من يلهي اللّبنانيّين بمسرحيّة رياض سلامة…الرجل الذي حظي بغطاء كامل من الطبقة السياسيّة اللبنانية؟
لا يزال بعيداً تصالح لبنان مع نفسه ومع الحقيقة والواقع. تعني الحقيقة والواقع اعتراف لبنان، أوّلاً، بأنّ الحزب هو الدولة اللبنانية، فيما لبنان دويلة في دولة الحزب. لو لم يكن الأمر كذلك، لكان كبار المسؤولين في ما بقي من الجمهورية اللبنانية سارعوا إلى اتّخاذ موقف شجاع لا علاقة له بالتهوّر بمقدار ما له علاقة بالصدق مع الذات وقول ما يجب عليهم قوله للّبنانيين… بعيداً عن إلهاء اللبنانيين بمسرحية احتجاز رياض سلامة.
يُختزل هذا الموقف، الواجب اتّخاذه، بالنأي بالذات عن حرب الحزب بطريقة لبقة تعكس فهماً لما يدور في المنطقة والعالم في الوقت ذاته. لا يوجد في المنطقة من يريد شنّ حرب على إسرائيل بتوقيت تفرضه “حماس”. حتّى النظام السوري سعى إلى تمييز نفسه عن “محور الممانعة” الذي لديه حسابات إيرانيّة صرفة. لا توجد أيّ مصلحة للبنان واللبنانيين في هذه الحسابات، بمقدار ما أنّه الطريق الأقصر لتدمير ما بقي من البلد ومن بنيته التحتية التي تعاني من حال اهتراء.
يتمثّل الموقف الذي كان مفترضاً بلبنان الرسمي اتّخاذه في القول صراحة إنّه لا علاقة لحكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي بفتح جبهة جنوب لبنان، أي بشنّ حرب على إسرائيل. أكثر من ذلك، يبدو في ضوء التقصير الحكومي الواضح، وكذلك تقصير مجلس النواب ونوابه الأشاوس من التغييريين، أنّ الجيش اللبناني الذي مهمّته الدفاع عن الأرض اللبنانية صار بمنزلة شاهد زور على ما يدور على الأرض اللبنانيّة.
لماذا لم يقتدِ الحزب بإيران؟
تشنّ الدول حروباً عندما تكون في وضع يسمح لها بذلك، أي عندما تكون الإدارة السياسيّة، في هذه الدولة أو تلك، قادرة على دفع ثمن الحرب والنتائج التي ستترتّب عليها.
لا يمتلك لبنان، الذي لا يعرف ما الذي يريده من أيّ حرب من نوع حرب الجنوب، ثمن الحرب التي فرضت عليه فرضاً. لا يعرف لماذا عليه دفع ثمن حرب لم تفِد غزّة في شيء.
كان عليه الاقتداء بـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران التي وجدت أن ليس لديها ثمن المشكل العسكري المباشر، لا مع الولايات المتحدة ولا مع إسرائيل. لذلك امتنعت، استناداً إلى حسابات دقيقة مرتبطة أساساً بحماية نفسها، عن الردّ على اغتيال إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” في 31 تموز الماضي في طهران. لا ردّ إيرانيّاً على اغتيال هنيّة نظراً إلى أنّ ذلك سيكون مكلفاً لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”، من وجهة نظر “المرشد” علي خامنئي نفسه الذي صار من محبّذي “التراجع التكتيكي أمام العدوّ”.
في المقابل، ليس مهمّاً ما سيلحق بلبنان من خسائر جرّاء فتح جبهة الجنوب ما دام هناك من هو مستعدّ لدفع الثمن من جيب لبنان البلد وجيوب مواطنيه وأهل الجنوب تحديداً.
مسرحيّة احتجاز رياض سلامة
يحدث ذلك كلّه في لبنان في وقت لا خلاف في شأن ما إذا كانت إسرائيل دولة تمارس الإرهاب. مجرّد بقاء الاحتلال للضفة الغربية والقدس الشرقيّة ممارسة لإرهاب الدولة. لا يوجد في العالم من يمارس إرهاب الدولة، إذا استثنينا ما يقوم به فلاديمير بوتين في أوكرانيا حيث يحاول منذ 24 شباط 2022 تكريس الاحتلال الروسي لجزء من أراضي هذا البلد تمهيداً للقضاء عليه ووضعه تحت الوصاية. توجد دولتان في عالمنا هذا تمارسان إرهاب الدولة فيما تمارسه إيران على طريقتها، أي بالواسطة عبر أدوات لها، أكان ذلك في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن.
لا يقتصر التقصير الحكومي اللبناني على فقدان شجاعة القول إنّ الحرب التي يشنّها الحزب على إسرائيل، بأوامر إيرانية، ليست حرب لبنان.
في انتظار اليوم الذي تقول فيه الحكومة اللبنانيّة الحقيقة التي عليها قولها للّبنانيين والعرب ودول المنطقة والعالم، هناك مسرحيّات تدور على أرض لبنان. من أبرز هذه المسرحيّات احتجاز الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة الذي لعب طوال ثلاثين عاماً أدواراً مختلفة بينها ما هو إيجابي وبينها ما هو سلبي، في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري. ساهم سلامة بعد 2005، في غياب من يراقبه، في انهيار النظام المصرفي بعدما غابت الشفافية عن كلّ الممارسات التي كان بطلها الرجل الذي حظي بغطاء كامل من الطبقة السياسيّة اللبنانية.
من واجب الحكومة اللبنانيّة القول بأعلى صوت إنّه لا علاقة للجمهوريّة اللبنانيّة بحرب الحزب. من واجبها أيضاً عدم حصر مسؤولية الكارثة التي تسبّب بها رياض سلامة بالشخص نفسه فقط.
شجاعة تنقص سياسيّي لبنان
يتلهّى لبنان بقضية رياض سلامة، فيما تستعدّ إسرائيل لمرحلة ما بعد طيّ صفحة حرب غزّة. هذا ما يفهم من الكلام الخطير الصادر عن وزير الدفاع يوآف غالانت الذي قال أخيراً إنّ “اتفاق هدنة مع حركة “حماس” يسمح بالإفراج عن الأسرى في غزة، سيمثّل فرصة استراتيجية لإسرائيل لتغيير الوضع الأمنيّ على الجبهات كلّها”، موضحاً أنّ “إعادة الأسرى هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به”، مضيفاً: “التوصّل إلى اتفاق هو أيضاً فرصة استراتيجية تمنحنا فرصة كبيرة لتغيير الوضع الأمنيّ على الجبهات كلّها”. وأكّد أنّ “حماس كتنظيم عسكري لم تعد موجودة وتخوض الآن حرب عصابات”.
أين لبنان من هذا الكلام الخطير؟ كيف أعدّ نفسه لمرحلة ما بعد حرب غزّة؟
الأكيد أنّ تغطية حرب الحزب، وهي حرب إيرانيّة بامتياز، لا تفيد لبنان في شيء. كذلك الأمر بالنسبة إلى إلهاء المواطن بقضية رياض سلامة ذات الأبعاد الأخرى، بما في ذلك الضغوط الخارجيّة الفرنسيّة وغير الفرنسيّة. ثمّة شجاعة مطلوبة تنقص السياسيين اللبنانيين الموجودين في ما يشبه السلطة، شجاعة لا تعوّضها سياسة التذاكي وتدوير الزوايا والهرب من الحقيقة والواقع للأسف الشديد.
خير الله خير الله- اساس