بعد الموقف الإيراني المتخاذل: مُحَلّلو.. الشماتة أنهوا الحرب والمقاوَمة!

ب

شلالات من مقالات المحلّلين والإعلاميين اللبنانيين والعرب التي تجزم بسقوط مقُولة «توازن الردع» بين إسرائيل والمقاوَمة، تحاول أن تتهكّم بكل ما أُوتِيَت من فنون القول، لتصل إلى نظرية «ضرورة استسلام المقاوَمة» والشروع بخطوات «سلام» مع إسرائيل التي «لا نستطيعُ هزيمتها وتملك من الأسلحة ما يخرّب لبنان كلياً». وأصحاب هذه الفكرة الأصليون (اليمين) في لبنان يحتفلون مع المُنضمّين إليهم من كتّاب، فيُعيدون نَشر مقتطفات من آرائهم على أنها فتوحات فكرية كاملة لا يأتيها الباطل حتى من ثقب إبرة!

ببساطة متناهية، فإنّ أي مقالة لا تحمل حلّاً منطقياً ووطنياً، هي كلام مأفونين شامتين بالموقف الإيراني المتخاذل الذي برز بوضوح في عدم الردّ على اغتيال إسماعيل هنية على أرضها، وعدم رغبتها في المشاركة بحرب إسرائيل على المقاومة والجنوب والبقاع وكانت وعَدت بها. وهذه النقطة بالتحديد هي المنفذ الأكبر الذي يمكن الدخول منه إلى قول أفكار ضد إيران، والحُكم بأنها كانت تخادع المقاوَمة! لا بأس، لنضع هذه المسألة جانباً إلى وقت انكشاف الموضوع على حقيقته. ولنتحدّث عن الصراع بين إسرائيل والمقاومة، أو بين لبنان وإسرائيل.

تريدون سلاماً مع إسرائيل، وتطبيعاً بينها وبين لبنان كما فعلَت بعض الدول العربية. حسَناً، قولوا لنا ما هي الدولة العربية ذات الحدود الجغرافية مع إسرائيل، التي عقدت إتفاق سلام ونجَت من شرور إسرائيل؟

«إتفاق أوسلو» بين إسرائيل والفلسطينيّين؟ لقد جعلَت الدولة العِبرية المارقة، «الدولةَ الفلسطينية» خراباً ما بعده خراب، ووجدَ الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسَه باشكاتباً عند الأمن الإسرائيلي، وركّبوا له مستوطنات بالمئات في قلب دولته؟ أهذا هو السلام الذي تريدونه للبنان مع إسرائيل؟

«إتفاق وادي عربة» بين إسرائيل والأردن؟… ألا تقرأون أو تسمعون عن نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل يصرّحون علناً وعلى رؤوس الأشهاد أنهم يريدون طرد الفلسطينيين على الأقل، من الضفة الغربية إلى الأردن كحلّ نهائي؟ وهل على الأردن أن يوافق على هذا «الحل» بمجرّد أن جيش إسرائيل أقوى من جيشه، ولو أدّى ذلك إلى خراب الأردنيين والفلسطينيين معاً؟ أهذا هو «الحلّ» المناسب للبنان؟

«إتفاق كامب ديڤيد» بين مصر وإسرائيل؟ فإذا كنتم قد نسيتم «عذاب جهنم» الذي حصل لمصر من إسرائيل وشروطها عندما ظهرت داعش في سيناء، فإنّ احتلال إسرائيل (بين المزاح والجدّ) محور فيلادلفيا أخيراً «سربَلَ» القيادة المصرية والمصريون يختنقون قهراً من هذا التجاوُز الفظيع؟ هل هذا هو السلام الأمثل الذي تتحدثون عنه؟

وثمة ستارة خيالية المضمون يتلطّى بعض اللبنانيين خلفها هي أن يتسلّم الجيش اللبناني أمن الحدود مع إسرائيل. بشرفكُم أي جيش لبناني تتسلّحون به وقد تركت الدولة اللبنانية ضباطه وعناصره يفقدون رواتبهم فيضطر قائده إلى طلب المعونة المادية الشهرية لعسكرهِ من دولة قطر، ليحافظ على صمود العناصر والضباط الذي سجلوا عمليات فرار من الخدمة بأرقام عالية، بعد الأزمة المالية قبل سنتين، هذا حتى لا نُذَكّر اللبنانيين ونذكّركم بأن تسليح الجيش اللبناني من الولايات المتحدة مقيد بعشرات الشروط المعيبة.

