قرار قطع الرؤوس الكبيرة قد اتخذ … ولو كان رأس حسن نصر الله: أمن “الحزب” بدأ يضع نفسه في الأجواء!
نصر الله… العدو في بيتي!
ماذا بقي أمام حسن نصر الله كي يقر بأن قرار الحرب في “الثامن من أكتوبر” كان قراراً متهوراً يشبه الى حد ما ما فعلته حركة “حماس” في “طوفان الأقصى”؟
وليس في هذا السؤال أي نوع من الانهزامية أو الدونية، بقدر ما فيه تساؤلات ووقائع تؤكد أن الفريقين الممانعين يتجهان نحو ما يشبه الانتحار أكثر منه الانتصار، وأن الحرب التي يخوضانها منذ عام تقريباً لا تحمل في طياتها ما يشير الى أي نهاية سعيدة في حسابات ايران وحلفائها وتحديداً “حزب الله” الذي بدأ يدرك أن الأثمان التي يدفعها على مستوى البشر والحجر والهيبة والقيادة، والخروق التي يتلقاها لم تنقذ غزة وقد لا تنقذ لبنان أيضاً.
فمن سقط في الضاحية الجنوبية أمس، أي ابراهيم عقيل، وما جرى في حرب التفجيرات الدامية يؤكدان، من دون أي لبس، أن ثمة قراراً اسرائيلياً بتحييد “حزب الله” بأي وسيلة ممكنة سواء كانت وسيلة وحشية أو ميدانية، وأن قرار قطع الرؤوس الكبيرة قد اتخذ حتى لو كان ذلك رأس حسن نصر الله نفسه.
ويتردد في أوساط الضاحية الجنوبية أن جهاز “الموساد” الاسرائيلي يبدو قادراً لا بل ملم بكل تفصيل أمني أو قيادي في معقل المقاومة الاسلامية، وأن “مجزرة البايجرز” كان يمكن أن تطاول نصر الله وعائلته لو كانوا يحملون الأجهزة المفخخة، وأن أمن “حزب الله” بدأ يضع نفسه في أجواء قرار اسرائيلي – عالمي جدي بتصفية الرجل الذي تحول الى رأس الحربة الأوحد في الساحات الايرانية المتاخمة للدولة العبرية.
ويكشف مصدر في “محور الممانعة” أن الخوف من البيئة الحاضنة يكاد يطغى على الخوف من مكائد اسرائيل، مشيراً الى أن كل عنصر من عناصر “حزب الله” سواء في القمة أو القاعدة بات مشبوهاً حتى اثبات العكس، وأن القادة والمقاتلين معاً باتوا متخوفين من طعنات الظهر أكثر من طعنات الصدر.
وليس في هذا الجو أي مجال للمبالغة، في وقت أثبتت “مجزرة الهواتف” أن “حزب الله” ذهب الى حرب لا يملك فيها فرصة للانتصار، خصوصاً على المستوى التقني، لا بل ذهب اليها معتقداً أن اسرائيل ستواجهه في البر على غرار ما حدث في حرب تموز، فجاءته من مكان آخر لا يملك فيه أي سلاح رادع أو متوازن.
ويقول قريبون من محور الممانعة، ان نصر الله وبيئته كانا يعيشان حالة استرخاء بعد حرب تموز وهدنة القرار ١٧٠١ وانصرفا الى ادارة شؤون البلد انطلاقاً من فائض القوة لا من مبدأ الشراكة، في حين كانت اسرائيل في حالة استنفار على كل المستويات منتظرة ساعة الصفر التي دقت مجاناً في “الثامن من أكتوبر”.
والواقع أن “حزب الله” لا يدفع الآن ثمن قرار الحرب الذي اتخذه قبل أحد عشر شهراً، بل ثمن الانفصال عن شركائه في الوطن، وثمن الولاء المطلق لدولة لا تريد السلام ولا تجرؤ على الحرب هي ايران.
