هل بدأ «الحزب» بالتعافي…بعد زلزال اغتيال أمينه العام ؟
لوحظ أمس تكثيف «حزب الله» إطلاقاته الصاروخية نحو الكيان الاسرائيلي وصولاً إلى تل ابيب، ما يحمل رسائل عدة، لعلّ أكثرها بروزاً هو أنّ الحزب اجتاز شوطاً واسعاً نحو ترميم صفوفه، واستعاد جزءاً كبيراً من توازنه بعد زلزال اغتيال أمينه العام وما تولّد عنه من هزّات ارتدادية.
اكتسبت صواريخ «فادي 4» التي أطلقها «حزب الله» على تل أبيب أمس أهمية خاصة، ترتبط بدلالاتها ومغزاها في هذا التوقيت المفصلي.
ويمكن اعتبار هذه الصواريخ التي أصاب بعضها واحداً من الشوارع الحيوية في تل أبيب الكبرى، إشارة واضحة إلى أنّ الحزب يخرج شيئاً فشيئاً من صدمة استشهاد أمينه العام وقياديِّين آخرين، وأنّه آخذ في التعافي التدريجي بعد الضربات القاسية التي تلقّاها أخيراً، وكان أقصاها اغتيال السيد حسن نصرالله.
كما أنّ هذا الاستهداف الصاروخي المنهجي لتل أبيب وعدد من المستعمرات في الجليل يبدو ترجمة لخطاب نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، الذي أكّد أنّ منظومة السيطرة والقيادة لا تزال تتابع عملها، وأنّ العدو لم يتمكّن من المساس بالقدرات الصاروخية للمقاومة، خصوصاً تلك النوعية.
وبناءً عليه، تُبيّن الصواريخ على تل أبيب ومستوطنات الشمال انّ الحملة الجوية الإسرائيلية العنيفة لم تتمكن من تحقيق أغراضها العسكرية عقب أيام من القصف المكثّف والواسع، وأنّ اغتيال قيادات متخصِّصة بالقوة الصاروخية لم يعطّل مفاعيل تلك القوة.
وبهذا المعنى، تؤشّر الضربة على تل أبيب، والتي بدت الأقوى منذ بداية الحرب، إلى أنّ الحزب دشّن مرحلة جديدة من المواجهة، محاولاً استعادة زمام المبادرة، في دلالة إلى أنّه بدأ بالتأقلم مع واقعه الجديد، وأنّ القادة – البدائل الذين ملأوا الفراغات الطارئة باشروا في وضع بصماتهم على الميدان بعدما تسلّموا زمام الأمور.
وكان لافتاً أنّ الحزب أعلن عن أنّ عملية قصف عمق الكيان في ضواحي تل أبيب تأتي ضمن «سلسلة» عمليات خيبر، الأمر الذي يعني أنّ لها ما بعدها بالتأكيد، وأنّها ليست سوى البداية، كما صرّح مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب محمد عفيف.
واللافت أيضاً أنّ قصف تل أبيب على هذا النحو المؤثر هذه المرّة، ترافق مع إعلان العدو الإسرائيلي عن بدء عملية برية في المنطقة الحدودية من الجنوب، ما يوحي بأنّ «حزب الله» أراد أن يعطي انطباعاً بأنّه، وعلى الرغم من كل جروحه، يستطيع خوض المواجهة على الجبهتَين البرية والصاروخية معاً، وأنّه قادر على الإحاطة بمتطلبات إدارة الجبهتَين في آنٍ واحد.
وإذا كان الهدف من التوغّل البري هو حماية شمال فلسطين المحتلة وتأمين عودة المستوطنين إلى مستعمراتهم، فإنّ الحزب أراد أن يكرّس في الميدان المعادلة التي سبق له أن أطلقها، وهي أنّ صواريخ المقاومة كفيلة ليس فقط بمنع هؤلاء من العودة، بل بدفع آخرين أيضاً إلى النزوح أو إلى الملاجئ.
وغالب الظن، أنّ التحدّي الذي رفعه السيد نصرالله قبَيل استشهاده بأيام قليلة في وجه نتنياهو، بأنّه لن يستطيع إعادة المستوطنين من دون وقف العدوان على غزة، أصبح الآن أبعد من مجرّد موقف، وبات أقرب إلى أن يكون «وصية» بكل ما تحملها من تأثير معنوي وطابع إلزامي.
ومع ظهور الفرد الرابع من عائلة «فادي» الصاروخية، يكون «حزب الله» قد كشف ورقة إضافية من مخزونه، في حين أنّ الجزء الأكبر من الصواريخ الاستراتيجية، لاسيما تلك الدقيقة، لم يُستعمل بعد ربطاً بطبيعة مقاربة الحزب لمراحل المعركة وادوات كل منها، علماً أنّ الشيخ قاسم كان قد أكّد في خطابه أنّ «ما نقوم به هو الحدّ الأدنى كجزء من خطة متابعة المعركة، وبحسب تقديرنا والخطط المرسومة وما يتطلّبه الميدان»، الأمر الذي يفيد أنّ الحزب يأخذ في الحسبان أنّ الحرب قد تطول كثيراً وأنّه يجب أن يتصرّف على هذا الأساس، مفضّلاً الارتقاء المتدرّج في التصعيد تحسّباً لكل الاحتمالات، وذلك بمعزل عن مسألة الثأر من العدو لاغتياله السيد نصرالله، وهذه لها على الأرجح حساباتها الأخرى.
عماد مرمل- الجمهورية