سلبية على جاهزية الحزب العملياتية والميدانية. كما أن هذه الاغتيالات أضعفت سلسلة القيادة التي كانت تتولى تنسيق العمليات والمواجهة مع إسرائيل، إذ إن الغياب المفاجئ لهؤلاء القادة سيؤثر بصورة كبيرة على الجاهزية الميدانية للحزب، لأن المجلس الجهادي، هو المجلس الذي يتولى مسؤولية إدارة عمل المقاومة، ويتألف من المسؤولين عن نشاطاته العسكرية والأمنية كافة، سواء كان ذلك من حيث التخطيط، الرقابة، التجنيد، التدريب، التجهيز، واتخاذ القرارات العسكرية والأمنية. كما يقيّم المجلس الظروف كافة التي يواجهها “حزب الله” في كل الساحات، ويقرر على إثر الدراسات والمعطيات المعمقة، استراتيجياته وتكتيكات أعماله العسكرية، كما يُحدد الخطوط العريضة للوحدات العسكرية، بتوجيه مباشر من الأمين العام ومجلس الشورى في الحزب.

لذلك، إن الاغتيالات كانت تفرض على الحزب إعادة هيكلة شاملة، وإعادة بناء بصورة كاملة، بعد تقييم دقيق للموقف واتخاذ قرارات سريعة لإعادة بناء القيادة، وتحديداً “المجلس الجهادي”، الذي بدأ الأمين العام قبل إغتياله بـ”غربلة” الأسماء لإعادة هيكلته، معتمداً على الأجيال الثانية والثالثة من الأعضاء الذين لم يتم اغتيالهم على يد الاسرائيليين، إذ إن الجيل الأول تمكن من تدريب وإعداد أجيال شابة وطموحة قادرة على تحمل المسؤولية في المستقبل، لكن إغتياله حال دون إتمام الهيكلة.

على الرغم من أن عملية الاغتيال الاسرائيلية لنصر الله تسببت في ضربة موجعة لـ “حزب الله”، إلا أنه نظراً الى طبيعة هيكله اللامركزي وعقيدته، تمكن الحزب من التعامل مع الواقع المستجد والتغلب على الإرباك والشلل، لجهة المباشرة الفورية بتسريع إعادة ترميم جسم الحزب وتوحيد صفوفه.

وفي موازاة ذلك، تمكن الحزب، على الرغم من غياب المجلس الجهادي، من الحفاظ على جهوزيته القتالية، لا سيما القوات البرية المنتشرة في سائر بلدات وقرى الجنوب والبقاع الغربي، التي لم تتأثر بصورة كبيرة بغياب القادة، نظراً الى بساطة الخطط الميدانية نسبياً، التي تعتمد على التصدي وتكبيد العدو الخسائر الممكنة، بحيث أن إحدى نقاط قوة “حزب الله” تكمن في هيكله العسكري اللامركزي، الذي على الرغم من الوزن الثقيل لقادته البارزين، إلا أنه لا يرتبط بقائد واحد فقط، كون الوحدات المحلية على صعيد القرى والبلدات تتمتع بمساحة من حرية القرار القتالي وفقاً لتقديراتها العسكرية.

وهنا ينبغي التذكير بأن “حزب الله” نشأ بصورة لامركزية من مجموعة من الخلايا المسلحة التي عملت في الجنوب لسنوات طويلة بشكل مستقل، ثم قررت في مرحلة ما أن تتوحد مركزياً لتباشر عملها على نحو أكثر احترافية، وهو ما يعني أن الصفة الطاغية على عمل الحزب على المستوى الميداني هي العمل المستقل المتوازي، الذي لا يخضع بالضرورة للتراتبية الهرمية التي تفترضها الجيوش النظامية.

“حزب الله”، الذي لا يزال خصماً قوياً لإسرائيل، بحكم قواته المقاتلة، وترسانته العسكرية الواسعة، بدليل معاودة قصفه للداخل الاسرائيلي بعمق أبعد وبصواريخ متطورة، فضلاً عن تصديه للتوغل الاسرائيلي البري، يملك القدرة على إعادة بناء جسمه التنظيمي والقيادي، على الرغم من الصعوبات التي يواجهها جراء القصف الاسرائيلي التدميري لبنيته وبيئته، إذ إن التحدي الأكبر بالنسبة اليه هو ملء الشغور في المواقع القيادية بعد الاستهداف المتواتر والسريع لأبرز قيادات الصف الأول والثاني من الجيل المؤسس، وهو ما أشار إليه نائب الأمين العام نعيم قاسم في ظهوره الأول بعد اغتيال نصر الله، اذ قال: “ان عميلة الاستبدال سلسة وتتم وفق الهيكل التنظيمي والخطط البديلة للأفراد والقادة التي وضعها نصر الله لملء الفراغات في حال الطوارئ”.

زياد سامي عيتاني- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة