الأنظار تتجه إلى معراب: “الغد” في عيون “القوات” سلام…إلا إذا!

تستعد “القوات اللبنانية” اليوم للإحتفال بقداس شهداء المقاومة اللبنانية، وقد اعتاد رئيس “القوات” سمير جعجع كل سنة في مثل هذا اليوم، إطلاق سلسلة مواقف واضحة وصريحة تشخّص المشكلة وتقترح الحلول وأحياناً ترسم خريطة الطريق، والأنظار تتجه إلى معراب من الخصوم والحلفاء لمعرفة اتجاه “القوات” السياسي في هذه المرحلة، ويبدو أن مضمون كلمة جعجع سيتضمن مشروع اقتراح للخروج من أزمة الانتخابات الرئاسية تمهيداً للاتفاق مجدداً حول هويّة لبنان.

لكن هذه الاحتفالية الضخمة التي تنظّمها “القوات” هذه السنة ترتكز على شعار “الغد لنا”، وحتماً لا تعني أن “الغد” لها فقط، إنما لجميع اللبنانيين المؤمنين بمنطق الدولة والمؤسسات والدستور والقانون والحريّة، وهؤلاء الشهداء الذين سقطوا خلال الحرب وبعدها في مواجهة النظام الأمني اللبناني السوري، كانوا يدافعون عن هذه “الدولة” السيّدة والمستقلة، جميعهم حلموا بدولة عصرية لا سلاح فيها سوى سلاح الجيش اللبناني، تعددية، حرّة، مستقرة، آمنة، قضاؤها عادل، متعافية اقتصادياً، مزدهرة.

لم تنسَ “القوات” ماضيها وتاريخها، ولا تتنكّر له ولا تخجل به، وعندما كان مجتمعها في خطر، ووجود بيئتها مهدد، امتشقت السلاح عفوياً للدفاع عنهما، أخطأت أو اصابت، ليس هذا هو الموضوع، علماً أنها لم تكن هاوية لحمل السلاح أو توسّل العنف بقدر ما كانت تريد حماية لبنان من الغرباء الذين وفدوا إلى لبنان بمشاريعهم الظلامية الهادفة الى تغيير وجهه الحضاري، وخصوصاً مع انقسام الجيش اللبناني عام 1975، وعجزه عن أداء مهامه بسبب غياب القرار السياسي وخلافات المسؤولين والاصطفاف الطائفي.

كل ذلك بات من الماضي، والأهم بالنسبة إلى “القوات” اليوم أن لا يعيد التاريخ نفسه، لذلك رفعت شعار “الغد لنا”، إذ تعرف أن اللبنانيين ملّوا وتعبوا من الحروب الماضية والحاضرة بكل تسمياتها، ويتطلعون إلى الاستقرار، وبالتالي لا يجوز مخاطبتهم بلغة الماضي، بل المستقبل. وفي جلسة خاصة مع بعض قياديي “القوات” خلال التحضير لهذا الحدث السنوي، أجمعوا على أن تمسّك “حزب الله” بسلاحه وأدائه المنفرد والمهيمن بعيداً عن مفهوم الشراكة يسوق لبنان إلى حالة من الانقسام السياسي المجتمعي الخطير، إضافة إلى تنفيذه المشروع الايراني المذهبي، والغائه للحدود اللبنانية بحيث يُطبّق ما يسمى الهلال الشيعي في المنطقة.

وهؤلاء يلفتون إلى أن مشروع “الحزب” يعود إلى الماضي المأساوي ولا علاقة له بالغد المنشود، والمؤسف أنه إذا استمر في هذا الأداء فسيولّد الفتنة تلو الأخرى نتيجة تمسّكه بسلاحه الذي تبيّن أنه خالٍ من أي فعالية في الحرب ضد اسرائيل، بدليل أن قرى الجنوب تدمّرت وفاتورة “الحزب” من الخسائر البشرية تجاوزت الـ430 ضحية. ولم تهدأ فتن “الحزب” منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر شهداء انتفاضة الاستقلال عام 2005 واستخدامه السلاح ضد أهالي بيروت العزل عام 2008، ولم يكتف بذلك، بل خرج للقتال في سوريا وفي أنحاء المعمورة، وكانت بذور فتنة أخرى مع منعه القضاء من الوصول إلى الحقيقة في جريمة المرفأ، وخلقه الفتنة من خلال تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية والمؤسسات، وأخيراً فتنة مصادرة قرار الحرب واختراعه جبهة الإسناد من دون استشارة أحد.

هذه هي أجواء معراب في يوم قداس الشهداء الكبير، ويعتبر قياديو “القوات” أن البعض يلوم “القوات” لأنها تختار المواجهة السياسية الحازمة بمواقف وقرارات عالية النبرة، إلا أنها قادت المعارضة كونها تمتلك التكتل النيابي الأكبر، ونجحت في إنشاء سدّ منيع أمام إيصال مرشّح الممانعة سليمان فرنجية، ونسفت الحوار الانقلابي للرئيس نبيه بري، وتعمل منذ استشهاد أحد قيادييها باسكال سليمان على تحجيم الوجود السوري غير الشرعي في لبنان.

قد يتساءل البعض: هل تخوض “القوات” المواجهة في السلاح يوماً؟ جواب المعنيين في معراب أن السلاح لم يعد قائماً في استراتيجيتها ومنطقها، فهي حلّت تنظيمها العسكري منذ العام 1990 تطبيقاً لإتفاق الطائف، ولا تشعر أنها مضطرة للعودة إلى هذا السلاح، وخصوصاً أنها مقتنعة بتسجيل النقاط السياسية على فريق الممانعة. و”الحزب” ليس في أفضل أحواله اليوم.

هو يخسر “الحرب” وكل ما يخطّط له من الحصول على مكاسب داخلية من صفقة أو تسوية اقليمية معيّنة، ليس سوى أضغاث أحلام، كما يؤكد قياديو “القوات”، ولو حصل أي شيء من هذا القبيل، ستعمل “القوات” وحلفاؤها على إفشاله، كما أفشلت المبادرة الفرنسية التي كانت تسعى إلى وصول فرنجية إلى الرئاسة!

وأهم ما سيركّز عليه جعجع اليوم هو الاستمرار في مواجهة العواصف السياسية والأطماع الخارجية والأغراض التوسعية وكل مشاريع الهيمنة والضمّ والإلحاق والاحتلال، وسيقول “نحن هنا” لإفشال أي محاولة لتغيير هوية البلد ونمط عيش شعبه، من دون أن ينسى اقتراح الحلول، لفتح الطريق أمام انتخاب رئيس وسطي يُدخل البلد في مرحلة من الاستقرار، على الرغم من أن المؤشرات تتجه إلى رفض “الحزب” لأي مبادرة رئاسية، لأنه لا يريد أن يسمع بأي رئيس يفاوض مكانه لمصلحة لبنان!

هذا يعني أننا مقبلون على مرحلة سياسية بعد نهاية الحرب، ستخوضها “القوات” بروح المقاومة والحزم من دون مساومات، أما إذا وقع “الحزب” في الخطيئة الكبرى بعد الحرب، ووجّه سلاحه إلى صدور اللبنانيين، فلن يلقى إلا مقاومة، كما حصل في قرى وبلدات عاصية عديدة مثل بيروت والجبل وعين الرمانة وخلدة والكحالة وجويا ورميش وغيرها. أهالي هذه الأماكن قد لا يكونون “قوات” إنما سيتحوّلون جميعهم “قوات” من دون قرار من الحزب الذي يتمتع بقاعدة شعبية كبيرة.

في المقابل، تثق قيادة “القوات” بالجيش اللبناني الذي تقوم عقيدته على منع أي فتنة ومواجهات بين اللبنانيين تعيد شبح الحرب الأهلية، ويؤكّد المسؤولون القواتيون أن “القوات” ستكون دائماً داعمة للجيش في أي محاولة للتعرّض له.

لا تعتبر “القوات” قداس شهداء “المقاومة اللبنانية” مناسبة حزبية ضيّقة بل مناسبة وطنية جامعة، لأن هؤلاء الشهداء استشهدوا من أجل أن يحافظ المجتمع اللبناني على نمط عيشه وطريقة حياته، فيما مَن “يقاوم” اليوم يسعى إلى تغيير طبيعة المجتمع اللبناني فارضاً قيوده العقائديّة عليه. شهداء “المقاومة اللبنانية” استشهدوا من أجل أن يبقى المجتمع اللبناني مجتمع حياة وسلام، فيما يقاوم مقاتلو “الحزب” من أجل أن يحوِّلوا المجتمع اللبناني إلى مجتمع حرب وعنف وموت!

والفارق كل الفارق بين مَن يقاوم من أجل الإنسان وحرياته وكرامته، وبين مَن “يقاوم” من أجل فكرته على حساب الإنسان والتي لا تقيم أي وزن واعتبار للإنسان في مشروع حرب لا ينتهي.

وهنا بيت القصيد في قداس الشهداء هذه السنة، أي الإضاءة على المأساة التي يعيشها الشعب اللبناني بسبب “الحزب”، وهي مأساة في أوجه حياته كلّها: حرب، تخلُّف، تهجير، موت، دمار، خراب، شغور، فوضى… وهذه المأساة ليست مسألة قدريّة، إنّما ستدعو “القوات” اللبنانيّين إلى مقاومتها والتصدي لها حفاظاً على قدسيّة حياة وحرّيّة ونمط عيش وحضارة، ولولا أن هناك مَن يتصدّى أساساً في الأوقات كلّها لكان لبنان كلّه اليوم خاضعاً لمنظومة الموت، إلا أنّ المطلوب من اللبنانيّين انتفاضة وثورة بعنوان واحد: لبنان أرض حياة حوّلها “الحزب” إلى أرض موت، والمطلوب إعادتها أرض حياة.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة