أخبار مضللة مسنودة الى “مصادر عبرية”: في الحرب على لبنان…الأدوات كلها مُباحة
شنّت إسرائيل إذاً حربها موعودة على لبنان، كل لبنان، متذرعة بما تسميه “خطر حزب الله”. شاع نقاش حول تفوّق إسرائيل في القدرات التكنولوجية، إذ يعتبر البعض أنّ الفجوة الكبرى في الحرب هي الفجوة التكنولوجية بين إسرائيل و”حزب الله”. لكن الحرب الجارية، لم تستخدم فيها إسرائيل الأدوات التكنولوجية والآلة العسكرية الضخمة فحسب، بل أرفقتها بأدوات الحرب النفسية والتضليل، سواء عبر جيوشها الإلكترونية الرسمية أو غير الرسمية.
ويأتي الخطاب الإسرائيلي، بحسب رصده منذ بداية الحرب، بطريقة تصاعدية مدروسة. فالمفارقة الكبرى تكمن في طريقة إسرائيل “الإخراجية” للحرب. هي تتقن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتبرير جرائمها، متحكمةً في السردية العالمية حول الحرب. تتبنى خطاب “الدفاع عن النفس” ضد “الخطر الإرهابي”، بينما تُغفل جرائمها ضد المدنيين وتدمير البنية التحتية.
التوغّل البرّي
منذ أشهر طويلة، تمهّد إسرائيل للاجتياح البرّي في لبنان، وحشدت قوّاتها الإثنين إلى الحدود اللبنانية. بدأ الإعلام الإسرائيلي بنشر الأخبار حول اجتياز الحاجز الحدودي، وبدء عمليّة التوغل البرّي للبنان. لكن مصادر رسمية لبنانية نفت هذا الأمر، ولاحظت أن قوّات الاحتلال فعلاً على الحدود، لكنّها لم تبدأ بعملية التوغّل، التي زعمت أنّها “محدودة” و”لا تهدف إلى احتلال جنوب لبنان”، وهو جزء تضليلي أيضاً. تحاول إسرائيل بطريقة إخراجية، ضرب الروح المعنوية للبنانيين، وتحميلهم مسؤولية ما يحدث وكأنهم هم من اختاروا هذا المصير.
وبموازاة سيل التهديدات اليومية، تستمر العمليات النفسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. حملات مدفوعة تهدف إلى ترهيب اللبنانيين من خطر حزب الله، مستخدمة كل الأساليب المتاحة لإثارة الفتنة والتفرقة. وتستغل إسرائيل كل حادثة لتسخّرها في خدمة أهدافها الدعائية. هي حملات مستمرة تحرّض على المقاومة وتستخدم منصات التواصل لتوجيه رسائل تهديد للمجتمع اللبناني، تضعف وحدته وتصوّر إسرائيل كطرف “مسالم” يدافع عن نفسه.
تنتشر رسائل الموساد عبر الإنترنت، تثير الخوف بين اللبنانيين، وتستغل كل حادثة صغيرة لتحوّلها إلى أداة للتهويل. مثلاً، فيديو انتشر في طرابلس لشاب يهاجم سيارة تحمل صورة شهيد من حزب الله، تم استغلاله سريعاً ليظهر وكأن الشمال السنّي يثور ضد الحزب. ونشرته صفحات “الموساد”، مع تعليق: “أمَر سكان شمال لبنان، ذات الغالبية السنية، بإزالة صور نصر الله وحزب الله”. لكن الواقع يروي قصة مختلفة تماماً؛ طرابلس كانت ولا تزال تفتح أبوابها للنازحين وتستضيفهم بتضامن منقطع النظير.
ويتكرر الأمر في فيديو من بلدة معركة قرب صور التي شهدت اشكالاً فردياً، فتحول في الصفحات الإسرائيلية الى إشكال بين سكان البلدة رفضاً لإطلاق الصواريخ من البلدة.
