العملية بدأت: ماذا تواجه اسرائيل في غزوها البري المحدود؟
تتجه الأنظار منذ 24 ساعة إلى الحدود اللبنانية الاسرائيلية، حيث يحشد الجيش الاسرائيلي ما يتجاوز المئة مدرعة وآلاف الجنود لتنفيذ غزو بري محدود للجنوب اللبناني، لذلك تساءل كثر عن معنى هذا الغزو وأهدافه، وخصوصاً أن الولايات المتحدة الأميركية أخذت علماً به ووافقت عليه.
من الواضح أن كلام الاعلام الحربي الاسرائيلي عن محدودية هذا الغزو هو تأكيد أن ليست هناك رغبة في احتلال الجنوب، بل هي عملية عسكرية لها أهداف محددة تنتهي خلال أيام معدودة. وهي بدأت فعلاً تواكبها عشرات المسيّرات التي تحلّق فوق القرى اللبنانية الحدوديّة على علو منخفض لرصد تحركات متوقّعة لمقاتلي “حزب الله”، وتحقيق أهداف هذا الغزو الذي أعلنت اسرائيل أنه لن يتجاوز الكيلومترين، إلا أن المعلومات تشير إلى أنها دمّرت مواقع تابعة لـ”الحزب” في بلدة عيتا الشعب، بل تحدّث الجيش الاسرائيلي عن تدمير أكثر من 700 هدف على الحدود مع لبنان من جهة وعمليات دهم لمواقع “قوة الرضوان” من جهة أخرى، كما عثر على خريطة ونفق يتجه نحو حدود اسرائيل بهدف غزو بلدات ظهرت على الخريطة.
هذا كلّه يؤشّر إلى أن العملية بدأت، فيما يحاول “الحزب” قصف الحشود الاسرائيلية العسكرية للضغط عليها وإجبارها على التراجع. وهو يؤكّد أن اسرائيل لم تتقدّم ولو شبر واحد داخل الأراضي اللبنانية!
في الواقع، ليس معروفاً ما إذا كانت هذه المعلومات والوقائع من الطرفين المتصارعين، تدخل في إطار البروباغندا الاعلامية والحرب النفسيّة أو باتت واقعاً ميدانياً لا يُمكن إنكاره، لذلك يؤكّد المحلل العسكري العميد المتقاعد جوني خلف أن “اسرائيل تقوم بما يسمّى استطلاع بالنار وفق المفهوم العسكري، أي عمليات كومندوس، تقتحم فيها مراكز معيّنة لتستجمع معلومات استخباراتية، أي تدخل إلى مواقع معيّنة ثم تنسحب ضمن مسافة الكيلومترين المحددة”.
وما يجري على الأرض حالياً يؤكّد كلام العميد خلف، فاسرائيل اقتربت من المناطق والقرى الحدودية لإستطلاع القدرات العسكرية لـ”الحزب”، وتستكشف عن قرب الأنفاق وعمقها ومخازن الذخيرة والمراكز المتحركة والخفيّة، وعندما يكتشف الجيش الاسرائيلي مثل هذه الأماكن يحاول أن يقضي عليها، بصرف النظر إذا نجح أو فشل.
لن تفشي اسرائيل خططها العسكرية، حتى أن القيادة لا تكشف للعسكر ما يجب فعله إلا في الساعة الأخيرة حرصاً على السريّة، وفق خلف، وقد يكون ضمن الخطة الاسرائيلية دفع “الحزب” الى إستخدام اسلحته حتى تتوضّح لها إمكاناته.
من جهة أخرى، لا يختلف إثنان على أن “الحزب” تلقى ضربات كبيرة ونوعيّة منذ شهر حتى اليوم بدءاً بأجهزة الاتصالات مروراً بـ “قوة الرضوان” وصولاً إلى اغتيال الأمين العام حسن نصر الله. ويرى خلف أن “هذا الأمر ضعضع الحزب على الصعيد العسكري وأضعف قدراته العسكرية، لكن بموضوعية قوة الحزب ليست محصورة في مكان مركزي، فهو تنظيم منتشر في كل الأراضي اللبنانية ولكل منطقة قيادتها وعملياتها ووسائل اتصالات خاصة بها”.
لا شك في أن كلام نائب الأمين العام نعيم قاسم عن انتظار “الحزب” للإلتحام البري يُعبّر عن ثقة “الحزب” بقدراته في الحرب البريّة إذ يعتبر أنه متفوّق على هذا الصعيد، ويلفت خلف إلى أن “الحزب يعرف جغرافية الجنوب أكثر والخنادق والأنفاق، في المقابل، قد تكون اسرائيل فكّرت في ما حضّره الحزب لها، وعملية الاستكشاف اليوم تدخل في هذا الاطار، يعني أنها أخذت في الاعتبار الإمكانات التي لا تزال موجودة لديه وما فقده نتيجة ضرباتها، وهدفها في النهاية تأمين الأمن والاستقرار لمستوطناتها كما تزعم”.
لكن هل المعركة ستكون لإرجاع “الحزب” إلى ما وراء الليطاني فقط؟ يجيب خلف: “لا أظن أن اسرائيل ستقبل بالقرار 1701 وعودة الحزب إلى ما وراء الليطاني فقط، إنما تريد شلّ قدراته العسكرية بالكامل وفي كل المناطق بحيث لا تعود لديه قدرة على تهديد أمن اسرائيل، لذلك أرى أنها معركة حياة أو موت بالنسبة إلى الحزب”.
في موازاة ذلك، قد يستخدم “الحزب” الكورنيت والصواريخ المضادة للدروع خلال عملية الغزو الاسرائيلي كما حصل في حرب تموز 2006، لكن خلف يعتبر أ”ن هذه الأسلحة قد لا تكون فعّالة مع اسرائيل هذه المرة، وربما تكون قد أعدت العدة لها بعد 18 عاماً وخصوصاً أن الجيش الاسرائيلي يُعتبر الأكثر تطوراً وحداثة في العالم، وهذا ما سنراه في الميدان قريباً”.
في النهاية ليس معروفاً ما إذا كانت مهمة اسرائيل في الجنوب اللبناني ستكون أسهل أو أصعب من قطاع غزة، لكن ما يؤكّده العميد خلف أن اسرائيل تعتمد سياسة الأرض المحروقة والتقدّم في المنطقتين، علماً أن القرى الحدودية اللبنانية تدمّرت، والمنطقتين مختلفتان جغرافياً، فغزة مدينة تكثر فيها المباني، أما المساحة الحدودية في الجنوب فهي مجرّد قرى ومساحات مفتوحة، هناك فرق كبير بين غزة والجنوب.
جورج حايك- لبنان الكبير