برّي متشائم والحزب أمام خيار إلزامي.. الآتي أخطر ممّا مضى
لم يعد السؤال عن احتمال الحرب لازماً وقد وقعت، لكنّ السؤال: كيف ستنتهي ومتى وما الثمن؟
لا يلغي هول المصاب وحجم الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية على ضاحية بيروت الجنوبية كمّية الأسئلة التي تفرض نفسها منذ لحظة إعلان إسرائيل هدفها الذي أصابته في مقتل في عمق العمق لضاحية بيروت ومعقل الحزب. كيف لإسرائيل أن تعرف باجتماع كهذا ويتسرّب الخبر إليها عن زمانه ومكانه؟ وكيف للحزب الذي اغتيل قائد من قادته قبل أشهر في الضاحية أن يجمع كلّ قادته ويحوّلهم إلى هدف ثمين لإسرائيل؟ ما الذي يحصل؟ كيف ولماذا ومن؟ أسئلة لا إجابات عليها تضاف إلى أسئلة صفقة البيجر ومنفّذيها. هل في داخل الحزب عملاء لإسرائيل؟ أيّاً كان الجواب لا يلغي واقع أنّ الحزب دخل في مراجعة عميقة وتحليل لكلّ ما يواجهه أو واجهه منذ السابع من تشرين الأول 2023.
تختصر مصادر سياسية الوضع الحالي بالقول إنّ الخطر الأكبر هو في الآتي من الأيام وليس الذي مضى. مصادر أخرى تتوقّع مواصلة حرب الإسناد لاستنزاف العدوّ دون الانتقال إلى الحرب بمفهومها الواسع وتعطيل كلّ المنطقة، معربة عن اعتقادها بأنّ عرقلة كلّ المشاريع الأميركية كفيل بتحقيق التوازن.
متى ستنتهي الحرب وما هو الثمن؟
لم يعد السؤال عن احتمال الحرب لازماً وقد وقعت، لكنّ السؤال: كيف ستنتهي ومتى وما الثمن؟
ينبئ الإمعان الإسرائيلي في توجيه ضربات نوعية من حيث الأهداف والأساليب المستخدمة بأنّ القيادة السياسية في إسرائيل ومعها القيادتان العسكرية والأمنية أخذت قراراً استراتيجياً بإشعال معارك مستدامة لا يمكن التكهّن بنتائجها. قد تنذر بحرب شاملة تتضمّن عمليّات برّية وضرب أهداف في عمق لبنان، وتحديداً الضاحية الجنوبية. فمنذ اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري داخل الضاحية مروراً باغتيال المسؤول العسكري الأول للحزب فؤاد شكر، ثمّ اغتيال اللجنة العسكرية لقيادة وحدة الرضوان ورئيسها إبراهيم عقيل بعد عمليّتين أمنيّتين شديدتَي التعقيد التقني مع تفجير أجهزة البيجر pagers وأجهزة الإرسال الذي أصاب أكثر من ثلاثة آلاف شخص بين مدنيّ ومنتسب إلى الحزب، فإنّ اشتباكات الاستنزاف وفق قواعد الاشتباك المعروفة والسقوف المضبوطة التصعيد انتهت، والحلول السياسية أقفلت أبوابها، والميدان سيحدّد أفق المواجهة، ولا سيما مع تفلّت الإسرائيلي من أيّة ضوابط وإسقاطه لكلّ الخطوط الحمر في عملياته العسكرية والأمنيّة، وبالأخصّ مع عدم اكتراثه بضرب المدنيين الذين يفوق عددهم أضعاف ما تتحدّث عنه وسائل الإعلام.
خيار إلزاميّ للحزب
أصبح الحزب أمام خيار إلزامي، وهو فتح أبواب المواجهة إلى حدود لم تعرف من قبل ولم تشهدها المواجهة بين الطرفين وقد ترتقي إلى حدّ الحرب الكبرى في الصراع بين الطرفين.
السؤال الأبرز يتعلّق بالتدخّل المباشر من أطراف المحور الأخرى، ولا سيما من قبل طهران التي يتوعّد مسؤولوها كلّ يوم بالانتقام لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. يقابله ارتفاع منسوب التدخّل الأميركي إلى جانب إسرائيل الذي لا يقتصر على ما يبدو على تزويدها بأحدث الأسلحة والتقنيات الحربية والعسكرية والاستخبارية إلى حدّ التدخّل المباشر الذي تحسّسه الحزب في العمليات الأمنيّة الأخيرة، التي استخدم فيها الإسرائيليون أدوات وخبرات وتقنيّات وأسلحة أميركية بعد تلقّيهم تدريباً أميركياً صرفاً.
الرّئيس برّي متشائم
ستبيّن الأيام المقبلة حجم المواجهة ومستوياتها، ولا سيما مع إدخال الإسرائيلي الضاحية الجنوبية ساحة المواجهة بشكل علني.
بُعيد اعتداء الضاحية والمجزرة التي ارتكبتها إسرائيل ارتفع منسوب التشاؤم الدولي حيال الوضع في لبنان، وهو ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري لإبداء تشاؤمه، بخاصة أنّ الإسرائيلي اتّخذ قراراً بالتصعيد لا عودة عنه. أمّا الحزب فهو لغاية اليوم لم يتّخذ قراره بتغيير استراتيجية الإسناد على الرغم من تداعياتها السلبية والخطيرة بدليل ما شهدته الضاحية الجنوبية لبيروت، لكنّه يراها فعّالة وستتواصل إلى أن تقول حماس إنّ الحرب على الفلسطينيين قد توقّفت وليس استناداً إلى ما يعبّر عنه الجانب الإسرائيلي من أنّ حرب غزة انتهت والتركيز على جبهة الشمال.
ما دام في حالة حرب فسقوط الشهداء من جانب قادته أمر متوقّع ولا يغيّر في طبيعة المواجهة والردّ عليها.
ضربة مؤلمة للحزب أو ضربات مؤلمة تلقّاها في الأيام القليلة الماضية وضعته أمام امتحان صعب ميدانياً في مواجهة إسرائيل بالقيام بردّ على مستوى الاعتداء وبالبحث عن أسباب ما شهدته صفوفه الأمامية. التكنولوجيا وإن كانت سبباً لكنّها ليست وحدها ما يستدعي إعادة مراجعة وتدقيق لمعرفة الجهة التي سرّبت خبر اجتماع كهذا ويعلم به رئيس وزراء إسرائيل في لحظته كما قال ويقرّر شنّ عدوانه.
أمّا على المستوى السياسي وإن كان الحزب في غير وارد الحديث بأيّ شأن داخلي وهو يلملم جراحه على وقع استمرار عمليات البحث عن مفقودين في الضاحية فقد كان لافتاً ما قاله المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان قبل يومين وتأكيده الحاجة الى تسوية تنتخب رئيساً لتطرح كردّة فعل عقلانية ولاستثمار الإجماع الوطني حول المقاومة لأنّ البلد مقبل على مرحلة بالغة الخطورة.
في خطابه الأخير وضع الأمين العامّ للحزب السيد نصر الله عدّة نقاط لاستراتيجية عمل حزبه، وأهمّها استمرار جبهة الإسناد والحؤول دون عودة المستوطنين إلى مستوطناتهم شمالاً، فجاء الردّ الإسرائيلي قبل أن ينفّذ الحزب تهديده بالردّ على اعتداء البيجر وأدخل الضاحية ضمن بنك الأهداف. وطرح معادلة حيفا مقابل الضاحية وتل أبيب مقابل كلّ لبنان فكيف سيتصرّف الحزب مع وضعية كهذه؟ وهل يخرج أدواته العسكرية ويعلنها حرباً أيّاً كان الثمن متّكلاً على الدعم الإيراني الذي أعلن عقد معاهدة مع روسيا بعدما أعلن قرب ردّه على انتهاك إسرائيل لسيادته باغتيال إسماعيل هنية؟
لغاية اليوم قرار الحرب المفتوحة وارد، فهل ينصرف إليها الحزب في ظلّ الوضع الهشّ داخلياً أم كلام قبلان قد يشكّل بداية لتحقيق خطوات تقوّي الالتفاف الداخلي حول الحزب فتشكّل الرئاسة ضمانته للمستقبل، خاصة أنّ هناك من قرأه من ناحية قرب الشيخ قبلان من برّي، فهل هي مبادرة لها أفق أم مجرّد حديث عابر؟
في ميزان الحزب لا يعني تركيز إسرائيل على ضرب اجتماع كان يخطّط لعمل ما في الجليل أنّها حقّقت بذلك أيّة نتائج سياسية، فالضربة على قساوتها لا تلغي أنّها خطوة في مسيرة وأنّ هدفها لن يتحقّق وهو وقف جبهة الإسناد أو إجبار الحزب على فكّ الارتباط مع جبهة غزة، ذلك أنّ موقفه هو ذاته: إلى حين وقف الحرب.
غادة حلاوي- اساس