ماذا بعد “ضاحية تل أبيب” مقابل “ضاحية بيروت”: هل الأيام المقبلة ستحمل مواجهات لحسم الصراع؟
مرّ “قطوع” الردّ على اغتيال القائد في حزب الله فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية. فبعد شهر من الانتظار وتحليل كيفية الردّ وحجمه وتداعياته، نفّذ الحزب ردّه عبر إطلاق مئات الصواريخ من منصّات استطاعت إسرائيل استهداف عدد منها ونجح أكثر من ثلاثمئة بالانطلاق إلى مناطق وقواعد في شمال فلسطين المحتلّة وصولاً إلى حيفا. ولحقت بها مجموعة من المسيّرات التي قال الأمين العام للحزب إنّها أصابت مراكز للمخابرات الإسرائيلية في ضواحي تل أبيب.
مجموعة من المسلّمات أرستها هذه المشهدية في الساعات الماضية مع ما حملته من رسائل تصبّ على طاولة المفاوضات في الدوحة أو القاهرة.
يقول مصدر مقرّب من الحزب لـ”أساس” إنّ معنويّات الحزب مرتفعة بعدما نجح في إرساء معادلة ردع جديدة. وأهمّ ما فيها أنّه على الرغم من كلّ التقدّم التقني لإسرائيل على مستوى السلاح والاتصال، إلا أنّ الحزب قادر على الوصول إلى تل أبيب من دون أن يستخدم السلاح الأكثر تطوّراً.
وبالتالي يتحدّث المصدر عن شجاعة في قرار الردّ على الرغم من كلّ التهويل الذي سبقه بالتهديد بحرب واسعة على الحزب وعلى لبنان. وعن نقلة نوعية في الصراع بعدما اكتشف الإسرائيلي أنّ للحزب قدرة على إطلاق مئات الصواريخ دفعة واحدة. وبالتالي لا تزال هذه الرسالة التي وصلت إلى تل أبيب تنتظر الجواب عليها عبر اعتراف رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو بخسائره. لا سيما أنّ صور الزورق الحربي المستهدف انتشرت على مواقع التواصل. وإن لم يرَ اللبنانيون بعد صور المركز الأمني الذي قال الحزب إنّه أصابه.
تقول المصادر المقرّبة من الحزب إنّ القرار اتُّخذ بأن يكون الهدف دقيقاً ومركّزاً على قواعد عسكرية وهادفاً إلى ألّا يجرّ لبنان إلى حرب أوسع. لكنّه في الوقت نفسه يؤكّد أنّه سيستمرّ في حرب إسناد غزة. لا سيما أنّ حركة حماس تخوض مفاوضات شرسة حول وقف إطلاق النار وصفقة التبادل.
أمّا اليوم، وبعد انتهاء الردّ ومصارحة نصرالله لبيئته بأنّها تستطيع العودة إلى منازلها لتزاول أعمالها وحياتها، لا يزال واقع حرب الإسناد حاضراً بانتظار جديد المفاوضات حول وقف إطلاق النار.
القوى الدّوليّة: فليكن آخر نفق الحرب
لم يكن الداخل اللبناني وحده يراقب تفاصيل ردّ الحزب على اغتيال شكر. بل كان سبق أن وصل مبعوثون من كلّ اتجاه للتحذير من خطورة الانزلاق إلى الأسوأ.
تقول مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ الخوف كان من ردّ غير محسوب ومن خطأ غير محسوب أيضاً يمكن له أن يؤدّي إلى دمار لبنان. إلا أنّ الحزب، كما تراه المصادر الدبلوماسية، قد تحلّى بالوعي الكافي ليكون ردّه مدروساً بشكل يمنع الإسرائيلي من استخدامه حجّةً لمزيد من التصعيد.
إلّا أنّ ذلك، بحسب المصادر، لن يعني انتهاء الأزمة. بل إنّ نتنياهو لا يزال يحتفظ بلائحته التي ستستكمل تصفية من عليها، ما لم يجلس لبنان إلى طاولة مفاوضات تطبيق الـ1701.
في هذا الإطار، تتحدّث المصادر عن أنّ التصعيد الإسرائيلي مستمرّ، وقد يبلغ حدّاً أقصى في الأيام المقبلة، سيما أنّ الجميع يستخدم أوراق قوّته لترجمتها على طاولة المفاوضات.
هنا لا بدّ من الاعتراف بأنّ ردّ الحزب قد يساهم في الدفع نحو اتفاق على وقف إطلاق النار في غزة استناداً إلى معطيات بدأت تظهر عن رغبة كلّ القوى بالوصول إلى وقف النار.
تزامناً تحاول واشنطن إقناع القاهرة بالمشاركة إلى جانب قوات دولية في التمركز على خطّ فيلادلفي.
ويمكن استنتاج الخلاصة الآتية: أما وقد جاء ردّ الحزب على اغتيال أحد أهمّ قادته تحت ما يسمّى الخطوط الحمر، فهذا يدلّ على أنّ كلّ القوى مستعدّة للنزول عن الشجرة، بدءاً من تل أبيب إلى غزة ولبنان ودول الطوق. فإمّا أن توفّر واشنطن الحاضرة بذراعيها الأمنيّة والسياسية مجموعة سلالم تمنع من خلالها سقوط أيّ من القوى ليحتفظ بالحدّ الكافي من رصيده، وإلّا فلا أفق لهذه الحرب الأزلية على هذه البقعة الجغرافية من الأرض.
ختاماً، لا يمكن اكتمال المشهد بين لبنان وإسرائيل من دون الانتباه إلى زيارة رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال تشارلز براون، جبهة شمال فلسطين، برفقة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هارتسي هليفي. وهي خطوة أولى من نوعها لقائد عسكري أميركي على الحدود. ليست مصادفة أن تأتي هذه الزيارة مع كل الأسطول الحربي البحري المرافق لها. لترسم رسالة من الأميركيين والإسرائيليين واضحة: آن أوان حسم المعركة قريباً والذهاب إلى أمن مستدام. وإذا كان موقف لبنان مرتبطاً بحركة حماس في غزة، فعلى الأرجح أنّ الأيام المقبلة ستحمل ما يكفي من مواجهات لحسم الصراع.
جوزفين ديب- اساس