“لبنان لا ينطبق عليه تعريف دولة”
“لبنان، على الرغم من أن له علَماً وعلى الرغم من أن لديه مؤسسات سياسية، إلا أنه لا ينطبق عليه تعريف الدولة”، هذا ما قاله وزير شؤون الشتات الإسرائيلي، عميحاي شيكلي. الخطاب له تحليلات عديدة، وبالتأكيد، خطاب تتحلّل فيه المعايير الدولية والأخلاقية، لاستباق أي عمل قد تقوم به إسرائيل “للدفاع عن نفسها ومواطنيها” في لبنان.
فمنذ أسابيع قليلة من شن عدوان يوم الإثنين 23 أيلول/سبتمبر المستمر، تظهر في سوشال ميديا اللبنانيين، المقيمين والمغتربين، حملات مدفوعة (sponsored) تحرّض على مقاتلي “حزب الله”. بمعنى آخر، في الفكرة الإخراجية لإسرائيل، هي تستبق العدوان الكبير وتستخدم كل الأساليب النفسية للتخويف والتهويل.
استراتيجية تفكيك المجتمع اللبناني
أحد الأمثلة على هذا التضليل هو انتشار أخبار زائفة عبر صفحات تدعي أنها تستند إلى “مصادر عبرية” أو “إعلام عبري”، من دون أي توضيح أو سند فعلي. هذا النوع من الأخبار يستهدف إثارة القلق والرعب بين اللبنانيين، واستغلال هشاشة الوضع النفسي للمجتمع في زمن الحرب. على سبيل المثال، وقعت مؤسسات إعلامية عربية ولبنانية في فخ نشر أخبار غير دقيقة، مثل الخبر الذي انتشر الأربعاء الماضي حول استهداف أوتوستراد صيدا-بيروت، والذي تبين لاحقاً أنه حريق. هذا الخبر تسبب في ذعر واسع بين اللبنانيين بسبب حساسية المنطقة والأوضاع الأمنية المتوترة.
ويأتي انتشار أخبار أخرى تضليلاً في مواقع التواصل، وفي سياق افتعال توترات محلية. مثل هذه الأخبار الزائفة لا تعمل فقط على خلق الفوضى، بل تؤجج أيضاً الاحتقان الطائفي والانقسامات الداخلية في لبنان، وهي جزء من استراتيجية إسرائيل لتفكيك وحدة المجتمع اللبناني.
في الحروب التي خاضتها إسرائيل، كانت الدعاية دائماً حاضرة لتبرير القصف والقتل، سواء عبر اتهام المقاومة بالتسبب في الضرر، أو الادعاء بأن العمليات العسكرية تستهدف مواقع “إرهابية”. وفي كل مرة، كان الهدف إثارة الخوف وبث الرعب في نفوس المدنيين، مما يجعلهم أكثر استعداداً لقبول الاحتلال أو الاستسلام. هذا التلاعب التاريخي في السردية هو استمرار لتكتيك بدأ منذ تأسيس المشروع الصهيوني، واستمر في كل مراحل الصراع.
الهدف الواضح هو استخدام الدعاية كسلاح لترهيب الشعب اللبناني، كجزء من خطة أوسع لتفكيك وحدة المجتمع اللبناني، تماماً كما فعلت مع الفلسطينيين. الحرب ليست فقط بالصواريخ والأسلحة، هي حرب تعتمد إسرائيل فيها استراتيجية متعددة المسارات. والمسار الرقمي بات جزءاً أساسياً من ذلك، لا سيّما من خلال التضليل وبثّ الأخبار الزائفة. عندما نتحدّث عن صفحات رسمية، وغير رسمية للاحتلال، نعني أنّ خرق الفضاء الرقمي هو استراتيجية أيضاً. إسرائيل تحارب بشتّى الطرق، تحارب “حيوانات بشرية”، كما قال وزير الحرب يوآف غالانت عن غزة.
المدن