وأكثر من ذلك، صبّ “حزب الله” تركيزه الاستخباري على الداخل اللبناني وتحديداً المعارضة اللبنانية، وانشغل وفيق صفا، على سبيل المثال بترهيب القاضي طارق البيطار أكثر من ترهيب أي حيثية اسرائيلية، وانشغل نصر الله بتسمية رئيس للجمهورية وخوض معركته بأي ثمن أكثر من انشغاله بمعركة الرئاسة الأميركية التي تبين أن في يدها مفتاح الحرب والسلام ليس في الشرق الأوسط وحسب بل في العالم كله.
وفي قراءة متأنية لخطاب نصر الله في الأمس، بدا الرجل في موقع النمر الجريح في مكان وموقع الخائب في مكان آخر، لا بل في موقع من تلقى صدمة غير متوقعة كان يظنها من أعمال الخيال، محاولاً أن يخفي صدمته حيال حجم الخرق الخطير الذي تجاوز الجنوب والبقاع والضاحية الى بيوت قيادييه ومقاتليه وأجسادهم وعائلاتهم.
وهنا لا بد من سؤال يحيّر المراقبين، لماذا لم تدفع اسرائيل بجيشها الى الجنوب مستغلة الفوضى التي سادت صفوف الحزب المنشغل بنقل قتلاه ومصابيه الى المشافي، والمجرد من أي وسيلة اتصال منتظمة تمكنه من التواصل والتنسيق في أي حرب مرتقبة؟
والجواب، أن اسرائيل، في نظر المراقبين العسكريين ارتكبت الخطأ نفسه الذي ارتكبه حسن نصر الله عندما تردد في الدخول الى الجليل في السابع من أكتوبر تلبية لنداء محمد الضيف المنتشي بما فعله في غلاف غزة، مستغلاً حال الفوضى التي عمّت الوسط السياسي في تل أبيب، وحال الصدمة والارتباك التي سادت الجيش الاسرائيلي.
والسؤال يبقى، لماذا لم تفعل اسرائيل ذلك؟ والجواب أيضاً يتوزع على واحد من أمرين: اما أن الولايات المتحدة الخائفة من حرب اقليمية شاملة عشية الانتخابات الرئاسية الحامية، حالت دون ذلك، واما أن اسرائيل تلقت رسائل عاجلة تفيد بأن “حزب الله” مستعد لتسوية سياسية قائمة على مندرجات القرار ١٧٠١ وشروطه.
وثمة جواب آخر، يكمن في أن الجيش الاسرائيلي المنهك في غزة والضفة الغربية، يحاول الهرب من حرب مباشرة في لبنان واستبدالها بما يملكه من تقنيات متطورة وأسلحة تصيب أهدافها من بعيد بأقل قدر من الخسائر والأثمان.
وانطلاقاً من هذا المشهد الدامي والمعقد، لم يعد السؤال كيف سيرد “حزب الله” وأين ومتى، بل كيف يمكن له الخروج من هذا المأزق جريحاً لا شهيداً، أو على الأقل محتفظاً بما يحفظ له ماء الوجه في المعركة المقبلة التي يتحضر لها مع المعارضة اللبنانية في الداخل وفي مقدمها معركة الرئاسة الأولى.
المخرج حدده نصر الله في خطابه الأخير، وهو أوقفوا الحرب في غزة نوقف الحرب في لبنان محاولاً بذلك القول ان الحرب التي فتحها في الجنوب حققت هدفها ولم تذهب هباء.
شيء واحد لا يقر به نصر الله وهو أن الحرب في غزة توقفت منذ بدأت حركة “حماس” تسعى الى أي حل يوقف الحرب نهائياً مع اسرائيل ويبقي لها الحد الأدنى من السلطة أو الدور في أي تسوية تتعلق بالصراع الفلسطيني – العربي.
وثمة شيء آخر لم يقر به نصر الله وهو أنه وجد نفسه وحيداً في معركة يخوضها عن ايران بشعبه ولحمه الحي، فلا تنصره الأخيرة ولا ترحمه أميركا ولا يباركه العرب، ولا يرضى عنه اللبنانيون، ولا يجد في الأفق العسكري أي ملامح انتصار يحتاج اليه، ولا يجد في الأفق السياسي أي ملامح تسوية تعيده الى ما كان عليه قبل “طوفان الأقصى”.
مرة جديدة انه المأزق.. والسؤال: كيف الخروج منه؟
انطوني جعجع- لبنان الكبير