أيلول الأسود يفتتح المرحلة الأشد سوداوية…والمواجهة مستمرة
موازين القوى اهتزت لكنها لم تسقط
الاثنين في السادس عشر من أيلول الجاري توجه المبعوث الخاص الأميركي آموس هوكشتاين إلى تل أبيب واجتمع مع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الذي أبلغه أنه يسعى إلى تغيير جذري على الحدود الشمالية لأنه لن يكون ممكناً اعادة سكان الشمال إلى منازلهم من دون تغيير الواقع الأمني هناك، وإسرائيل تقدر الولايات المتحدة وتحترمها لكنها ستفعل ما هو ضروري للحفاظ على أمنها، أما وزير الحرب يؤآف غالانت فأبلغه أن السبيل الوحيد المتبقي لإعادة سكان الشمال إلى المستوطنات هو العمل العسكري وفرص التوصل إلى اتفاق ديبلوماسي تنفذ مع استمرار ربط “حزب الله” نفسه بحركة “حماس”.
بالتوازي، عقد مجلس الأمن الاسرائيلي المصغر اجتماعاً للمصادقة على خطط عسكرية لتوسيع أهداف الحرب اعتبرت الأكثر جدية منذ بدء الحرب، ومع أن هذه التهديدات كان عددها قد تجاوز المئتين منذ إطلاق جبهة الإسناد، إلا أنها أتت ولأول مرة مستندة إلى توصية رفعها قائد لواء الشمال أوري غوردين يؤكد فيها جهوزية قواته للسيطرة على منطقة أمنية عازلة في الشمال بعد أن قضت خلال العمليات العسكرية والأمنية على العدد الأكبر من “قوة الرضوان” وفرار قسم منها اضافة الى نزوح الجزء الأكبر من السكان المدنيين ما يتيح تنفيذ عملية غير طويلة الأمد، على طول الشريط. في هذا الوقت، وقبل يوم واحد كانت تجرى تدريبات عالية في حيفا حاكت سيناريوهات مختلفة حول اندلاع حرب مع لبنان، وقد أوحت اسرائيل بأن هناك خلافًا بين نتنياهو الذي يجنح إلى الحرب وغالانت الذي يفضل إتاحة الفرصة للحل الديبلوماسي، وتهديد نتنياهو باستبداله بجدعون ساعر رئيس حزب اليمين المتطرف.
استعادة هذه المواقف والأحداث لا بد منه لمعرفة ماذا حصل:
غادر هوكشتاين وأبلغ المسؤولين في لبنان عبر قنواته الخاصة، أن اسرائيل جدية في تهديداتها وأنه لم يتمكن من إقناعها بالعدول عن التصعيد، لكن الرسالة هنا لم تفهم جيداً ولم تؤخذ التهديدات الاسرائيلية على محمل الجد المطلوب.
في اليوم التالي أي الثلاثاء في ١٧ الجاري جرت عملية تفجير الـpagers وتلاها اللاسلكي، والجمعة استهداف أعضاء المجلس القيادي الجهادي، والسبت توسيع الحزام الأمني والعمليات العسكرية إلى حدود الزهراني وبقاعاً إلى الأوسط، وصعّدت اسرائيل العمليات والاغتيالات وبنك الأهداف بصورة خطيرة ومتدحرجة إلى أن وصلت إلى اليوم المشؤوم باغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الجمعة. يعني بين تاريخ ١٧ و٢٧ استطاعت أن تسدد للمقاومة ضربات قاصمة وفي غضون ١٠ أيام فقط، ما طرح الكثير من علامات الاستفهام الكبيرة وأطلق العنان للتحليلات التي لا تنتهي.
يقول مصدر سياسي بارز لموقع “لبنان الكبير”: “لا شك في أن هناك خطأ فادحاً ارتكب بقراءة المواقف والأحداث. فعدونا معروف عنه وفي كل تاريخ حروبه التي يشنها لا تستغرق معه أكثر من شهر أو شهر ونصف الشهر، منذ ٧٥ عاماً، ومجرد أن خاض حرباً طويلة منذ ٧ أكتوبر هذا يعني أنه غيّر سياسته. ثم انه معروف عنه عندما يخطف له شخص واحد، يقلب الدنيا ويفعل كل شيء من أجل استعادته، الآن خطف له أكثر من ٤٠٠ شخص ولم يهتز لاستعادتهم واستكمل حربه الطاحنة من دون الاكتراث لهم على الرغم من الأصوات والمظاهرات المليونية التي خرجت عندهم للمطالبة باستعادتهم وهذا كان مؤشراً خطيراً جداً لم نفهمه بالطريقة الصحيحة. وظهر منذ البداية أن كل الدول الكبرى معه وتدعمه وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تستمر وحتى الأمس بتصدير أنواع الأسلحة كافة إلى تل أبيب من بينها أسلحة تستخدم للمرة الأولى، فهل كان يجب أن نستمر في القتال؟ والأخطر من هذا كله أن الطريقة والأسلوب اللذين استطاع فيهما العدو أن يغتال القيادات والمقاتلين والعناصر المهمة في حزب الله أظهرا وفي وقت قصير جداً هذا التفوق التكنولوجي والذكاء الاصطناعي والتطور الالكتروني المخيف المستخدم في الحرب والذي يمكن وصفه بأنه على مستوى استخدام القنابل النووية ولكن تكنولوجياً”.
ويتابع المصدر بالتأكيد أن “هناك عمالة لكن الخرق كان تكنولوجياً ما يدل على أن العدو زرع في أكثر من مكان أجهزة تنصت وفي كل بيئة المقاومة وأوصلها إلى شبكات فائقة الدقة بالمعلوماتية وكان يظهر هذا الأمر جلياً في طريقة تتبع الهدف وضربه وإصابته”، متسائلاً: “هل كان من الضروري أن يفرمل حزب الله المواجهة ليعيد النظر بكل الأسلوب المتبع؟ هذا سؤال، ولماذا تم الاستخفاف بهذا التفوق؟ وأسئلة أخرى وكبيرة تطرح لم تعد ذات قيمة الآن بعدما وصلنا إلى ما وصلنا اليه”.
الآن المهم هو ماذا بعد؟
تقول مصادر مقربة من “حزب الله” لموقع “لبنان الكبير”: “ان كل التفوق والأسلوب اللذين اتبعهما العدو أخذا في الاعتبار لكننا اتبعنا قواعد اشتباك معينة واحترمناها مع عدو متفلت لا حدود لإجرامه، وهذا ليس بجديد عليه وما لدينا لا يملكه ولا يتمتع به وهو الصبر والعزيمة والإيمان بأن النصر سيكون حليفنا ان شاء الله”.
وتضيف المصادر: مخطط عدونا انكشف بصورة فاضحة أنه يعد ومنذ سنوات حرباً علينا والدليل أن كل هذا “الشغل” ليس وليد الساعة، والقول إننا “تحركشنا” به هو كلام سخيف وساذج، فالعنوان أكبر بكثير ومن الأساس كان واضحاً أن الاسرائيلي لديه مشروع ويريد تنفيذه، وحتى لو لم نتدخل لكان سيجد أي حجة للقيام بما يفعله اليوم خصوصاً أنه أعلن منذ البداية أن حربه مع ايران وأذرعها.
المقاومة مستمرة في المقاومة والدفاع عن لبنان وفلسطين، صحيح أننا تلقينا الضربة القاصمة باستشهاد سيدها لكن بنيانها متين على الرغم من الإرباك. مستمرون وسترون…
وعليه فإن أيلول الأسود فتح مرحلة أشد سوداوية والمواجهة مستمرة وبحسب معطيات خاصة، المقاومة لن توقف هجماتها والدعم الايراني لها على أشده، على الرغم من النقاش الذي ساد في بعض أوساط المحور، حول ماذا تريد إيران؟ هل تريد المحافظة على أذرع المقاومة أم المصالحة مع الغرب وتلقي مغريات اعادة التأهيل للدخول في المجتمع الغربي؟ اغتيال السيد نصر الله أحدث زلزالاً كبيراً أشبه بزلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان والمنطقة، وهذه بداية تحول صورته لم تتضح بعد ولن تتضح قريباً بعكس ما يعتقد الكثيرون لأن المعركة لم تحسم بعد وموازين القوى اهتزت لكنها لم تسقط.
ليندا مشلب- لبنان الكبير