نصل معكم إلى القرار العظيم (١٧٠١)الذي يكاد يتحوّل قرآناً وإنجيلاً معاً لشدّة التمسّك به حلّاً مرحلياً. مَن الذي خرق هذا القرار؟ إسرائيل التي لم تتراجع سبعة كيلومترات عن الحدود كما نصّ علناً، أم المقاوَمة التي فعلَت فِعلَه فلم تتراجع هي الأخرى؟ وهل المقاوَمة هي التي مزّقته بآلاف الطلعات الجوية (أكرر آلاف) أم المقاوَمة؟.. إلّا إذا كنتم تريدون أن تتراجع المقاومة إلى ما وراء الليطاني ليصبح الاجتياح الإسرائيلي أسهل. ولكم الخبر اليقين في كلام رئيس الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي قبل أيام «كنا إذا تشاجر ضابط وزوجته، يركب طائرة ويقصف في لبنان، أما الآن فنتحرك حسب تعليمات نصرلله وتهديداته!». ما هي خياراتكم بلله عليكم غير الشماتة بالشهداء، وتسفيه مشاعر الجنوبيين وأفكارهم وهم لم يعرفوا الراحة طوال سبعين عاماً إلّا بعدما باتت لهم قوة تَرُدّ عنهم أو تجعل العدو يفكّر مرات ومرّات قبل مهاجمتهم.

الآن تستغلّون أن المقاومة فتحت جبهة إسناد لغزّة لتحكموا أن المقاومة جلبَت الدب إلى كرمها، لكن نتنياهو الذي كان يتوعّد المقاومة منذ عشرين عاماً هل كان عاجزاً عن «اختراع» سبب لمهاجمة جمهور المقاومة والمقاومة، إلّا إذا كنتم تتناسون «اختراعات» الأسباب سابقاً وتؤيدون الفكرة «اللبنانية اليمينية» بأن إسرائيل لم ترتكب عدواناً يوماً علينا!؟

أيها الكتّاب والمحلّلون لا «تنبَسِطوا» كثيراً بالنتائج التي وصلت إليها حرب إسرائيل مع لبنان، حتى الآن، وحاولوا أن تكونوا كتّاباً ومحلّلين حقيقيّين فتفتّشوا عما يُخرجُكم من حال «الضحك في سِرّكم» إلى حال رؤية الواقع الذي ما زال يمنعكم دخان العمَى السياسي أو الديني أو المذهبي الذي أمّنَه لكم بامتياز الموقف الإيراني «المفاجئ»، وهو كان مفاجئاً لجمهور المقاومة أكثر منكم ومن جمهوركم.

المشكلة أنكم تلتفتون دوماً إلى حجم الدمار العمراني والبشري وتعتبرونه الأهم، وهذا أهوَن ما عند إسرائيل التي تعتبر أن «ما لا تحقّقه بالتدمير تستطيع تحقيقه بالمزيد من التدمير»، لكنكم تتجاهلون أن بيئة المقاومة تحمّلَت التدمير عام ١٩٩٣ ثم تحمّلَته مجدداً عام ١٩٩٦ وحصلت على «اتفاق» مع إسرائيل بأن ضرب مدنيي لبنان سيُقابَل بضرب مدنيي إسرائيل (رحمة لله على الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي انتزعه)، وتحمّلَته عام ٢٠٠٦. وليس ذلك ترفاً أو جنوناً بل اقتناع البيئة الحاضنة بأن لا شيء يحميها، بالتجربة المريرة طبعاً، غير المقاومة، وأنها من دون المقاومة ستعود إلى المربّع الأول الذي هو إرسال إسرائيل «فرقة موسيقية» لاحتلال الجنوب!

قال نتنياهو، أمس، وهو في الولايات المتحدة الأميركية: «لا نفكر في الغزو البري حتى لا نخسر كل ما حققناه». ألا يقول لكم شيئاً ذا قيمة استراتيجية هذا الكلام. ولكم معي هذان البيتان:

إذا الجارُ إبليسُ الشعوبِ، فقُل أنا،
بأرضي.. وللمُسْتَكْبرينَ رَحيلُ
فإنّ «رباطَ الخَيل» حين تَشُدُّهُ
سَتسْمعُ كُلُّ الأرضِ ما ستَقولُ.

عبد الغني طليس

مقالات ذات صلة